السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

مَنْ تكلم في غير فنه جاء بالعجائب

مَنْ تكلم في غير فنه جاء بالعجائب
8 أكتوبر 2015 22:50
عندما يقتحم الإنسان مجالات لا يُحْسِنُها فإنه يجني على نفسه ويفضحها، ويتعدى على العلم والمعرفة، ويهتك حُرْمَةَ التخصص، وإذا وصل هذا التعدي إلى كلام الله ورسوله فهو من القول على الله بلا علم، وذلك مطلب الشيطان وأمله، قال الله تعالى: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، «سورة البقرة: الآيتان 168 - 169». لا يكفي أن يثق الإنسان بعقله، ويعتمد على ذكائه، ويحسب أن عبقريته تجلب له العلوم من دون تَعَلُّم، بل عليه أن يمنع نفسه من الحديث إلا فيما يعقِل ويفهم، وإذا أراد فهم أمر طبي رجع للأطباء، أو سِرَّاً لغوياً رجع لأهل اللغة والبلاغة، وهكذا. وكما قال الإمام عبدالقاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز: «إذا تعاطَى الشيءَ غيرُ أهلِه، وتولَّى الأمرَ غيرُ البصير به، أَعْضَلَ الداءُ، واشتدَّ البلاءُ». وقد استولت طبيعة التعالم والفضول على بعض الناس، فتسرعوا للكلام فيما لا يُحسنون، ولهؤلاء وفي حقهم يقول الشافعي رحمه الله في الرسالة: «وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به، وأقرب من السلامة له». سمعتُ واحداً من هؤلاء المتهورين يقول: إن البخاري ومسلم لم يصححا الأحاديث اعتماداً على معارفهما وعلومهما، وإنما كانا يعتمدان على أقوال الحفاظ الكبار الذين سبقوهم كالذهبي وابن حجر، أيجهل هذا المتحدث أن الإمام محمد بن إسماعيل البخاري والإمام مسلم بن الحجاج من علماء القرن الثالث الهجري، فكيف يعتمدان على الذهبي الذي ولد في القرن السابع وابن حجر الذي ولد في القرن الثامن، وهكذا العجائب. ونقول لهؤلاء ما قاله الإمام السمعاني في كتابه قواطع الأدلة في الأصول: «فإن من خاض فيما ليس من شأنه فأقل ما يصيبه افتضاحه عند أهله». أحدهم كتب تعليقاً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»، وفسر في حاشية الصفحة كلمة «ومَالُكَ»، فقال: «مالك»: هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وكما قيل: شر البلية ما يضحك!. وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى نُصِبَتْ له عَنَزَة «أي: حَرْبَة» فيصلي إليها،.. فظنَّ أحدهم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى قبيلة عنزة، فقال: نحن قومٌ لنا شرفٌ، نحن من عنزةٍ، صلى إلينا النبي صلى الله عليه وسلم. وآخر ظَنَّ النون ساكنة «عنْزَة»، ففسر الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الصلاة وضع قُدَّامه شاة، ففسر «عنَزَة» بـ «شاة». وهكذا في أيامنا نسمع العجائب، فيعترض الجاهل على العالم، ويفقد العلم جماله وجلاله وعمقه وحقيقته حين يعتدي عليه مَنْ لَمْ يدرسه ولم يفهم مغازيه ومراميه. إن لفهم «النص الشرعي» قواعد لابد من استيعابها، ومعارف لابد من الإلمام بها، وللشريعة مقاصد لابد من مراعاتها، فمن تعامل مع النص الشرعي بعيداً عن ذلك فقد جنى على الشريعة، وكَسَا وجهها الجميل بسواد فهمه وسوء صنيعه. وكما قيل: لا تَحْسَب الفِقه تَمْراً أنْتَ آكِلُه... لَنْ تَبْلُغ الفِقْهَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَبرا د. سيف علي العصري المفتي في المركز الرسمي للإفتاء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©