الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«كواليس» السياسة الأميركية

«كواليس» السياسة الأميركية
16 أكتوبر 2013 22:31
عديدة هي الدراسات التي تظهر عن فترة الحرب الباردة وما جرى فيها، صحيح أنها كانت في المقام الأول بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، لكن مداها وآثارها انعكست على معظم دول العالم، وفي المقدمة منها بلادنا العربية. وقد اختار د. أحمد جلال بسيوني أن تكون نشأة تلك الحرب موضوعاً لتخصصه العلمي في الدكتوراه، وأطلق عليها «اختلاق الحرب الباردة.. دور الولايات المتحدة في تقسيم العالم 1945 ـ 1953». وسوف يلاحظ القارئ أن الباحث هنا مهتم جداً بتاريخ الولايات المتحدة وأوضاعها الاقتصادية والحالة السياسية بها، هو أيضاً في هذا الكتاب مشغول بأوضاع العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وما جرى في ألمانيا، وفي اليابان مثلاً، ويدرس تطور العلاقات بين ستالين ودول الحلفاء أثناء الحرب العالمية، حيث جمعهما العداء لألمانيا النازية، وبعد انتهاء الحرب ظهر التباين بينه وبين المعسكر الغربي الذي ما لبث أن صار عداء، وهذه كلها تفاصيل تهم القارئ والباحث المتخصص. «عقائدية» روزفلت ما يهمنا في هذا الكتاب هو الفصل الذي يتحدث فيه عن تأثير الحرب الباردة في مراحلها الأولى على بلاد المنطقة، ويعنينا هنا القضية الفلسطينية وما جرى فيها، ودور الولايات المتحدة الأميركية الحاسم في إعلان قيام دولة إسرائيل. طوال سنوات الحرب كان الرئيس روزفلت هو رئيس الولايات المتحدة الأميركية، ولم يكن متعاطفا مع الصهيونية، ولا متحمساً لإقامة دولة لليهود على أرض فلسطين، وكانت تحركه في ذلك أسباب عدة، منها سبب عقائدي يخصه هو باعتباره عضواً في الكنيسة الأسقفية التي ترى أن الله لم يمنح فلسطين لليهود، بل هي هبة من الله للبشر كافة، ومن كل الديانات السماوية، وكان هو ملتزماً ومقتنعاً بتعاليم كنيسته، وهناك كذلك عنصر البترول الذي ظهر في الدول العربية، ولم يكن مستعداً لأن يخسر العرب أو بعضهم، بإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين، وتعهد روزفلت بأن تلك الدولة لن تقوم على هذا النحو، وهناك سبب يتعلق بزعماء الصهيونية أنفسهم، مثل جولدا مائير وإسحق شامير وغيرهما، فقد كان يعرف أن هؤلاء تحالفوا مع موسوليني في بداية الحرب، وكان موسوليني يبدي عطفاً على اليهود واهتماماً بالصهيونية في كلماته وخطبه، هم كذلك اتفقوا مع هتلر ودعموه في البداية، خاصة في الجانب الاقتصادي، لذا لم يكن روزفلت متعاطفاً معهم، وكان صموئيل روزنمان وستيفن وايز هما من أبرز مستشاري روزفلت وكاتبي خطبه من اليهود، ومع ذلك كان يراجع أي خطاب يعد له أو تصريحات ويحذف منها كل عبارات التعاطف ومساندة الصهيونية، وكان يتعلل لهما بأن الوقت ليس مناسباً لهذا الموضوع وأن ما يخص فلسطين يجب أن تتناوله بريطانيا، وأنه يحسن به تجنب ذلك لعدم إغضاب البريطانيين، خاصة في سنوات الحرب، وكانت الخارجية الأميركية تتحرك على هذا النحو، ولكن توفي روزفلت، وجاء بعده الرئيس الأميركي هاري ترومان. عناد ترومان جلس ترومان في البداية مع خبراء وزارة الخارجية فأوضحوا له سياسة سلفه بالنسبة للعرب، وهو العمل على عدم إقامة دولة يهودية في فلسطين، وعدم التدخل في الهجرات اليهودية إلى فلسطين، لكنه أطاح بكل ذلك، ولاحظوا أنه فتح أبواب البيت الأبيض لزعماء الصهيونية، مثل ناحوم جولدمان حتى أصبحوا ضيوفاً دائمين أو زبائن شبه مقيمين في البيت الأبيض، وملأ إدارته بالمستشارين اليهود، ولما أصرت الخارجية الأميركية على موقفها بالنسبة لقضية فلسطين شن مستشارو البيت الأبيض هجوماً ضارياً وعنيفاً على «الخارجية» متهمين إياها بالعداء للسامية، وأخذ ترومان يعمل بكل قوته لإنجاح الهجرات اليهودية إلى فلسطين، وزيادة أعدادها، وراح زعماء الصهيونية في أميركا، مثل ابا هليل سيلفر عدو روزفلت اللدود، يطالب ترومان باتخاذ سياسة جديدة في فلسطين، باعتبار أنها من مناطق العالم التي يجب أن تتدخل الولايات المتحدة لحمايتها من التوغل الشيوعي، ونجحت هذه الخطوات لكن كانت الخطوة الأهم هي الإيحاء للرئيس بأنه يجب أن يكون أقوى من الخارجية واقتراحاتها وخبرائها، لذا ظل ترومان يطالب بدولة لليهود في فلسطين، ورفض تحذيرات الخارجية بأن قيام مثل هذه الدولة سوف يقود المنطقة كلها إلى حرب، وتصبح المصالح الأميركية مهددة في المنطقة، وقد يفتح ذلك الباب أمام التدخل السوفييتي في المنطقة، وانتشار الشيوعية بين مواطنيها، ولم يعبأ هو بذلك، وراح يؤكد أن على العرب واليهود أن يتعايشوا معاً، ويطلب التعاون على ضوء هذه المبادئ لحل المشكلات التي يمكن أن تنشب من جراء ذلك، ورفض ترومان تماماً توصية الخارجية بأن تصدر الأمم المتحدة قراراً بفرض الوصاية على فلسطين، وطالب بأن يكون القرار للتقسيم بين العرب واليهود. ويذهب الباحث إلى انه لو امتد العمر بروزفلت ما قامت إسرائيل على هذا النحو، ومن المؤسف أن التاريخ لا يعرف كلمة «لو». وعلى الرغم من كل ما أثاره زعماء الصهيونية من موقف ستالين، وتخوفهم من عدائه لليهود، فقد أقام ستالين جسراً جوياً عبر تشيكوسلوفاكيا، لنقل 200 ألف يهودي من أراضي الاتحاد السوفييتي، وصل عدد كبير منهم إلى فلسطين، وذهب الآخرون إلى بلاد أوروبا، واعترفت موسكو بالدولة الجديدة في فلسطين بعد اقل من ربع ساعة على إعلان إنشائها يوم 15 مايو 1948، وحصد العرب جميعاً المر. بعد ان قامت دولة إسرائيل، وظهرت الأزمات التي حذر منها رجال الخارجية الأميركية، طلب منهم ترومان ترك الأمور للأمم المتحدة، وقال أن قضية فلسطين من النوع الذي أنشأنا من أجله الأمم المتحدة، أي تحولت قضية شعب وأمة بأكملها إلى مجرد ملفات في إدراج المنظمة الدولية. المعني هنا أن الرئيس الأميركي يحرك كل شيء على الرغم من أنف المؤسسات التي يعمل معها، فقد أجبر «الخارجية» على أن تغير قناعاتها ومواقفها، وتنصل من تعهدات سلفه وسياساته في المنطقة، وتجاهل الكثير من الحقائق، وفرض ما اقتنع به، وما أراده أو ما أقنعه به مستشاروه. مراجعة هذه الوقائع ليست درساً في التاريخ، ولكنها دعوة إلى تأمل الحاضر، وفهم كيف يتم رسم سياسات الدولة الكبرى تجاهنا أمس واليوم وغداً. الكتاب يقدم صورة تفصيلية للرئيس ترومان، وموقفه تجاه منطقتنا، خاصة أن بين سياسينا الكبار ومحللينا المشاهير من يمتلئ إعجاباً بهذا الرجل، ويقدمونه باعتباره الرئيس العبقري والقوي. الكتاب: اختلاق الحرب الباردة.. دور الولايات المتحدة في تقسيم العالم 1945 ـ 1953المؤلف: د. أحمد جلال بسيوني تقديم: د. جمال حجر الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©