الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جماليات الدراما النفسية عند هنريك أبسن

جماليات الدراما النفسية عند هنريك أبسن
28 فبراير 2008 04:55
المسرحيات التي تعتمد في حوارها على لغة محددة، إذا كانت تحمل سياقاً شعرياً أو نثرياً في بنيتها العامة، هي في الواقع، تعبير عن سايكلوجيات متعددة قد تتصف بالخير أو بالشر، أو بكليهما معاً، فنجد أن المؤلف الدرامي يجهد نفسه في خلق شخصيات ذات أبعاد نفسية معلومة، هي في واقعها إمّا تعبير عن اشتراطات نفسية في الواقع، أو أنها تجميع لعناصر متخيلة في فكر المؤلف، وهذه الشخصيات تمتلك من الدوافع النفسية والرغبات ما يجعلها تتصادم مع بعضها البعض، حيث تلعب النفس الإنسانية فيها دور المحرّك الذي يجسّم الأفعال إلى حدث درامي يدفع بالنص الدرامي إلى الأمام، وبالنتيجة تكون الشخصيات ترجمة لمنظومات سايكلوجية محددة ومتصارعة· محرّكات تقنية إن استخدام التقنيات النفسية في النص الدرامي يعتبر من المعطيات الفنية التي تجسّدت في العديد من النصوص، فالاعتماد على المونولوج، ''الحوار الداخلي''، في المونودراما، وبعض المسرحيات متعددة الأصوات، والتركيز على الطابع الفرداني للشخصية في المسرح التعبيري، ومشاهد الأحلام أو الكوابيس، أو أحلام اليقظة والرؤى السريالية، كلها محرّكات تقنية لأسلوب النص الدرامي إلى الحد الذي يتواصل فيها الفعل النفسي، باعتباره محرّكاً أساسياً ووحيداً لفعلها، مع محدودية الحركة الجسدية، كما هو الحال في مسرحيات هارولد بنتر حيث تتموضع الشخصيّات في أمكنة محددّة، بينما نجد حركتها النفسية في البوح والتعبيرعن جوّانيتها أوسع وأشمل من الحركة الجسدية، كذلك الحال بالنسبة للكاتب هنريك أبسن الذي اهتم بشكل أساس بالبعد السايكلوجي لشخصية المرأة في صراعها الاجتماعي مع المحيط، فعبّر في العديد من مسرحياته عن ذلك الصراع الذي يعتمل بداخل شخصياته النسوية بين التسليم بالتقاليد وبين الثورة عليها، كما في معالجته لوضع المرأة في مسرحية ''بيت الدمية'' على سبيل المثال، عندما تثور على السلطة الذكورية التي يمثلها زوجها، فتخرج من البيت ناقمة بعد أن تصفق الباب وراءها، لقد ركز أبسن على المشكلات الداخلية الخاصة بشخصياته واحتياجاتها التي تدفعها للصراع مع الآخر، ولم تعد مسرحياته، خاصة في المراحل الأخيرة من حياته، تحتوي على عقدة بالمفهوم التقليدي، بل تحوّلت إلى منظومة نفسيّة متراصّة، كما تحددت الحركة في مسرحياته كلما تقدّم في كتاباته، حيث لم يعد فيها حركة بالمعنى الدرامي المتعارف عليه، بل هناك أفعال نفسيّة تكشف عن سرّية الشخصيات وبواطنها، كما لا تحتوي على أية حوادث محددة المعالم تتدخل فيه نهائية عالمنا العضوي الملموس، كما يرى الناقد ميوريل برادبروك مثل إحراق ''هيدا جابلر'' للمخطوط، أو وضع يديها على المسدس، في مسرحية ''هيدا جابلر''· آفاق شاملة لقد حاول أبسن في مسرحياته، وبالاعتماد على العنصر السايكلوجي فيها، أن يخرج من نطاق المشكلات الاجتماعية في البيئة المحلية، للترويج والانطلاق نحو آفاق إنسانية عامة وشاملة، فشخصياته، وإن انتمت ظاهراً إلى البيئة النرويجية، إلا أنها في واقع الحال تعبير عن رموز نفسية، هدف منها أبسن خلق ''نماذج'' للخير والشر عبر تنويع الصراعات في مسرحياته بين الفرد وذاته (هيدا جابلر)، والفرد والآخر (نورا)، والفرد والمجتمع (ستوكمان)، إلى جانب توظيفه للعديد من التقنيات المسرحية ذات البعد النفسي مثل الحوار الداخلي (المونولوج )، وأحلام اليقظة، مبتعداً بذلك عن التجسيد الواقعي التقليدي في صياغة شخصياته· إبراز الهامش لقد أحدثت مسرحيات أبسن، عبر تقنيتها النفسية وإحكامها للصنعة المسرحية، دويّاً هائلاً على مستوى التلقي حينما تم عرضها في العديد من المسارح الأوربية، لأنها استطاعت أن تسلّط الضوء على ماهو مهمّش في النفس الإنسانية، خاصة قضايا المرأة، باعتبارها الحاضنة الرئيسية للأفعال السايكلوجية المتغيرة والغريبة، وقد أخذت السمة النفسية في مسرحيات أبسن طابعين أساسيين: الأول علاجي، والثاني تحريضي، حيث يعمل الطابع الأول على ترميم الذات الإنسانية عبر مواجهتها لمشكلاتها الأساسية، وتشريح النفس الإنسانية وفقاً لأسلوب المواجهة والمكاشفة، واستبطان ماهو سرّي وغير معلن في النفس الإنسانية، بينما نرى الطابع الثاني يتجسّد في التمرّد والثورة على ماهو سائد من العادات والتفاليد والقيم البالية التي تمثل عناصر ضغط على الشخصيات، وتدفع بها إلى إتخاذ مواقف مضادة، وإذا كان الطابع الأول ذا سمة تسكينية تشعر فيه الشخصيات بالخلاص، ولو لفترة محدودة، فإن الطابع الثاني يتسم بالقلق وعدم الاستقرار، مما يجعل الشخصيات في بحث دائم ودائب عن المخلّص أو المنقذ الذي يمكن أن يشيّد عالماً بديلاً للعالم القائم· يقيناً أنه لايمكن، بأي حال من الأحوال، فصل التأثير المتبادل بين علم النفس والفن الدرامي في أي قراءة لأبسن، لأنه كان كاتباً ناطقا بلسان شخصياته، وفقاً لرؤيا استبطانية تمزج بين عناصر الشعور واللاشعور في الصياغة الرؤيوية للمشكلات الإنسانية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©