السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الواقعية تفضح «الأمّة متعددة الأعراق»

الواقعية تفضح «الأمّة متعددة الأعراق»
18 أكتوبر 2011 00:27
(أبوظبي) - “أمة متعددة الأعراق تتصرف على نحو سيّئ”.. تبدو هذه العبارة الغرائبية المُدرجة في توصيف فيلم “سكيم” الجنوب الأفريقي، مليئة بالإغواء لمتابعة هذا الفيلم المدرج ضمن قائمة عروض السينما العالمية ويحمل توقيع واحد من أهم مخرجي جنوب أفريقيا الشبان بعد فوزه بجائزة عالمية عن فيلم سابق له هو تيم غرين، المعروف محلياً على نطاق واسع بسبب مسلسل تلفزيوني قام بإخراجه بمشاركة مجموعة من الممثلين الكوميديين البارزين من بينهم كورت سكونرآد أحد بطلي الفيلم بالإضافة إلى الممثل الشاب واندل موليباتسي. ويبدو أن جملة المفارقات التي تحدث بين شخصيات الفيلم التي نتعرف إليها عبر شخصية فيستا التي يؤديها واندل موليباتسي تكاد تكون أكثر أهمية من الحكاية ذاتها، إذ أنّ ما يصبو إليه المخرج غرين، الذي حضر العرض صحبة المنتج زاهير غودمان بيات، هو المكاشفة، بل فضيحة القيم التي تخص شرائح اجتماعية طبقية تتشكل منها أمة جنوب أفريقيا متعددة الأعراق عندما تكون في لحظة مواجهة مع ذاتها، وذلك في مشاهد متتالية ذات إيقاع سريع دون فائض في الكلام أو الحركة، بل بلغت سيطرة المخرج على أدواته ألا يشعر المرء بأن على الشاشة ممثل يقوم بالتمثيل، إنما هي الصدقية الكبيرة في الانغماس في التركيبة النفسية والأدائية للشخصية التي قد يحسب المرء أنه قد صادفها قبل قليل على السُلّم الصاعد من الطابق الأول إلى الطابق الثاني في (المارينا مول) حيث دار السينما التي عرضت الفيلم. ما يعني أن المخرج، وبالتالي الفيلم وفريق العمل قد قدّم للمشاهِد ما فوّضه الأخير بتقديمه، فيلما ينتمي إلى الواقع المُعاش والحياة مثلما تحدث أو من الممكن ان تحدث دون مبالغات أو إفراط في تأويل الواقع. وما ينطبق على البنية الحكائية لـ”سكيم” بواقعيتها هو ذاته الذي ينطبق أيضا على الصورة، فأغلب اللقطات هي لقطات قريبة تُبرز الشخصية ضمن إطار كادر غير مبالغ في محتوياته بل هو بسيط على نحو يُعادل بساطة الفكرة وعمقها، غير أن هذه اللقطات القريبة أيضا تكشف عن ردود الأفعال التلقائية المباشرة وعن مجمل التعبيرات الفردية للشخصية تجاه ما يحدث حولها، أي أن التمثيل هنا ليس لعبة تتعلق بقدرات الممثل ومقدرته على التعبير الجسدي عنها، بل التمثيل هنا فعل وردّ فعل من ذلك النوع الذي يقود التوتر الدرامي إلى أقصى ما يتخيله المرء. ولعل هذا ما يتيح للمشاهِد أنْ يتعرف إلى التنوّع والغنى النفسي والإنساني الذي يميّز كل شخصية عن الأخرى في سياق لا يمنح البطولة المطلقة لممثل بعينه حتى كأن المخرج يترك لكل ممثل من الممثلين أن يعبّر عن فهم خاص للشخصية وعن أدوات التعبير عنها. أجمل “كراكتر” مصنوع يقدمه الفيلم تلك الشخصية لأحد أفراد العصابة الذي يتأتئ في الكلام والذي عندما ينتهي من إيضاح أمر ما خلال رحلة العصابة في تعقبها المال تكون المواقف قد اختلطت، وقبل ذلك كان قد حاول أن ينتزع معلومة من أحدهم بتسليط النار عليه غير أنه أحرقه بالكامل ما استدعى إطفاءه بآلة إطفاء حريق يدوية. بهذا المعنى يكون الانتهازي على ما هو عليه في الواقع وكذلك الطامح والشرير والطيب والداعرة وقوّادوها، حيث كل الأدوات مشروعة وكذلك أشكال الاحتيال للفوز بالغنيمة. بدءا من اللحظات الأولى، مع المشهد الأول، للفيلم يضعنا المخرج في قلب الإشكالية الدرامية والأخلاقية للفيلم، إذ تتبدى البؤرة المركزية للفيلم هي المليون راند (وحدة النقد المتداولة في جنوب أفريقيا) التي تمّ تحصيلها من الاتجار بالمخدرات ونقلها من أحد مواطن السود عبر البلاد إلى العاصمة جوهانسبيرغ، لكن السيارة تتعطل بفيستا ورتش ريتشي (كورت سكونرآد) فيلجآن إلى منتجع على الطريق، حيث يفتضح أمر المال المنقول ليبدأ الصراع بين كافة الشرائح الاجتماعية التي يستيقظ فيها حلم الثراء السريع ولو على حساب الآخرين. ووسط هذه المعمعة هناك فسحة للحب والأمل يجعله المخرج يتجسد في قصة حبّ تنشأ سريعا وعميقا بين فيستا وإحدى الشخصيات النسائية البيضاء، هذا الحب الذي يمنعهما من مطاردة أوهام الثراء إلى الحلم بعلاقة إنسانية ناضجة. بالطبع ما من مقولات جاهزة أو شعاراتية يقولها الفيلم، بل هي مواقف إنسانية متداخلة مع كوميديا الموقف التي تثير الضحك بالفعل، وكذلك عبر ما تنطق به الصورة من دلالات: العائلة البيضاء هي بيضاء نقية بلا أخلاط وكذلك هي العائلة السوداء، أما الاختلاط الحقيقي الذي انبنى على أسس تتصل بالمهنة أو الأشواق العليا للأفراد فهي لدى الشبان والشابات، وهنا أيضا لا اختلاط بين الجنسين. عبر هذه الدقة في التفاصيل التي تتبدى للعيان يزيح الستار عن وهْم تعدد الأعراق في مجتمع لم يمتلك ادواته بعد للحد من انتشار المخدرّات التي تتاجر بها هذه الأعراق ولا ما يتصل بها من انتشار واسع النطاق للعصابات والأسلحة. وبهذا المعنى أيضا فإن الدلالة الواسعة للفيلم “سكيم” تصبّ في إدانة التعددية العرقية عندما تبالغ في طموحها للثراء السريع على حساب الآخرين وتحديدا السود الذين ما زالوا يستوطنون الضواحي مثل كيب تاون الشهيرة بمقاومتها للتمييز العنصري. إجمالا فهذا الفيلم إذ ينتقد “أمة متعددة الأعراق تتصرف على نحو سيّء” لا يأخذ ذريعته من هذا النقد المتسلط على مجتمع بأكمله، بل إن المخرج ينزع عبر هذا الفيلم، بوصفه مبنى ومعنى، إلى خلق سينما مختلفة والبوابة إليها يأتي عبر واقعية من الممكن حدوثها دائما. أخيرا يشار إلى أن تيم غرين قد لفت الانتباه العالمي إليه منذ العام 2005 لدى عرض فيلمه “الصبي الذي يدعى تويست” ونال جوائز محلية ودولية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©