الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لا تحرقوا القيصر

9 مارس 2016 23:13
يروق لي كثيراً أن أستدل ببراغماتية الألمان، بانضباطهم وبتقديسهم للزمن سيفاً يقطع رقاب من يستهينون به، ويعجبني فيهم أنهم يذهبون في نقد ذواتهم إلى حد الجرح الذي يفجر النزيف، لذلك فهم يتحرجون من كل ورقة تسقط من شجرة الفساد المتفرعة، والتي جرت ألمانيا مكرهة إلى مستنقع الشك بعد الذي كان سنة 2000 عند السباق الشرس نحو تنظيم كأس العالم 2006، لكنني ما قبلت أبداً أن ينصب أحدهم مقصلة في الشارع العمومي، ويقرر بتهمة خيانة النزاهة وهتك عرض المصداقية والنظافة الفكرية لإعدام القيصر فرانز بيكنباور. قرأت متقززاً تقريراً مترجماً كتبه الصحفي الألماني يورجن داكلوب في موقع «شبيجل أون لاين»، انبرى بالكامل لتداعيات ما بات يسمى بفضيحة شراء الأصوات لربح تنظيم كأس العالم لسنة 2006، وقد كان بيكنباور رئيساً للجنته المنظمة، ليخلص إلى جملة مؤلمة هي أشبه بطعنة السكين، تقول: «أيها القيصر تنازل عن عرشك». ما أفادت به التحقيقات التي تباشر في ألمانيا، منذ أن خرجت من أوراق التحريات حول الفساد بالفيفا، مزاعم تقول بأن ألمانيا ليست في مأمن من كل محاولة للتأثير على سباق التنافس على تنظيم المونديال، هو أن تحويلات مالية مبهمة ، خرجت من حساب فرانز بيكنباور، في اتجاه حسابات مصرفية أخرى لم يعلم لها طرف. وإذا كان هناك ما يرخي بالكثير من الشك على سلامة حيازة ألمانيا لشرف تنظيم كأس العالم 2006 بعد صراع شابه ما شابه من خروقات مع جنوب أفريقيا، فإن لا أحد له الحق في أن يجرد بيكنباور من تاريخه الخارق ومن كل الألقاب التي نالها كلاعب ألمعي بالعرق والإبداع. مسافة يجب أن نضعها إذاً بين بيكنباور النجم والمبدع والقائد، وبين بيكنباور الذي قادته قيصريته لأن يتولى رئاسة لجنة تنظيم كأس عالمية لم تكن على كل حال هي الأولى التي تنظمها ألمانيا. لا بد وأن نفهم أن كل الأوساخ التي تلطخ اليوم مونديالي 2006 و2010، برغم أنه لا يوجد ما يدينهما بالكامل، هي جزء من منظومة متسخة حاولت أن تصحح الفساد بالفساد، فكانت النتيجة أن الصرح كله انبنى على قاعدة فاسدة فانهار مع أول ومضة نزاهة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©