السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سفيتلانا: لست بطلة

سفيتلانا: لست بطلة
9 أكتوبر 2015 03:57
برونو كورتي* ترجمة: أحمد عثمان «فهمت أن المعاناة لا تقود الإنسان إلى التطلع للحرية.. هذه فكرة الكتاب الرئيسية»، هكذا صرحت سفتلانا آلكسيفيتش. خلال ثلاثين عاما وخمسة كتب، أنقذت سفتلانا آلكسيفيتش ذاكرة الشعب القدري والنوستالجي. مرشحة لجائزة نوبل منذ أعوام قليلة، جائزة المكتبات في ألمانيا، جائزة «ميدسيس» (فرنسا)، في عام 2013، عن كتابها «نهاية الرجل الأحمر»، الذي اعتبرته مجلة «لير» «أفضل كتاب في العام»: تنهار سفتلانا تحت المجد. ومع ذلك، المهم بالنسبة لهذه المرأة المتحفظة، أن تتم ما أسمته «موسوعتها عن العصر السوفياتي»، الذي بدأت في كتاباتها منذ عام 1985 وترتبط بفهم أصول الشر وهي تسائل الرجال والنساء عن ما لم يتحدث عنه المؤرخون. * حتى إن قلت إن موضوع بحثك يتمثل في تاريخ المشاعر وليس الحرب، وهو موجود في كل مكان بنتاجك. ** لا نتحدث عن كل هذا في إطار العائلة، جدي من ناحية الأم توفي في الحرب وجدتي من ناحية الأم اغتالها الألمان، قتل ربع سكان بيلاروسيا خلال المعركة، وحركات المقاومة كانت قوية. بعد الحرب، كنا نخشى الذهاب إلى الغابات لأنها كانت ملغمة، كنا نرى المصابين في كل مكان يطلبون الصدقة، لأنهم لا يمتلكون حقا في المعاش، ظلوا حتى الستينات ثم ماتوا. مبكرا، اهتممت بهؤلاء الذين لم يتناولهم التاريخ، هؤلاء الناس الذين يتحركون في العتمة وبدون أن يتركوا آثارا خلفهم ولا يطلبون شيئا، حكى والدي وجدتي حكايات مؤثرة عن تلك التي سردتها في كتابي، إنها صدمة طفولتي، وقد حافظ خيالي عليها طويلا. * خمسة كتب خلال ثلاثين عاما، آلاف الشهادات مجمعة، معارك شخصية، قضية: كيف نجحت في التوصل الى هذا المشروع الفريد؟ ** فكرت أحيانا أنني لم أعد أملك القوة في تحقيقه. أذكر أنني سألت ذات يوم امرأة أمضت خمسة عشر عاما في معسكر اعتقال تحت ستالين واستمرت رغم كل شيء في تمجيده، بكيت، أذكر أنني رأيت شبابا يعملون في مفاعل شيرنوبل النووي بعد الكارثة من دون حماية معينة، أذكر أنني رأيت في المستشفيات الأفغانية الفظائع التي ارتكبها جنودنا، فقدت الوعي كثيرا، لست بطلة، لم تزل كل هذه الأصوات تلاحقني، لزمتني سنوات طويلة لكي أبني هذا المشروع، ربما كنت على خطأ بالدخول إلى هذه المغامرة، اليوم أشعر بكوني حرة. * عملك لا يستند إلى التاريخ ولا إلى الصحافة. كيف تنظرين إليه؟ ** بالنسبة لي، أتحدث عن «رواية الأصوات»، نوع أدبي استلهمته من آليس آداموفيتش. وبهذه الطريقة، ألاقي الراحة النفسية والواقعية. ليس هذا بالعمل الصحفي، أشعر بأن هذه المهنة تحاصرني، الموضوعات التي وددت الكتابة عنها، سر الروح الإنسانية، الشر، لا تثير الصحافة وأنا الأخبار تزعجني. * لا تظهرين أبدا في كتبك، ولكنك تعتبرين نفسك «متواطئة»... ** كل نظام توتاليتاري يختطف الناس إذا كانت هناك حلقة ضعيفة، تنقطع السلسلة، وبالتالي، نحن جميعا رهائن النظام، كنت عضوا بالشبيبة الشيوعية مثل الجميع، كطالبة، اعتقدت بضرورة تطبيق اشتراكية ذات طابع إنساني. ولكن لم يتوقع أحد تطور الأحداث، ولا حتى غورباتشيف، نتخيل خططا في مطابخنا، كنا سذجا. بسرعة، في الشارع، أحطنا بعصابات صادرت كل ثرواتنا. * كان الإيمان بأيام أفضل بعد الرعب الستاليني رد فعل طبيعيا، أليس كذلك؟ ** للتاريخ الروسي تقليد طويل من المعاناة، والناس تسكنهم هذه الوضعية الشاذة، هناك شيء من القدرية، على وجه الخصوص في بيلاروسيا. لم تؤد كارثة شيرنوبل، مثلا، إلى تأسيس جمعية للدفاع عن الضحايا، وأيضا خلال مرحلة أفغانستان، لدى جميع العائلات التي قابلتها، كان هناك ضحايا للستالينية، ومع ذلك تتأرجح ردود الأفعال بين المعاناة الرهيبة وامتلاك عقلية العبيد، تتذكر هذا الرجل الذي أمضى سنوات داخل معسكر اعتقال وعند عودته منه تقاسم مكتبه مع الواشي به. كان الاثنان على علم بما جرى، بيد أن الضحية لم تقل شيئا، فهمت أن المعاناة لا تقود الإنسان إلى التطلع إلى الحرية، هذه فكرة الكتاب الرئيسية. *«نهاية الرجل الأحمر» تتمة متصلة للعنف. ** لا قيمة لحياة الإنسان لدينا، كانت التسعينات وانهيار الامبراطورية سنوات الثأر، سيادة المسوخ، كما في المعسكرات الستالينية، ما فهمته وأنا أكتب هذا الكتاب، أنه لا يوجد شر خالص كيميائيا، لا توجد صفات فردية معنية، ولكن الشر تشعشع في المجتمع بأسره. * تنظرين أحيانا إلى الرعب الستاليني والرعب النازي على نفس المستوى. ** كان والدي طالبا يدرس الصحافة في مينسك قبل الحرب، بدأت الحرب وقتما كان في السنة الثانية، طلب منه الذهاب إلى المعركة. حينما قال ذلك إلى أستاذه، أجابه الأخير: «هذه الحرب، فاشية تحارب أخرى، ولكننا سوف ننتصر، لأن جنودنا ليسوا قساة». تساءل والدي إن كان من الضروري أن يشي بأستاذه بسبب هذا الكلام، ولكنه رحل من دون أن يبت في المسألة. حينما سرد لي هذه الحكاية، قال لي: «لا يمكن أن تتخيلي ما فعلوه بنا». * هل تعتقدين أن بوتين هو الرجل الذي يستطيع استعادة عظمة روسيا؟ ** يرى الناس فيه الصورة التي تجسد عظمتنا المتلاشية، يريد الشباب العيش في بلد كبير، حينما أراد البقاء في السلطة، وعد بأن يجعل الأثرياء يدفعون ما عليهم، وعندما أنتخب، نسى كل وعوده. نجح بحشو الأدمغة باللامبالاة والعنف تجاه المنحرفين جنسيا، رؤيته وهو يمسك بندقية في اليد، صورة. أذهب الى الشبكات الاجتماعية الروسية، وسوف ترى أن الناس مغفلون، رغم كل شيء، رغم الثراء المختلس، هروب الرأسمال، الروس قدريون، يقولون إنهم معتادون وأنهم لم يعرفوا أبدا سياسيين شرفاء وصلوا من قبل إلى السلطة. * هل تستطيعين الكتابة غدا نتاجا خياليا كليا؟ * لا يسأل الناثر إن كان يستطيع كتابة رواية شعريا! «رواية الأصوات»، هو النوع الذي اخترته والذي بواسطته واصلت عملي، الموضوعات لا تنقصني، والشر يأخذ أشكالا عدة بالتأكيد، منذ دوستويفسكي، لم يتحدث أحد بصورة فضلى عن هذه المسألة. كل هذه الحروب التي جرت بعد انهيار الامبراطورية ولا أحد يجد في نفسه القدرة على شرح الضرورة، قال دوستويفسكي إنه بحث طوال حياته عن الوجود الإنساني في الإنسان. وأجابه شالاموف، بعد قضاء أيام في معسكر احتجاز، أن الإنسان اختفى. ** المصدر: (*) Bruno Corty، Entretien avec Svetlana Alexievitch: «La souffrance est une tradition russe، Liberation، 04/12/2011
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©