الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكاميرات تحلق في سماء ريودي جانيرو وتحمل رسائل أمل إلى فلسطين

الكاميرات تحلق في سماء ريودي جانيرو وتحمل رسائل أمل إلى فلسطين
19 أكتوبر 2011 09:55
في الأمسية المخصصة لعرض الأفلام الوثائقية التي احتضنها مهرجان أبوظبي السينمائي الخامس أمس الأول، كانت الفرصة المتاحة لاستنطاق الفن السابع في حدوده القصوى، ومتابعة ما بوسع الكاميرا استخراجه من الأشياء المحيطة بها، وصولاً إلى رصد قدرتها على بث الحياة في مفاصل الجماد لدفعه نحو النطق بما اختزنته من دلالات موحية ومعبرة عن حقائق راسخة، ثوابت لا يقلل من دقتها أنها تتماهى مع العادي من الأشياء، وتختبئ وراء اليومي من التفاصيل. (أبوظبي) - الصورة عامل رئيسي في توثيق الحدث، فإذا امتلكت قابلية الحراك أضحت مخزناً للحياة نفسها، وغدا تفاعلها مع الزمن بمثابة إضافة قيمة لقيمتها المبدئية، لحدث اليوم نكهة مغايرة في الغد، إذ لطالما كان الوقت عنصراً محرضاً على اكتشاف المسكوت عنه، وإخراج القضايا والأحداث من جمودها وسكونها وحياديتها والدفع بها نحو جادة الصخب والدوي، السينما هنا أكثر من مجرد مرآة عاكسة للواقع، هي وسيلة ناجعة، إذا أحسن توظيفها، لتنقية ملامحه من شوائب العادة، وإعادة اكتشافه وفق حقيقة ناصعة، لنقل إنها، في بعض تجلياتها، وسيلة للنظر نحو هذا الواقع من مسافة ما، البراعة هنا هي في دقة تحديد المسافة المنشودة، ومعرفة الموقع الذي يجدر الوقوف عنده لاستشراف المستور. بنية مختلطة بدأت الأمسية بعرض فيلم “إقرب” للمخرج الإماراتي الشاب حمد عبدالله صغران، وهو آخر فيلم تولى أخراجه في العام 2011 يتميز بتركيبته المختلطة بين الدراما والوثائقي، ويتكلم عن مجموعة تطوعية تعمل على تقديم خدمة نوعية للمجتمع في مجال الترويج لدولة الإمارات.. ولكن بأسلوب مغاير للمألوف.. يتحدث صغران عن تجربته في إنتاج الفيلم فيقول: “لم أتلق أي دعم للفيلم، وهو أنجز بتكاليف إنتاجية بسيطة وبمجهود فردي، ولم تكن هناك صعوبات إنتاجية سوى الإرهاق الشديد المترتب على قلة عدد الطاقم العامل في الفيلم”. ليلة عمر راقصة أما العرض الثاني فكان بعنوان “ليلة عمر” للمخرج السعودي فهمي فرحات.. كما يتضح من اسمه يتناول الفيلم أمسية احتفالية بزفاف أحد الشباب، ويتعرض لمختلف الطقوس التي تتخلل تلك الليلة المفصلية في حياة المرء، مع التوقف عند أنواع الرقصات المختلفة، والعزف المرتبط بطبيعة الاحتفال: قرع محترف على طبول مختلفة الحجم، وتمايل متقن على وقع الموسيقى المتفاوتة بين صخب وهدوء، كذلك حركات العصي المتمايلة في أيدي الراقصين تبدي انسجاماً مفرطاً بالرغم من عفوية الحركة، أو ما يبدو كذلك في عملية تورية محترفة. في السياق ثمة تعليقات على طبيعة الاحتفال يتولاها أحد الشياب ممن اختبروا الحياة، وعرفوا ما تختزنه من تجارب وإيحاءات. اللافت في المشهد الراقص هو تمازج الأجيال في الرقص: شباب في مقتبل العمر وشياب على مشارف الخاتمة يتبارون في إبداء الانسجام مع العزف الإيقاعي المتصاعد حيناً، والمتراجع حيناً، والمدهش دوماً. عشوائيات لاتينية بعد ذلك كان حضور الأمسية على موعد مع فيلم “طائرة ورقية” للمخرج السعودي بدر الحمود، حيث انطوى المشهد على أناقة مترفة في التصوير والإضاءة، وفي جمالية الأمكنة المختارة أيضاً، اختار الحمود إحدى عشوائيات مدينة ريودي جانيرو البرازيلية مسرحاً لفيلمه الوثائقي، حيث تتقاطع ألوان السماء والبحر مع تشكيل الجدران والأزقة الضيقة والمعابر التي لا تكاد تتسع للمارين، لتسفر المحصلة عن روائع مشهدية من طراز استثنائي نادراً ما شهدته السينما الوثائقية، أما المضمون الذي تداوله “طائرة ورقية” فهو نمط الحياة الذي تعاقره تلك العشوائيات الخاضعة لسلطة عصابات التهريب، حيث يقدر الناتج الذي تحصله كارتيلات المخدرات بمئة وخمسين مليون دولار شهرياً، وذلك استناداً إلى ظروف متعددة، أبرزها الطبيعة الجغرافية للمنطقة، حيث يعيش ما يزيد على المليون من البشر في رقعة مكانية ضيقة، ويتواصلون عبر أزقة تشبه المتاهات في ضآلة مساحاتها وكثرة الالتواءات منها. يعود بنا الفيلم إلى مرحلة تأسيس هذه العشوائيات في القرن التاسع عشر حيث كانت مجموعة من الزنوج تسعى للهروب من نظام الاسترقاق عبر بناء بيوت متواضعة لها في الأماكن المرتفعة، تغيرت الظروف وجرى إلغاء نظام العبودية، لكن الأمكنة حافظت على مبررات وجودها، وظلت تؤوي الفقراء والهامشيين والخارجين على القانون. يوضح مخرج الفيلم بدر الحمود أنه أنجز فيلمه في ظروف مساعدة قد لا يحظى بها الكثيرون، حيث كان في عداد وفد رسمي جرى تأمين له الحماية المكثفة بصورة استثنائية، ولولا ذلك لما أمكنه تخطي تلك المرتفعات المحصنة بقوى الأمر الواقع، خاصة أنها تعتبر التصوير بمثابة اختراق أمني لمعاقلها. رسائل إلى الحبيبة الفيلم التالي كان عنوانه “رسائل إلى فلسطين” وهو من توقيع المخرج الإماراتي راشد المري، مجدداً كانت الأرض المسورة بأحلام عاشقيها هي الغاية والهدف، تناول الفيلم تجارب بعض الطامحين إلى إضاءة الشموع عوضاً عن الاكتفاء بلعن الظلمة، فكانت حكايا مورقة بالألم والأمل، تفاصيل قد تكون عادية في العادي من الأمكنة، أما وأن فلسطين هي الموئل فالأمر لا بد مختلف. على وقع موسيقى “أناديكم” للفنان أحمد قعبور افتتح المري فيلمه التسجيلي، ثم استدعى شهادات لبعض المسكونين بالهاجس الفلسطيني من أبناء الأرض أو من مجاوريها الذي تفتح وعيهم على فداحة المأساة، وكان للجميع الكثير مما يقولونه في الأرض التي صارت قضية، في الثراء الحضاري والتاريخي، امتداداً نحو القداسة التي أسبغتها عليها السماء، وصولاً إلى جدار الفصل العنصري، وهو تحول لوحة تشكيلية عملاقة ضمنها أطفال فلسطين وشبابها ما احتضنته مخيلاتهم العامرة بالهواجس من أحلام ورؤى ومطامح مشروعة في حياة عادية. يقول مخرج الفيلم راشد المري إنه لم يتمكن من زيارة فلسطين، فأراد أن يرسل لها رسالة ابداعية يضمنها أشواق من هم مثله من أناس يرتبطون معها بكثير من الود الفطري. يضيف المري أنه حرص على أن يرسل نسخة من فيلمه إلى فلسطين ليشاهده أهلها، وذلك قبل أن يعرض في أي مهرجان، فهم أحق برؤية ما يصاغ اعتماداً على تجاربهم. الأم إذ تصرخ الفيلم الأخير في الأمسية كان من سلطنة عمان، وهو حمل اسم “صرخة أم”، وتوقيع المخرج عقيل إبراهيم. أما مدار تناوله فتركز على تعاطي المخدرات وما يتركه من آثار مدمرة على المدمن، وعلى المحيطين به أيضاً. ووفق خط تصاعدي مدروس بنى إبراهيم صياغته السينمائية، حيث كان الحوار الأول مع أحد الأطباء المتخصصين في معالجة الآفة، وهو طرح المعطيات والأرقام التي تحدد معالم الأزمة وتطرح مخاطرها وتداعياتها المستقبلية، ثم تناول آلية الإدمان مع اثنين من المتورطين به، حيث تحدث الأول عن تجربة الإقلاع عن التعاطي، وما رافقها من صعوبات، ليطرح مفاجأة لم تكن منتظرة، إذ توقف عند الإقصاء الذي يمارسه المحيط الاجتماعي بحق المدمن الذي لا تقبل توبته، فيصار إلى استبعاده وتهميشه، وصولاً إلى دفعه نحو أحضان رفاق السوء الذين يستدرجونه مجدداً نحو فخ الإدمان، وما سبق ليس افتراضاً بل هو تجربة الراوي نفسه الذي وجد نفسه يعاود سيرة تعاطي المخدرات بعد أن كلفه الابتعاد عنها الكثير من الجهد والتعب، وذلك جراء النفي الذي واجهه به الأصحاء من المحيطين به. مأساة إنسانية طرح المخرج العماني عقيل إبراهيم، في الجزء الثاني من فيلمه “صرخة أم”، مأساة إنسانية بالغة الأثر على لسان أم فقدت أبناءها بفعل تعاطيهم المخدرات، روت الوالدة الثكلى حكاية عائلتها مع السموم القاتلة وكيف تحول أبناؤها من شباب عاديين مقبلين على الحياة إلى أناس خطرين لا يتورعون عن ارتكاب الفظائع لتحصيل متطلباتهم من المادة المخدرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©