السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مقاهي عمَّان من ذاكرة السياسة إلى ثرثرة الشات والموبايل

مقاهي عمَّان من ذاكرة السياسة إلى ثرثرة الشات والموبايل
14 مارس 2009 00:38
لم يعد وجود النساء في مقاهي عمان ظاهرة غريبة بل أن فكرة التواجد في المقاهي التي كانت في السابق محصورة في الرجال أصبحت الآن تجمع الجنسين '' ····'' ولساعات متأخرة من الليل · وغدت المقاهي واحدة من المؤشرات على التحولات الاجتماعية والسياسية بين جيل الآباء والأبناء · تالا تدخن ''نارجيلة'' وسط ضحكات صاخبة من زميلاتها الخارجات لتوهن من الوظيفة للحصول على قسط من الراحة بعد يوم عمل شاق، تصدح في المكان أغنية غربية علا صوتها فتلفت انتباهها وزميلاتها، ليتحول الحديث إلى مناقشة حول صاحب الأغنية و''الفيديو كليب'' الخاص بها · في مشهد بات مألوفاً غرب عمان، تتحلق الصبايا والشباب حول النراجيل في محال الـ''كوفي شوب'' التي تعبق بدخان كثيف وروائح غريبة ينفثها مدخنو النرجيلة· في المقابل، لا تزال مقاهي وسط البلد وعمان القديمة تحتفظ برونقها وعبقها التاريخي لدرجة ينفجر معها أبو محمد ضاحكاً حين يسأل إذا كان بمقدوره تخيل فتاة تدخن إلى جواره· أبو محمد يعود ليؤكد طلب ''كأس الشاي''، بينما يطلب الشباب والصبايا في المقاهي الجديدة ''الهوت تشوكولات'' و''الكابوتشينو'' وغيرها من المشروبات ذات الطابع الغربي· واقع مقاهي العاصمة الأردنية، لجهة حضورها وما يتردد فيها من أحاديث ومناقشات، يرصد التحول في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي طرأ على البلاد خلال الفترة الماضية، مجسداً واقعاً يحاكي الحاضر بسلبياته وإيجابياته، مقارنة بالماضي القريب· فبينما كانت مقاهي عمان، والتي تزامن إنشاؤها مع قيام الدولة الأردنية، مقارا حزبية تعكس الواقع السياسي ورسم ملامح الدولة الأردنية والبحث في الواقع القومي ومنها ما تشكل فيه حكومات، ألغى ''الجديد'' منها تلك الذاكرة واستبدلها بأخرى ''غريبة'' و''غربية'' في الهدف· مقهى حمدان تأسس في بداية الثلاثينات من القرن الماضي، أمه السياسيون والحزبيون، وكان حضورهم وطبيعة مناقشتهم، بحسب روايات الأجيال المعايشة لتلك الفترة، كأنها اجتماعات طارئة تعقد يوميا في المقهى لمناقشة أمور ذات طابع محلي وقومي وعالمي· ويذكر أن المقهى ذاته الذي أتت عليه معاول التطوير والتحديث قبل فترة، استضاف مؤتمرين وطنيين عامي 1928 و1929 بعد سبع سنوات من نشوء إمارة شرق الأردن· ومن مقهى حمدان، وسط المدينة القديمة عمان ''البلد''، ومقهى المغربي في مدينة السلط ''غرب'' عمان، - الذي يعد ركناً أساسياً من عناصر المدينة التي تعد العاصمة الثانية - ، ومقهى السنترال ومقهى بلاط الرشيد ومقهى الأردن، تغيرت الأسماء إلى أسماء تنسجم مع طبيعة روادها والهدف من الحضور اليها، حيث طغى الاسم الغربي عليها· عمان غزاها العديد من المقاهي وما غلب على نعتها بـ''الكوفي شوب'' وتحت مسميات غربية منها ( ''الداني كافيه'' و''اللوقنس'' و''الجي جيه'' و''البونتي'' و''البلو فقز''، وأخرى قد يختلف روادها على لفظها· هل هذا هو التغيير فقط ؟ بالتأكيد لا·· معظم رواد المقاهي الحالية، هم من الشباب الذين يعيشون سن المراهقة، إذ تجد هذه الفئة فيها متنفساً لتقطيع وقت الفراغ ''أغلب وقتهم''· بينما الفئة التي تكبرهم تجد فيها المكان المناسب للعب الورق والطاولة وغيرها من الألعاب وتدخين النارجيلة· وهنالك من يجد فيها المكان الأفضل لـ''الحب'' وكلام الحب، وأعياد الميلاد· في المقاهي القديمة تحضر أغاني أم كلثوم وعبدالوهاب وفيروز وغيرها من الأغاني الكلاسيكية ذات المعنى، في المكان، ولا تنقطع الا عند نشرات الأخبار خصوصاً العاجل منها، فيما أصبح ''النموذج الجديد'' منها يصدح في أركانه الأغاني الغربية، وأغاني العصر الجديد العربية، ما ينسجم مع رواد المكان وطبيعتهم المتأثرة بالثقافة الغربية ''حتى النخاع''، حسب عامل في إحدى المقاهي· كما أن التكنولوجيا الحديثة سخرت لخدمة النموذج الجديد للمقاهي· فعمر ''26 عاما'' يدخل المقهى المفضل لديه في منطقة عبدون الفاخرة ويقضي أكثر من أربع ساعات منشغلا في تدخين النارجيلة، ولا يرفع رأسه عن جهاز الحاسوب الشخصي المحمول، إلا ليرد السلام على طارحه أو لطلب شيء يشربه أو يأكله· انشغال عمر يرتكز على المحادثة ''الشات'' مع الكثيرين من مختلف دول العالم، خصوصاً الإناث منهم، مبرراً سلوكه اليومي في محاولة لتعلم اللغة الإنجليزية من خلال ممارستها مع غيره من أصحاب تلك اللغة· إلا أن اختياره للإناث، وسؤاله الأول في بدء المحادثة والذي يسأل فيه عن العمر والجنس وبلد الإقامة يشير إلى هدف آخر في نفسه· إلا أن صالح ''23 عاما''، وبحسب أحد العاملين في المقهى، بعد اختياره للطاولة التي سيجلس عليها، ''يستل'' هاتفه النقال ''الخلوي'' ويبدأ بالبحث عبر خدمة ''البلوتوث'' عن فتاة تستقبل منه رقم هاتفه للبدء بصداقة جديدة· بينما صديقهم، خالد، والذي تقتصر زيارته لذلك المقهى فقط على الأيام التي يكون فريقه المفضل من الدوري الإسباني يجري مباراة، إذ أنه غير مشترك في القمر الصناعي المحتكر لتلك المباريات· في المقابل، فإن مجموعات من صبايا وفتيات المدارس يتواعدن للقاء مساء في ذلك ''الكوفي شوب'' لتدخين النرجيلة وتجاذب أطراف الحديث، الذي في معظمه يتناول أحدث الموديلات في اللباس والأغاني الأجنبية والعربية الحديثة وأبرز ''النهفات '' التي حدثت معهم، خصوصاً عند تعرفهم على بعض وعلى الأخص بين صبي وفتاة· وتجاوز الهدف لزيارة تلك المقاهي إلى باب من الاستعراض للقدرات الاقتصادية· فأحدهم يركن أمام المقهى سيارة من أحدث وأفخم الموديلات، فيكون جل الحديث عن امتيازاتها وإضافاتها وثمنها وعدد المطروح منها في السوق وغيرها· وآخر يصل عبر سيارة يقودها سائق· وأصبحت تلك المقاهي أماكن لتنظيم حفلات أعياد الميلاد وكذلك عيد الزواج ورأس السنة وغيرها· وعلى صعيد الاختلاف، أيضا ما كان يقدمه المقهى القديم من مشروبات والتي كانت تقتصر على القهوة والشاي والبابونج واليانسون وغيرها من الأعشاب، وتلك التي تقدمها ''الكوفي شوبات'' الآن، حيث استبدلت الأسماء بأخرى غربية، لا يعرف ماهيتها الأغلب إلا بعد تذوقها· ما بين مقهى حمدان الذي تأسس في بداية الثلاثينات من القرن الماضي ومقهى ''اللوقنس'' الذي تأسس في أرقى منطقة في عمان ''عبدون''··· قصة تاريخ تروي فصولها الأجيال
المصدر: عمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©