الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كان يقول.. السماء قبعتي والأرض حذائي

كان يقول.. السماء قبعتي والأرض حذائي
16 أكتوبر 2013 22:30
كان يقول السماء قبعتي والأرض حذائي، أحرث لذة الخصب والتربة وعائي، أحرث.. أحرث، وأحرث من صدري قلقي وألعق من الريق عرقاً، أبلل به أوراق العشب، فيقشب، ويصخب، والفضاء مزمار، ونار، وأوار، ودوار، وسوار، وحوار، يتجلى في الملأ صوناً صحراوياً جليلاً. السماء قبعتي، والنجوم أصابعي، والقمر الناهض عيناي على الأفق، أغسل يدي بالتراب كلما تمرغت في الحرقة، أطهر روحي بالابتسامة كلما التهبت يداي.. يداي اللتان، تستنشقان رائحة التربة وتتحسسان أوراق اللون بعرفان ومعرفة من فلسفة الأقدمين، أقول هذه صفراء اللب، وأخرى حمراء وقلبي يرتجف كجناح عصفور عندما تحاصرني اللهفة وأغدو طائراً ينقر حبّات الأمل، حبّة، حبّة، ومن حولي، العناقيد تتدلى، قلائد والهديل قصائد وفرائد، أمر في الحقل المزروع، بالفرح، كأني فراشة تلون الأغصان بالرفرفة، أو بالواحة المزروعة، بالنشيد كأني عازف يسأل عن نوتة تضيع في الخضم، وتستحم في المعنى غواية أبدية.. هي وشاية الروح، عندما تبدو في الحضور وعياً كونياً يقص جديلة امرأة عند قناة الري، ويمسد الشعر الطويل بأنامل، النشوة، ثم يخوض معارك الوجود، في التضاريس المعوشبة، يجوس هنا ويخض هنا حتى تسترخي الأغصان وتذوب التربة الجهنمية حتى وطيس الشهقة الأخيرة. التربة والترائب وأذوب أنا هذه تربتي وصلبي وترائبي، وخرائبي، وشوائبي، وعواقبي، ومذاهبي، وأنوائي، وبلواتي، وشهواتي، وعشوائي، ونجواي وشكواي، وأحلامي في الصغر، أن تكون لي لوزة، تتفرع أغصانها في القلب، وتتجذر في الروح، قامة وقوامة، ومقامة، من صنع رحيق، سال من مسام الجسد، وفاض حتى اغتسلت التربة الجاهمة، وتوّردت أشجارها، وازدهرت شعابها، وباتت في الأصيل، نجمة تتدحرج على سفح النوايا المبجلة، فهذه هي رحلتي المؤجلة، هذه أيامي المقبلة، هذه الجلجلة المتعجلة تتسرب في عروقي، وتفيض أنهاراً من رعشة سكنت الروح واستبدت وأبادت حتى مادت الأرض ومارت الجبال، وسجرت البحار، وطوقني كائن أسطوري اسمه الحب.. الحب وحده يهزم الموت، ويدق دماء اليأس حين يكون اليأس صحراوياً، والقبس أملاً في الوجود بلا خبط عشواء لكنه باليقين، ويقيني هو أنتِ التربة الخصيبة، الخضيبة، الهضيبة، ينام الوقت على وسادتها فلا يصحو إلا وبين أصابعه، خاتم سليمان وسحر داوود، وعبقرية الفلسفة.. هي أنت الآن في الكون مهجة وبهجة، وانعتاق، من غل وزلل، أنت في الأمد، حلم يتوهج بأطياف وأطياف، وأسلاف غنوا لأجل الخصب ورفعوا النشيد، أممياً حتى ناخت الجبال محتسبة لأجل الأفذاذ وجهابذة الحرث في التربة النبيلة. كان يقول السماء قبعتي والأرض أصابعي التي تحفر في أتون الأمل، لا أجد ما يؤرقني سواك، فعندما تبتسم الأجنة الخضراء، أرتدي قماشة الفرح، وأمضي باتجاه الآخر، فخوراً حبوراً، وأغني مع الطير، أغنيات الصباح، عندما تفوح رائحة النخل، وتضوع ثمار اللوز المكان، بعبق النشوات بعد اليقظة بقليل.. كان يقول، وهو يغرس منجل الحياة، في سحيق التربة أنت جنتي، ووجنتي، وجنوني، وفنوني، ومجوني، أنت شجوني، وشؤوني، أنت الأحشاء التي منها تتشرتق البراعم، ثم تبزق شموساً وكؤوساً، فأشعر أنني أملك الكون وفي فلكي تدور الكواكب وخلفي تستمر جيوشاً من الأمنيات وجحافل الأمل، تطوقني بأناة وتؤدة.. كان يقول وهو يمطر الأرض بنثيث عرقه، أنت التي تزرعين في صحرائي عشب الحياة، فأزهر وازدهر ويثمر قلبي، حبات الرطب الجني، أمص النواة شهية، المدنف الشقي، ألحس اللزوجة العذبة بلسان الظمأ، ثم أغفو بعد كد وجد، أغفو عند حافة حوض رطب بالنماء، أغفو ولا يفقد قلبي، مستيقظ لأنه الجنين المتحرك في أحشاء الكون يلعق أصابع الألم في العتمة، ثم يصرخ عندما يفتح عينيه في النور فيقول، هذه الحياة أشبه بالكذبة نحن نصنعها ثم نصدقها، ثم تحيك حولها الأفكار، حتى تصبح نظرية.. ونظريات من كذب بشري لا هوادة فيها، باحثة عن المعنى الضائع في المجهول. يزرع الأرض ويقول هذه السماء قبعتي، يحرث الأرض ويقول هذه السماء، زرقتي التي تلون الوعي، وتمنحني بعداً أزلياً لا يخالجه إلا الشك.. أشك في أن اللوزة لن تثمر، فأحرث الأرض، وأروي بالعرق عروق الأرض، أسقط أحياناً من الفرح، عندما يغرد الطير فوق الأغصان الشاهقة، أشعر أنني اعتليت جبل الفضاء، بعجلة الأمل، فناولني رغيف النماء، تناوشني ثم شاغبني ثم أسقيني ثم طار بي على جناح الفضول، فنثر الأسئلة.. أسئلتي أنا والبزرة حُرقة جارفة، تنوء منها مواقد الحطب، ولكني لا أفسر أحلامي لا أقض مضجع الفكرة إلا لأجل فكرة والأفكار شجيرات تتابع في حقل النظرية، والنظرية أنين أزرع، وأذرع الأرض، بأظافر الحقيقة، وأصب في وعاء النخوة تصميمي، وإصراري، على خنق الوريقات الصفراء بأصابع توحدي مع الكون، أنا والكون، وريدان في جسد الحياة، أنا والكون طريقان باتجاه، الوجود، وتأكيد الخلود ولا خلود إلا للأحلام التي لا تذبل أوراقها.. كان يقول، وهو يحرث الأرض، هذه الأرض، أنثى طيبة، تدر حليب الحياة، من صدر دفئ، ولا تظمأ الكائنات إلا عندما تجحف وتسف وتستخف عندما تهرطق في الخيانات العظمى، وتستنكر الحقيقة.. أنت الحقيقة أنثى الكون الأكبر، خصبك عِذاب، وعَذاب، واستقطاب لمعاني الاقتحام حتى في أدنى حالات الكهولة.. الأرض/ الأنثى كان يقول عندما تطعنه شوكة في أنمل، هذه قبلة الحياة، فيلمس الدم، ويتذوق الملوحة، قائلاً، تطعم التربة، عندما تملح فأعرف أنك تحرث في أرض جدباء، فيرمي بالمنجل، يرمي بذرات العرق، ولا يتخلى عن الأمل، يمضي في الحرث، يمضي كأنه نحلة تسيج خيوط الشمع حول خليتها، يمضي في الوش، تواقاً للمجد، ونجود الكائنات المثابرة.. يثابر، ويبادر في صنع الفرح، ويطوي أصابعه على مقبض المنجل، وكأنه يكتب للآتي سطور البقاء بأنامل الرجال الأوفياء، يكتب ويكتب ثم يسكب الماء على الحروف لتغدو سنابل وقبائل فرح، تتعانق أغصانها كما أنها الأجساد عندما تلتصق بالحرقة اللذيذة.. كان يقول وهو ينسخ حروف الرقعة على بقعة مخضوبة بالأخضر، هذه الأرض، مثل أنثى رائعة يقطعك إن أعطيتها من عرقك تمنحك الحياة، إن لونت عيونها بكحل التفاني، والمثابرة في صنع الرجفة الأخيرة.. يقول وهو يرسخ أصابعه في نعيم التراب، هذه الأرض، مثل السماء لا تمطر إلا عندما تزدهر بغيوم التلاقح ما بين القيمة والغيمة، هذه الأرض مثل السماء، لا تضيء إلا عندما تتوهج النجوم باللألأة، هذه الأرض مثل القمر، لا تنفرج شفتاه عن نور، وسرور إلا عندما تطوقه الشمس بخيوطها الذهبية إذاً فالأشياء لا تزدهر، إلا بالتطويق والاتحاد ما بين جسدين عاشقين للحياة. كان يقول وهو يهش حماره، عائداً إلى مأواه، هذا الحمار مثل الأرض، يحمل أثقالاً، لكنه لا ينبث زهراً فيهشه بالعصا، ويتألم الحمار، كما يتألم هو عندما تطعنه الشوكة بسكين القوَّة، فيكف عن الضرب، يمسد ظهر الحمار، ويمضي يمضي إلى حيث عيون امرأة تترقب العودة بعد غياب، تستقبله بأنامل اللوعة، تمسد قدميه بالماء الساخن، وتغسل عرقه، بأنفاسها المترددة على الجسد الناشف يغض حاجبيه، قائلا: هذه الأرض مثلك ريانة تطوي، أحلامها في صدرها، وتغسل عرق المتعبين بالرحيق والشهيق، والبوح الأنيق.. تبتسم وتضج ثم تغمض العينين على نخوة أنثوية في غاية النبل والنجابة.. يرف هو الجسد يستلقي على مهد السالفين، يعلق ناظريه في المكان، وقلبه لم يزل، يسكن في مهجة التربة التي لم يحضر في مجلسها سوى هالة الرجل النبيل.. وكذلك أشجار الحياة، تطحن دقيق الغد، لأجل بريق يسهر على راحة من ينتظرون اللقمة بلا غمة.. كان يقول بأنفه.. أنت.. أنت.. ولا سواك الجرح والفرح، والنبرة الصافية في حنجرة الغير، أنت السنبلة العالية أنت المتجلية في الروح تحطبين وتخصبين وتملئين وعاء الحياة برشفات الأمل.. وقبل أن ينام يرسل القبلة ساخنة ويقول، هذا نخبك، وصبوة العشاق، الذين لا عطر يضوعهم، إلا عطرك.. أنت الأرض والغرض وأنت النافلة المتأصلة، وأنت الفاصلة والبوصلة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©