الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

أعمال خليجية ومحلية تناقش أزمة الهوية والشتات الاجتماعي

أعمال خليجية ومحلية تناقش أزمة الهوية والشتات الاجتماعي
18 أكتوبر 2011 00:26
(أبوظبي) - تواصلت مساء أمس الأول بصالات فوكس السينمائية في المارينا المول عروض الأفلام الروائية القصيرة المتنافسة على جائزة (مسابقة أفلام من الإمارات)، والتي أفردت لها إدارة مهرجان أبوظبي السينمائي موقعا خاصا على خريطة الفعاليات والأنشطة والمسابقات التي يضمها الحدث، ويأتي احتضان هذه المسابقة بالذات كونها المعبر أو الجسر البصري الذي يمرر وبلغة مفتوحة وسلسة صورا ومشاهد من تاريخ المنطقة وثقافتها، وكما أشارت مدونة المهرجان فإن أهمية (مسابقة أفلام من الإمارات) لا تقتصر على منح المشاركين فرصة الحصول على الجوائز، وإنما أيضا إتاحة المجال لعرض أعمال السينمائيين الإماراتيين والخليجيين على صناع السينما المشاركين في المهرجان والقادمين من بيئات فنية متمايزة وعريقة في هذا المجال. ولعل في الأفلام التي عرضت أمس الأول ما يفصح عن هذه الخصوصية الجديدة التي طرأت على شكل وطبيعة الحياة في المنطقة، والتي تناولتها معظم هذه الأفلام من وجهة نظر نقدية تحمل في مشهديتها الجارحة ما يمكن أن نطلق عليه (التشريح البصري للظواهر الاجتماعية الجديدة)، وهو تشريح ينطوي دون شك على نوايا صافية ومخلصة، ولكن طرق التعبير عنها سينمائيا جاء متفاوتا وبدرجة ملحوظة، فهناك أفلام تاهت بين الأسلوب الواقعي والأسلوب الرمزي كي تصدر هذه النوايا وتجسدها أمام المشاهد، بينما اتكأت أفلام أخرى على الخيال المفرط كوسيلة للهروب من النقد الصريح لهذه الظواهر، ولكن هذه المعالجة إذا لم تكن حاذقة ومستوفية لشروطها وتوازناتها فإنها يمكن أن تفضي إلى متاهات شكلية وإيحائية تخرج عن سيطرة صناعها، ويمكن أن تقود المتفرج إلى حيرة كبرى وتفسير مشوش تجاه رسالة الفيلم ومقولته الأساسية. والأفلام التي عرضت هي: “خيارات” للمخرج الإماراتي أحمد المطوع، و”رنين” للمخرج العماني ميثم الموسوي، و”تلفوني” للإماراتي حسن كيّاني، و”ريح” للإماراتي وليد الشحي، و”الخليج حبيبي” للقطري مهدي علي، و”أحلام بالأرز” للمخرجين الإماراتيين ياسر النيادي وهناء الشاطري. تداخلات ففي فيلم “خيارات” لأحمد المطوع تتداخل إشكاليات اجتماعية متعددة في ثلاثة مشاهد فقط، وهو تكثيف مطلوب لمعالجة ذروة التوتر الدرامي لشخص متسرع في أحكامه ويعتمد على الظواهر الملموسة فقط كي يطلق غضبه واعترافاته الجارحة في هاتف حبيبته، والذي اعتقد أنها هجرته لمجرد أنها نسيت خاتمها على الطاولة، ولأنها كانت تضع سماعات الموسيقا ولم ترد عليه أثناء وجودها في الغرفة المقابلة، حيث يفاجأ العاشق بها، فتتكشف أمامه أنانيته الفردية وخياناته المستترة في لحظة تنويرية تضيء لنا الجوانب المعتمة والغامضة في النفس البشرية، ونستغرب من المخرج هنا استعانته بممثلين أجانب، ذلك أن وقع هذه اللحظة الدرامية المتوترة سيكون أكثر نجاحا وتأثيرا إذا كان صادرا من شخصيات مرتبطة بالمكان، وما يتضمنه وجودها في حيز ملتبس وقائم على تناقضات وأسرار متوارية تحت السطح، وتلامس قيم متبدلة مثل الحب والخيانة والتلون الاجتماعي وتقديم المصلحة الذاتية على حساب الطرف الآخر الغافل والبريء والمحايد. المنبوذون أما فيلم المخرج العماني ميثم الموسوي بعنوان “رنين” فيناقش قضية اللقطاء المحرومين والمنبوذين، والذين تتشكل طفولتهم في مناخات إقصائية ومبتورة مقارنة بالآخرين الذين عاشوا طفولة سوية ومشمولة بالعطف والاحتضان، تدور أحداث هذا الفيلم القصير في ردهات مستشفى للأطفال، حيث نرى طفلة غائبة عن الوعي في غرفة معزولة تبدو أشبه بغرفة الإنعاش، وفي المقابل نرى طفلا آخر يحاول أن يتواصل معها، معتمدا على مخزونه الهائل من البراءة واللطف كي يخلق نوعا من العلاقة والرفقة التي يبدو أنه يفتقدها بعمق، وعندما تلفظ الفتاة أنفاسها يخرج الطفل إلى الباحة الخارجية للمستشفى كي ينفس عن حزنه، وهناك يفاجأ بطفل لقيط ومتروك قرب الباحة، فيأخذه إلى الداخل ويختزن في يوم واحد خبرات أكبر من سنه ووعيه تتعلق بالموت والميلاد، وبالحرمان والمشاركة، وبالحزن الضاري والبهجة العابرة، وهي تناقضات تشكل سيرة حياة متأزمة لطفل نكتشف في نهاية الفيلم أنه لقيط هو الآخر وموعود بالدخول في تجارب قادمة أكثر بؤسا ومأساوية، الفيلم ورغم الارتباكات الملحوظة في بعض مشاهده، استطاع أن ينقل بكاميرا واعية وبمونتاج ذكي أحاسيس طفل لقيط مفعم بالبراءة ورغبة الاكتشاف، ومحاصر في ذات الوقت بحرمان جارف لا يعرف مصدره ولا أين يمكن له أن يقوده. فضول في فيلم “تلفوني” يستخدم المخرج الهاتف النقال لتصوير عمله من وجهة نظر طفل يتملكه الفضول لاكتشاف المنطقة التي يعيش فيها، ويوميات الحياة داخل البيت وخارجه، فيتعاطف مع عامل التنظيف الآسيوي ويقترب من عالمه، فيما يشبه صياغة فيلم ثانوي في الفيلم الأصلي، من خلال نسق تسجيلي يعتمد على الارتجال والتقاط اللحظة الطازجة والعفوية، ولكن هذه المغامرة البصرية سوف تقود الطفل لحقيقة صادمة حيث يكتشف ومعه العامل الآسيوي وجود شخص غريب يتسلل إلى المنزل من الباب الخلفي الخاص بغرفة الخادمة، ويختتم الفيلم على المشهد الصادم التي ساهمت كاميرا الهاتف المحمول في فضحه، ومن دون حوارات أو تأسيس موضوعي مسبق، إمعانا في التأكيد على وجود ظواهر دخيلة ومقلقة في المكان وبحاجة لعين فاحصة تلاحق مساراتها الخفية، وتعالج مسبباتها. باريس أما المخرج القطري مهدي علي فحمل كاميرته إلى مدينة باريس كي يصيغ لنا حكاية فيلمه هناك ويقحمنا مباشرة في عالم الفقراء والمهمشين الذين يفترشون الأرصفة ويهيمون في الشوارع الخلفية والمعتمة لمدينة النور، ويبدأ الفيلم بمشهد لعازف جيتار فرنسي يستجدي أحد الأثرياء الخليجيين ويغني له بالعربية: “الخليج حبيبي” بينما تتسول صديقته قرب أحد الفنادق الفاخرة، وتسعى إلى تحقيق حلم عشيقها الفقير بالسفر إلى الخليج، والخروج من الوضع البائس والمزري المحيط بهما، وينتهي الفيلم على مشهد سوف يجهز تماما على الحلم المشترك للعاشقين، لأن الأحلام التي تصدر من الأرصفة مصيرها العودة إلى ذات المكان، وإلى ذات الجغرافيا المحصورة والمغيبة والمنغلقة على ذاتها وانشغالاتها المحدودة، الفيلم ورغم تميزه تقنيا، عانى من الأداء الضعيف للممثلين، وعن خروجه عن المسار الواقعي الذي اختاره كمناخ درامي خصوصا عندما لجأ للمبالغة في تصوير وضع المشردين، ونقل الصورة الفجة والتقليدية للثري المهووس برغباته ونوازعه الحسية المفرطة. أحلام في آخر الأفلام المعروضة بالبرنامج قدم المخرجان الإماراتيان ياسر النيادي وهناء الشاطري من خلال فيلمهما “أحلام بالأرز” صورة عن أزمة الهوية والشتات من خلال ثلاثة خطوط سردية، تنطلق من تفاصيل ويوميات أسرة إماراتية تكون فيها الأم محور ومنبع هذه الخطوط، في المسار أو الخط الأول نرى السائق الآسيوي الذي يدير مزرعة العائلة ويستغل اهمالها وغياب رقابتها عليه كي يتحكم بموارد المزرعة ويقوم بتصرفات طائشة وغير محسوبة، في الخط السردي الثاني نرى الابن الذي يحلم بالوصول للنجومية والشهرة من خلال مهنة التمثيل ولكنه يفشل في أولى تجاربه ويعود منكسرا ومحبطا إلى واقعه ووضعه الروتيني، وفي الخط الثالث نطل على التوتر القائم بين الأم وابنتها المتزوجة والتي تعاني من مشاكل صحية تتعلق بالحمل، ورغم الإمكانية القصصية المتوفرة لاستثمار التقابل والافتراق بين هذه الخطوط، إلا أننا كمشاهدين شعرنا بوجود انفصال كبير عن مقولة الفيلم وما يريد أن يوصله إلينا من خلال القصة ومساراتها، وللخروج من هذه المتاهة الموضوعية والفنية لجأ الفيلم لصوت الراوي الذي يأتي من خارج الكادر كي يشرح لنا عنوان الفيلم ويزيح اللثام عن الغموض المشهدي الذي تسبب به النص المكتوب والخلط الكبير بين الواقعية والفنتازيا، لأن كلا الأسلوبين لم ينقذا الفيلم من فقره ومحدوديته الجمالية والسردية، فكان الصوت الخارجي للراوي هو الحل الأخير لإيصال رسالة الفيلم حول أزمة الهوية وانعكاسات الجشع والثراء الفاحش التي يمكن أن تتسبب في مشكلات صعبة ومحفوفة بالمخاطر الاجتماعية والأسرية. «ريح» الشحي.. رموز وإشارات جاء فيلم “ريح” للمخرج وليد الشحي مختلفا شكلا ومضمونا عن الأفلام السابقة فمن خلال سيناريو كتبه محمد حسن أحمد واعتمد فيه كليا على الرمز والإشارة والإيحاء، ينطلق وليد الشحي بكاميرته نحو زمن متخيل ومسكون بالغرابة وبشخوص غامضين لا نعرف من أين أتوا ولا إلى أين هم ذاهبون، فكل ما نعرفه أنهم يسكنون في الجانب الآخر والنائي من المدينة، والمسكون بهاجس الريح المنقذة من لعنة الصدأ التي أصابت الجميع وجعلتهم يأوون إلى قبر واسع يحميهم من الأصوات المرعبة التي تجتاحهم من كل حدب وصوب، وكعادة أفلام وليد الشحي تميز فيلم “ريح” بأناقته المشهدية واعتنائه بالكادر وبالإيقاع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©