الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة السورية... خلافات أميركية تركية

الأزمة السورية... خلافات أميركية تركية
7 أكتوبر 2012
سونر كاجابتاي واشنطن وفرت العلاقة الوثيقة التي أقامها أوباما، مع أردوغان حليفاً إسلامياً قوياً لواشنطن في الشرق الأوسط، وهو ما مكن الدولتين من التعاون بشكل وثيق من أجل تحقيق استقرار العراق. ولكن على رغم ذلك، هناك عاصفة تنتظرهما في سوريا، خصوصاً بعد أعلنت تركيا الخميس أن البرلمان التركي قد خول الحكومة القيام بعمليات عسكرية في سوريا عقب قيام الأخيرة بقصف مناطق تركية عبر الحدود هذا الأسبوع. وعندما اشتدت الأزمة السورية، بدا البيت الأبيض وكأنه على استعداد للانتظار حتى يرى نهاية نظام الأسد، في حين كانت الأزمة قد باتت مسألة طارئة شديدة الأهمية بالنسبة لأنقرة. وعندما تفاقمت الاضطرابات في سوريا على مدى الثمانية عشر شهراً الماضية، افترضت أنقرة أن الولايات المتحدة متفقة معها بشأن ضرورة تغيير النظام؛ غير أن الحاصل الآن هو أن الخلافات بينهما في هذا الشأن قد بدأت في الظهور، بشكل متواتر. وتبدي الولايات المتحدة تردداً في موقفها تجاه سوريا لأسباب عدة: منها إحجامها عن القيام بأي عمل قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر، وحالة الإرهاق وإعياء الحرب السائدة بين الأميركيين عموماً. غير أن أردوغان يرى أن الأسباب التي تسوقها الولايات المتحدة ليست سوى غطاء تغطي به لا مبالاتها تجاه ما تمثله سوريا من مشكلات متفاقمة بالنسبة إلى تركيا. وهناك علامات تدل على المشاعر التركية الحقيقية تجاه الولايات المتحدة في هذا الخصوص، منها ما ظهر خلال مقابلة أجــراها رئيـس الوزراء التركـي مع محطـة "سي. إن.إن" الأميركية وانتقد خلالها أوباما لافتقاره إلى روح المبادرة بشأن سوريا -وهو توبيخ نادر من رجل كان يعتبر صديقاً وثيقاً للأميركيين فيما عدا ذلك من حالات. وهذا التصريح يمكن أن يعتبر نذيراً بما سيأتي. فأردوغان لديه ميل طبيعي للتعامل مع زعماء الدول الأجنبية على أنهم أصدقاء، وميل أيضاً لفقدان أعصابه، عندما يظن أن هؤلاء الأصدقاء قد تخلوا عنه. وهكذا فكلما استمرت واشنطن في تجاهل الموضوع السوري، كلما ازداد احتمال غضب أردوغان بشأن ما يعتبره عدم استعداد من جانب أوباما لدعم سياسته. وكانت الأزمة السورية قد بدأت كأزمة قابلة للتدبير في نظر واشنطن، غير أن ما حدث عندما اشتدت وتيرة الصراع هو أن البعض هناك قد أصبح أكثر قلقاً بشأن احتمال تغير الأزمة راديكالياً، كما حدث في البوسنة في تسعينيات القرن الماضي. فعندما لم يتدخل العالم لإيقاف المذابح التي طالت المسلمين في ذلك البلد البلقاني، تدفق "الجهاديون" عليه من كل صوب وحدب للانضمام إلى القتال، وإقناع سكان البوسنة العلمانيين في معظمهم بأن العالم قد تخلى عنهم، وأنهم سيكونون أفضل مع الأصوليين "الجهاديين". والسياسة التي تتبعها الولايات المتحدة تجاه الأزمة السورية تقوم على فكرة مؤداها أن الهبوط السلس قد يكون أمراً ممكناً في سوريا. وتبنى هذه الفكرة على أمل أن تتعاون جماعات المعارضة مع بعضها بعضاً من أجل إسقاط نظام الأسد دونما حاجة إلى تدخل خارجي متعجل -وهو خيار ترى واشنطن أنه قد يسبب حالة من الفوضى العارمة. ولكن أنقرة تريد تسريع هذا الهبوط السلس. وقد جاء قصف الأراضي التركية من الجانب السوري هذا الأسبوع ليجعلها تشعر بحرارة الأزمة المندلعة في الجوار، وليزيد من اقتناعها بهذا الخيار بعد أن أدرك أردوغان أن الوقت ليس في مصلحته. والطبيعة الطائفية للصراع المندلع في سوريا تتسرب تدريجياً إلى تركيا نفسها، وخصوصاً أن ما يقرب من 100 ألف لاجئ سوري عربي سني قد التمسوا الملاذ هناك فراراً من تنكيل نظام الأسد ومليشياته العلوية. والعلويون العرب الذين يعيشون في المناطق الجنوبية من تركيا، يرفضون وجود اللاجئين السنة في مناطقهم، وهو ما يظهر بشكل جلي طبيعة الانقسام السني- العلوي في سوريا، ويحوله إلى مشكلة لأنقرة قد تتفاقم إذا ما تطور الصراع في سوريا إلى حرب طائفية كاملة المواصفات. وتخشى تركيا كذلك من تزايد نشاط حزب العمال الكردستاني المعارض وخصوصاً بعد أن سمحت السلطات السورية لمقاتليه بالعمل داخل الأراضي السورية القريبة من الحدود مع تركيا كوسيلة للانتقام من الموقف التركي من الأزمة، وهو ما يمكن أن يزيد من الثمن السياسي الذي يتعين على أردوغان أن يدفعه بسبب الاضطرابات في سوريا. وكل تلك المشكلات التي يواجهها أردوغان لا تنبئ بخير عموماً بالنسبة لآماله في أن يصبح أول رئيس منتخب شعبياً لتركيا عام 2014 (حتى فترة قريبة كان الرئيس التركي ينتخب من قبل البرلمان). فعلى رغم أن حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان قد حصل على 49,5 في المئة من الأصوات في انتخابات العام الماضي، إلا أن إقدام حزب العمال الكردستاني على شن المزيد من الهجمات على القوات التركية يمكن أن يخدش صورة الزعيم القوي الصارم -المفضلة كثيراً- والتي عُرف بها أردوغان. وكان أردوغان يفوز بكافة الانتخابات التي أجريت منذ صعود الحزب إلى سدة السلطة في البلاد عام 2002 من خلال تحقيق معدلات قياسية في النمو الاقتصادي لبلاده، وهو ما كان ممكناً تحقيقه بفضل الصورة المتداولة عن تركيا باعتبارها دولة مستقرة وآمنة بالنسبة للمشروعات وفي عيون الناخبين. وهكذا فإنه كلما طال أمد الأزمة في سوريا كلما تعرضت هذه الصورة للاهتزاز، ما قد يلحق أضراراً فادحة بمكون رئيسي من مكونات نجاحها الاقتصادي، ويغذي الإدراك العام بشأن كون أردوغان لم يعد قادراً على الإنجاز. ويعني هذا كله أنه لم يعد بمقدور أردوغان أن يقف مكتوف الأيدي، وهو يشاهد سوريا تجر بلاده إلى حالة من الفوضى العارمة. ولذلك، من المتوقع أن تقوم أنقرة خلال الأيام القادمة بالضغط على واشنطن من أجل القيام بعمل أكثر حسماً ضد نظام الأسد بما في ذلك إقامة ملاذات محمية من قبل الولايات المتحدة للاجئين في سوريا، واتخاذ إجراءات من شأنها التسريع بإسقاط نظام الأسد في النهاية. ومن المحتمل أن تكون استجابة واشنطن لهذا الضغط هي الاستمرار في التمسك باستراتيجية الهبوط السلس مع العمل في الآن ذاته على إبطاء وتيرة مقاربة أردوغان. وعلى رغم خطورة تلك الخلافات، إلا أنه ليس متوقعاً لها أن تمزق علاقة أوباما- أردوغان وهو ما يرجع إلى اعتماد تركيا على الولايات المتحدة في العديد من المجالات إلى الدرجة التي لا تسمح لها بالتفكير في التضحية بعلاقاتها معها بسهولة. بيد أننا إذا ما أخذنا في الحسبان طبيعة الاختلاف بين سياستي الرجلين بشأن الأزمة السورية، فإننا سندرك أن حدوث عاصفة بينهما أمر يبدو غير ممكن تجنبه- تقريباً. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©