الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السودان... ما بعد اتفاقيات أديس أبابا

6 أكتوبر 2012
من أخبار السودان السارة -على ندرة ما يسر- أن حكومة السودان وحكومة جنوب السودان قد توصلتا إلى اتفاق حول معظم القضايا العالقة بين البلدين، وحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الأثيوبية التي استضافت المفاوضات بين وفدي البلدين، ورعت التفاوض بينهما، منذ تكليف الاتحاد الأفريقي الرئيس الأثيوبي الراحل ميليس زيناوي ورئيس جمهورية جنوب أفريقيا السابق مبيكي، فإن وفدي البلدين قد اتفقا ووقعا ثمانية اتفاقات في قضايا تتعلق بالمسألة الأمنية ومسألة البترول والحريات الأربع، وبطبيعة الحال وهو الأهم وقف الأعمال العدائية بين البلدين... إلخ. وأكثر من هذا أن نشر الاتفاقيات التاريخية، سيتم بعد أن تعرض حكومتا البلدين الاتفاقات على الهيئة التشريعية (البرلمان في الجنوب ومجلس الشعب في الشمال). وهنأ الوزير الأثيوبي السودانيين، على أنهم قد تمكنوا، بالصبر والحوار الشاق والطويل، من تحقيق مكسب السلام والاتفاق لبلادهم. وعلى رغم أن الجانبين والوسيطين قد تفادوا التصريح والحديث عن مضمون الاتفاقات، أو الدخول في الحيثيات والتفاصيل، فإن المراقبين المتابعين لمحادثات أديس أبابا الأخيرة، يقولون إن الاتفاقية الأمنية قد تضمنت بنداً مهماً (كان يعتبر مطلب الجنوبيين الأساسي)، وهو أن تكون هناك منطقة محايدة منزوعة السلاح في الحدود بين البلدين بمسافة عشرة أميال عن حدود كل بلد القائمة الآن. وأن الأمم المتحدة قد التزمت وضع قوات لضمان التزام كل من الطرفين (قوات حفظ السلام الأممية)، هذا إضافة إلى قوات الأمم المتحدة وبعثاتها العديدة الموجودة في الشمال والجنوب. وزيادة على ذلك، يقول المراقبون، إن البلدين قد اتفقا على حل مشكلة عبور بترول الجنوب في خط النقل الممتد إلى بورتسودان، وكان هذا الأمر محل نزاع طويل وغير عقلاني، إذ كان السودان يطالب بأكثر من ثلاثين دولاراً ثمناً لعبور برميل البترول الجنوبي عبر أراضيه إلى ميناء التصدير الوحيد (بورتسودان). وعلى أية حال سينتظر السودانيون ليروا تفاصيل الاتفاقات عند عرضها على الهيئتين التشريعيتين في الخرطوم وجوبا. ولكن على رغم روح التفاؤل إزاء هذا الاتفاق الذي وصفه وزير الخارجية الأثيوبي بأنه تاريخي إلا أن ذلك لا ينقص شيئاً من حقيقة كونه قد ولد ولادة متعسرة، إذ أرغم الجانبين عليه قرار مجلس الأمن (أو إن شئت قل تهديد مجلس الأمن) للطرفين بأن عليهما أن يتوصلا إلى حل مشاكلهما العالقة وإيقاف الأعمال العدائية، وأعطاهما مهلة زمنية يقرر بعدها معاقبة البلدين. المجلس أن يتخذ قراره المؤلم، إلا أن الوسيطين طلبا منه المجلس إمهال الخرطوم وجوبا لفترة أسبوعين للتوصل إلى الحل السلمي المطلوب. وفي الحقيقة أن كلاً من العاصمتين كانت في غنى عن كل هذه الضغوط، وكان من الممكن تحقيق الاتفاق السلمي لتكفي نفسها ومعها البلد والشعب من الزمن الذي أضاعته في المهاترات والتهديد والصراع. نعم كان من الممكن ذلك لو أن الخرطوم مثلاً قبلت اتفاق مبعوثها الأول القيادي الكبير ونائب رئيس الحزب الحاكم ومستشار رئيس الجمهورية، د. نافع علي نافع، والأمين العام للحركة الشعبية، بقان أمون في أديس أبابا (والذي أصبح اسمه الإعلامي اتفاقية نافع وبقان).. لقد توصل د. نافع وبقان لاتفاق كان كفيلاً بحل العديد من المشكلات. وربما يتفاجأ الناس عندما تعلن وتنشر الاتفاقات الجديدة بأنها تدور في نفس تفاصيل "اتفاق نافع-بقان"، ولكن الرهانات الخاصة دفعت الحكومة والحزب الحاكم إلى رفض الاتفاق الذي كان نافع ومعه الشهود، الرئيس الأثيوبي وتابو مبيكي يعتبرونه مكسباً سياسياً ووطنياً يجنب البلد الحرب وويلاتها وتدخل القوات الدولية. إن اتفاق أديس أبابا الأخير، وقع عليه رئيسا البلدين ومعهما الشاهدان الوسيطان.. ولاشك أن الهيئتين التشريعيتين في كل من الخرطوم وجوبا ستوقعان على الاتفاق، لأنه ليس هناك من مخرج سواه. ولكـن المهـم أن هـذا الطـن من الـورق الذي سوده الطرفان من نيفاشا إلى أول أمس في أديس أبابا كان مصير معظمه عدم التنفيذ، وهذا ما أوصل البلد إلى حالته الحرجة الآن، وقاد إلى انفصال الجنوب واستمرار القتال في دارفور والحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان... ذلك لأن أزمة السودان الشاملة التي أحسنت تشخيصها اتفاقية نيفاشا وأحاديث جون قرنق، لم ولن تحظى بموافقة الجماعة الحاكمة، لأن لها حلها وتصورها الأيديولوجي للأزمة السودانية. وقد يلتزم الطرفان الموقعـان على اتفاقيات أديس أبابا وقد يتراجع شبح الحرب بين البلدين (الجنوب والشمال)، ولكن الأزمـة في السودان ستظل قائمة على مر الأيام خاصة مع أزمة الجماعة الحاكمة وخلافاتها التي أصبحت معلومة للعامـة والخاصـة، وعلى صفحات صحفها، فالحركـة الإسلامية في السودان منقسمة على نفسهـا إلى أجنحة وصقور، وحمائم تفكر في المستقبل وبينها جناح يلعب دور العقلاء والحكماء. عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©