الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأفغان .. محنة الوصول إلى أوروبا

10 أكتوبر 2015 04:47
سيتذكر العالم عام 2015 على أنه عام الهجرات الجماعية المكثفة من آسيا وأفريقيا إلى أوروبا. ومنذ أيامه الأولى، وصل ما يقارب 424 ألف لاجـــئ إلى شواطئ أوروبا بالمقارنة مع 219 ألفاً عام 2014. ومن ناحية أخرى، مات ما يزيد على 2740 مهاجراً أثناء محاولتهم قطع مياه البحر الأبيض المتوسط هذا العام أيضاً. كما أن الأرقام الحقيقية لأعداد القتلى يمكن أن تكون أكبر من ذلك بكثير. وبالرغم من صعوبة تحديد العدد الدقيق للمهاجرين إلى أوروبا هذا العام وجنسياتهم المفصلة، إلا أن السوريين يشكلون 38 بالمئة منهم (161 ألفاً). ويأتي المهاجرون الأفغان الذين تمكنوا من الوصـول إلى أوروبا في المرتبة الثانية بنحو 36 بالمئة (153 ألفاً). ومعظم المهاجرين الأفغان هم من أجيال الشباب. وفي وقت تركز فيه الصحافة الدولية على الإشارة للأخطار الأمنية التي تنطوي عليها ظاهرة الهجرة المكثفة للشبان الأفغان، إلا أن الحقيقة مخالفة لهذا الطرح تماماً. وذلك لأن السبب الأساسي لهجرة الأفغان ليس أمنياً بل اقتصادياً بالدرجة الأولى. وعندما تم عزل نظام «طالبان» وتشكيل الحكومة الديمقراطية في عهد الرئيس حامد كرزاي الذي أتى إلى السلطة بدعم من قوات حلف «الناتو»، دخلت أفغانستان عهداً جديداً من التنمية الاقتصادية والتطور الاجتماعي. وبالرغم من أن الاقتصاد نما بمعدل يفوق 10 بالمئة، إلا أن هذا النمو تحقق بسبب الأموال التي خصصتها الولايات المتحدة للاستثمار، في إعادة بناء أفغانستان بطريقة التعاقد. وفي نفس الوقت، بدأ الآلاف من التلاميذ الأفغان الالتحاق بالمدارس والجامعات المنتشرة في العالم، بعد أن تكفلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند بدفع نفقات دراستهم. وبدأت المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الأفغاني بالظهور بعد انسحاب قوات حلف «الناتو»، وتراجع الاستثمارات الأجنبية في أفغانستان. وخلال العقد الأخير، فشلت الحكومة الأفغانية في تحفيز الاقتصاد وتنويع مصادره. والآن، ومع تراجع حجم المعونات الخارجية وانخفاض وتيرة العمل في البناء، أصبح الاقتصاد الأفغاني يعاني من ركود خطير. وأدت البطالة المرافقة لهذه التطورات إلى الشعور باليأس في أوساط الجيل المثقف الجديد من الأفغان. وشعر هؤلاء بأن البطالة المتفشية تمنعهم من إظهار مهاراتهم. ولهذا السبب أصبحت الهجرة إلى أوروبا أفضل أمل لهم من أجل عيش حياة أفضل. وعادةّ ما تبدأ رحلة المهاجرين الأفغان إلى أوروبا من الشوارع المغبرة للعاصمة الأفغانية. وهي التي يلتقي فيها المهاجرون مع تجّار تهريب البشر لتتم الصفقات مقابل حفنة من المال. وغالباً ما يتم دفع المبلغ المتفق عليه بطريقة التقسيط بحيث لا يكتمل دفعه، إلا بعد وصول المهاجر إلى المقصد النهائي. ويكون مسار الرحلة التـي يقطعها المهاجرون بالغ الخطورة، ويمر عبر الحدود المشتركة مع إيران وبالضبط من إقليم «نيمروز» الأفغاني، وتعقب ذلك مرحلة المشي على الأقدام لبضعة أيام حتى عبور الحدود التركية. وفي إسطنبول، يحرص تجّار البشر على إبقاء المهاجرين في بيوت آمنة وبعيدة عن أعين رجال الأمن، حتى يحين الوقت المناسب لبدء المرحلة الأخيرة من رحلتهم إلى أوروبا إما عن طريق البحر أو البرّ. ويفضل بعض المهاجرين امتطاء قوارب صغيرة قريباً من السواحل الغربية التركية من أجل الوصول إلى اليونان. ويختار آخرون الرحلة البرية عبر اليونان وبلغاريا، وغالباً ما يختبئون تحت الشاحنات أو عربات القطارات. وتكون دولة المجر أو بقية دول اتفاقية «شينجن» هي المقصد النهائي لهؤلاء. ومن خلال مقابلاتي مع المهاجرين الأفغان في إسطنبول، اكتشفت أن الرحلة تكلف المهاجر الأفغاني الواحد ما يعادل 6000 دولار. والكثير من الشبان يبيعون أراضيهم أو بيوتهم أو ممتلكاتهم الأخرى من أجل الدفع للمهربين. ونتيجة لكل ذلك، فعندما يتم القبض عليهم، فإنهم يرفضون العودة إلى أفغانستان لأنهم لا يمتلكون شيئاً هناك. والحل الوحيد والمستدام لمشكلة اللاجئين الأفغان يكمن في زيادة المساعدات الاقتصادية (لا العسكرية) لأفغانستان. ويحتاج الجيل الجديد المتعلم منهم إلى الوظائف ومناصب العمل والإنتاج. وإذا ما أمكن تحقيق نمو اقتصادي مناسب، وانفتحت آفاق العمل والتوظيــف، فإن من غير المحتمل أن يختار الشـبان الأفغان القيام بمثل هذه الرحلــــة الخطيـرة والمكلفـــــة والمجهولـــة النتائــــج إلى أوروبا. ساير داوود زاي* * نائب القنصل الأفغاني في إسطنبول ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©