الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليبيا: تحديات ثقافة الطيف الواحد

18 أكتوبر 2011 12:25
تارا باهرمبور طرابلس في مركز تجاري صغير بحي أبوسليم الفقير، أطلت بائعة في متجر قديم للعطور تدعى نسرين على باب محل لبيع الهواتف النقالة لتلقي التحية على أصدقائها العاملين هناك، نظرت حولها لترى ما إن كان أحد في الجوار، ثم هتفت بجزء من شعار للنظام الذي تم إسقاطه: "معمر هو من نحتاجه"، قبل أن تفر مبتعدة. وبعد أربعة عقود كان انتقاد معمر القذافي بشكل صريح خلالها يعني إمكانية التعرض للسجن أو التعذيب أو الموت، يَعد الآن مهندسو ليبيا ما بعد الثورة بضمان حرية التعبير والانفتاح على تعددية الآراء السياسية؛ ولكن أنصار القذافي يقولون إنهم لم يشعروا بتلك الحرية بعد. وفي هذا السياق، تقول ربة بيت في الخمسين من عمرها في منطقة نجيلة الواقعة في ضواحي طرابلس: "إننا لا نستطيع التحدث". وتوضح أنها وأصدقاءها لا يجرؤون على الكشف عن مواقفهم علانية إذ تقول: "إذا خرجتُ الآن وقلت إنني أحب القذافي، فإنهم ربما سيعتقلونني أو يطلقون النار عليَّ". وعلى غرار أنصار آخرين للقذافي مشار إليهم في هذا التقرير، فإنها لم ترغب في الكشف عن اسمها خوفاً من أية أعمال انتقامية. وبالنسبة للأشخاص الذين يفضلون ليبيا القديمة، فإن شوارع العاصمة وأماكن العمل فيها باتت اليوم تبدو مثل أراض عدائية. فأجهزة المذياع تنبعث منها أغاني "الراب" الثورية، والأطفال في الشوارع ينشدون النشيد الوطني لليبيا ما قبل القذافي، وكل شيء -من جذوع الأشجار إلى الجسور فوق الطرق السريعة، إلى الملابس والمشروبات- بات مشبعاً بألوان النظام الجديد، الأحمر والأسود والأخضر. وعلى رغم أن أنصار القذافي ما زالوا يسيطرون على بعض الجيوب في البلاد، وبخاصة مسقط رأس الزعيم المخلوع مدينة سرت، إلا أن تقدم القوات المناوئة للقذافي هناك خلال عطلة نهاية الأسبوع يبرز البيئة الصعبة التي تواجه أنصار النظام القديم. وفي ظل وجود مليشيات في طرابلس تابعة لقادة مختلفين، فإن الاعتقالات التي يقومون بها تكون في أحيان كثيرة اعتباطية حيث يتم اعتقال من يشتبه في أنهم أنصار للنظام القديم أحياناً بدون إجراءات مناسبة، يقول دانييل ويليامز، وهو باحث لحساب منظمة هيومان رايتس ووتش، التي أفرجت عن تقرير في الثلاثين من سبتمبر الماضي يعدد مظاهر سوء معاملة السجناء من قبل المليشيات الثورية. ويقول ويليامز إن الاعتقالات تكون في بعض الأحيان "مبنية على قدوم أشخاص وقولهم: أعرف كذا وكذا... إن لديه سلاحاً وهو من أنصار القذافي"، مضيفاً أن أشخاصاً من كل الأعمار، ومن بينهم بعض النساء، يتم اعتقالهم. غير أن متحدثاً باسم المجلس الوطني الانتقالي قال إن الحق في المعارضة السياسية سيكون مكفولاً في الدستور الذي لم يتم إعداده بعد؛ ولكنه أضاف أن الوقت ليس مناسباً الآن لدعم القذافي علناً في وقت ما زالت فيه البلاد في حالة حرب وما زال الرئيس المخلوع طليقاً. وفي هذا السياق، قال جلال القلال، المتحدث باسم المجلس: "لقد انتظرنا 42 عاماً، فترة لم نكن نستطيع خلالها القول إننا لا نحب القذافي بدون أن نتعرض للقتل أو الإصابة مدى الحياة". إذا كانت ربة البيت تستطيع انتظار السنتين اللازمتين من أجل إصدار دستور جديد وانتخابات، فـ"إننا سنكون ممتنين". وفي حي أبوسليم، حيث الأعلام الثورية نادرة وحيث دخل أنصار القذافي والثوار في مناوشات خلال الأسابيع الأخيرة، يقول جلال القلال إنهم قلقون بشأن تشكل خلايا نائمة. وفي هذا الإطار، يقول عبدالمجيد بوشعالة، 31 عاماً: "هناك العديد من المجموعات التي كانت تدعم النظام بشكل كلي؛ والآن وبعد أن جاء الثوار إلى أبوسليم، تحولوا جميعاً إلى ثوار حيث يتصرفون ظاهريّاً كما لو أنهم كانوا دائماً مع الثورة"، مضيفاً "أعتقد أن بعض الأفراد سيشرعون في تنظيم أنفسهم". ومن جانبه، يؤكد عصام أكر، 29 عاماً، وهو ثوري آخر، أن زملاءه لا يعتقلون الناس فقط لأنهم يدعمون القذافي قائلاً: "إننا لا نقوم بأي شيء ضدهم إلا إذا كانت لديهم أسلحة أو يقومون بشيء ما ضد الثورة". وفي غياب استطلاع للآراء، يستحيل التأكد من عدد الليبيين الذين يدعمون الثورة، وعدد من يدعمون القذافي، وعدد من لم يحسموا أمرهم بعد. فالناس في الشوارع يبدون سعداء ومبتهجين؛ ولكن العديدين منهم يقولون إنهم بدأوا يشعرون بالتوتر بسبب الشبان الحاملين لبنادق كلاشنكوف الذين سيطروا على الشوارع وقاموا في بعض الحالات، حسب بعض الروايات، بنهب سيارات وأغراض منزلية تحت ذريعة أن أصحاب تلك المنازل يدعمون القذافي. وفي هذا السياق، يتساءل طارق، وهو شاب طويل ونحيف في السابعة والعشرين من عمره، يعمل في متجر لبيع الهواتف النقالة في أبوسليم، وهي منطقة معروفة بدعم النظام القديم "لماذا قاموا بالثورة؟". ويقول: في عهد القذافي "كنا نأكل، وكنا سعداء، وكنا في حالة جيدة. أما اليوم، فإننا نسمع طلقات الأسلحة النارية طوال الوقت. إنها فوضى. إننا لم نعد نشعر بالأمن". وأكثر من ذلك يؤكد طارق أن الوضع أضر بتجارته، مشيراً إلى أن المتاجر في منطقته باتت تغلق عند مغيب الشمس بدلاً من أن تغلق في منتصف الليل، وذلك لأن الناس أصبحوا يخشون الخروج في الظلام. وفي منزل ربة المنزل المذكورة من قبل في منطقة نجيلة، علقت على الحائط ساعة كبيرة مرسوم عليها وجه القذافي. وقد كانت المرأة وزوجها عبده يتناقشان حول الأخبار والنظام القديم جالسين على وسائد بينما تنبعث من التلفزيون موسيقى حزينة وتظهر صور جنود من الثوار سقطوا في ساحة المعركة. تقول المرأة: "إنني قلقة من الإسلاميين... فقدوم الإسلاميين يعني القاعدة. وأخشى من نشوب حرب أهلية". وتؤكد أنها منذ سن الثامنة لم تعرف زعيماً آخر غير القذافي حيث تقول: "أشعر بالألم" عندما ترى جداريات رسمت عليها صور تصوره على شكل جرذ أو حين يكتب اسمه على صناديق القمامة، مضيفة "لا يعجبني ما يقولون عنه". غير أن زوجها عبده، البالغ 55 عاماً، وهو مفتش جمارك كان يرتدي جلباباً رماديّاً يختلف معها إذ يقول: "لقد نال ما يستحقه!"، مضيفاً "ينبغي أن يعيش الليبيون حياة طبيعية. لقد كنا مضطهدين؛ واليوم نحن في حاجة للتعليم والصحة". وعلى رغم أنه يتعين على الحكومة الحالية أن تنظم نفسها بشكل أحسن، يقول عبده، إلا أن الوقت ما زال مبكراً لإصدار حكم عليها. "سنرى ما سيحدث في المستقبل، ما إن كنا محقين في خلع القذافي أم لا. سنرى وسنقارن بين الحالين". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©