الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أشواق البشر على الشاشة

أشواق البشر على الشاشة
19 أكتوبر 2011 20:35
في احتفالية تميزت بحضور مكثف من السينمائيين وعشّاق الفن السابع، انطلقت فعاليات مهرجان أبوظبي السينمائي في دورته الخامسة، لكي تقدم للجمهور سلّة متنوعة من العروض والحلقات النقاشية، تثري الحياة السينمائية المحلية والعربية والدولية. ينقسم المهرجان إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي أولاً عروض الأفلام الطويلة التي تشارك بها 86 فيلماً طويلاً منها 62 فيلماً روائياً و 24 فيلماً وثائقياً تمثل 35 دولة من دول العالم، وثانياً عروض الأفلام القصيرة التي تشارك في المهرجان والتي اختير منها 94 فيلماً، وثالثاً مسابقة أفلام الإمارات التي تقدم لها 14 فيلماً روائياً قصيراً و9 أفلام وثائقية قصيرة و 14 فيلماً روائياً للطلاب و8 أفلام وثائقية للطلاب، بينما بلغت الأفلام من إنتاج الإمارات 33 فيلماً. وخصص مهرجان أبوظبي السينمائي حقولاً جديدة تتسابق فيها أفلام من مختلف جهات العالم ومنها “مسابقة آفاق المستقبل” و”مسابقة عالمنا” و”عروض السينما العالمية” و”خرائط الذات” و”إضاءات على السويد” و”أفلام اليوم العائلي” و”الواجهة البحرية”. في هذا العرض نلقى الأضواء على ستة من الأفلام المتميزة، التي عرضت في برامج ومسابقات مختلفة، هي الفيلم الإيراني “دجاج بالبرقوق”، والفيلم المغربي “نبع النساء”، والفيلم المغربي أيضا “موت للبيع”، والفيلم الأميركي البيئي “كهف الأحلام المنسية”، والفيلم الفلسطيني “بياع الورد”، والفيلم الإماراتي “ظل البحر”. «دجاج بالبرقوق».. محاولة للخروج من أسر الاغتراب أحمد علي البحيري في المسابقة الرئيسية للأفلام الروائية، ضمن مهرجان أبوظبي السينمائي في دورته الخامسة، عرض الفيلم الإيراني “دجاج بالبرقوق” (90 دقيقة)، وهو من إخراج الإيرانية مرجان ساترابي، والفرنسية فيسنت بارونو. ويتنافس هذا الفيلم الجريء في المسابقة مع سبعة عشر فيلما، من ايران وتونس وفرنسا وكندا والولايات المتحدة والمغرب وروسيا وجنوب افريقيا وايرلندا والمكسيك واليابان وبريطانيا، منها أربعة أفلام عربية هي “ديما براندو” للمخرج التونسي رضا الباهي، و”موت للبيع” للمخرج المغربي فوزي بن سعيدي، و”رجال أحرار” للمخرج المغربي اسماعيل فروخي، وفيلم “على الحافة” للمخرجة المغربية ليلى كيلاني، والفيلمان الأخيران شاركت في إنتاجهما دولة الإمارات العربية المتحدة عن طريق المنح الإنتاجية. صدى نقدي أما لماذا دجاج بالبرقوق وهو من الأفلام المنتظرة بشغف؟ فذلك لأسباب كثيرة أولها أنه واحد من الأفلام التي لاقت صدى نقديا كبيرا في عرضه بمهرجان فينيسيا السينمائي في وقت سابق من العام الحالي، وثانيا لأنه يحمل روح وأدب الرواية، إذ أنه مأخوذ عن إحدى روايات ساترابي، ويستخدم في تنفيذه “فن التحريك” بغرض تحويل الواقع إلى حكاية خرافية شائقة تحمل الكثير من المتعة البصرية وعناصر الفرجة عن طريق تحويل الشخصيات البشرية إلى شخصيات خيالية لتحقيق نوع من التجريب السينمائي على الرواية. يتناول الفيلم الذي تدور أحداثه في طهران العام 1985 حياة عازف الكمان “ناصر علي خان”، ويقوم بدوره الممثل المتميز ماثيو آمالريك، والذي يعاني من فراغ عاطفي كبير بعد أن تحطّمت آلة الكمان التي يعشقها، ويعيش معظم أوقاته للبحث عن آلة أخرى يحبها بقدر ما أحب آلته القديمة. بعد أن تبوؤ محاولاته بالفشل يقرر في لحظة انكسار الموت. وبعد أن يتمّ له ذلك ـ وهذه هي مفاجأة الفيلم ـ نعيش بقية أحداث الفيلم مع شريط حياته على مدى عشرين عاما، فيما نرى في مدخل الشريط الذي وزع على ثمانية أيام، علاقته الباردة مع زوجته فارنيجيس (ماريا دى ميديروس) التي تحبه ولكنها لا تحب الموسيقى، وتهتم به ولكنها تهتم أكثر بتربية ولديها منه (صبى وصبية). وعندما يسمع ناصر أن هناك بائع كمان في مدينة شيد، يذهب إليه مع ابنه، وهناك يلتقى مع إنسان أقرب إلى الساحر (جميل دبوز) يدعوه إلى تدخين الأفيون. وفي المدخل أيضا مشهد للعازف الفنان يرى في الطريق امرأة ويسألها: ألا تعرفينني؟ وعندما تنفي يصاب بالدّهشة. أحلام وفشل الفيلم يحمل الكثير عن تفاصيل حياة ناصر ومحاولاته المستمرة للانتحار، وفشله في تحقيق ذلك، إلى جانب ما نشاهده من أحداث تتعلق بأحلامه بنساء شهيرات ومنهن الممثلة الإيطالية صوفيا لورين، والتي كانت تعرض لها بعض أفلامها في طهران في ذلك الوقت، وأحداث كثيرة تتعلق بأسرته وأمه وزوجته، وأساتذته، وجانب من أحلامه كإنسان، ولكنها أحلام تتكسر على صخرة القوانين الميكانيكية الاجتماعية. مضمون الفيلم ليس بجديد على مقياس السينما العالمية أو حتى سينما المهرجانات، فالحكاية رومانتيكية عادية، لكن التناول السينمائي في الواقع هو الجديد الذي يفرض نفسه، فعلى مستوى التكنيك فان استخدام “الراوية” في سرد الأحداث، ومن ثم جمال اللغة، وحضور فن التحريك البارع، وتوفير قدر مناسب من العرض التلفزيوني والشرائح ومقاطع السينما ما بين الرواية والتوثيق قد أضفى على الفيلم جمالا وروعة خاصة من التشويق، والإثارة وبهجة الفن والخيال، التي تجعل من المتفرج جزءا من كادر الفيلم الذي يخفي في ثناياه مشاعر أي شخص منفي عن وطنه، وبذلك تعبر مخرجته الإيرانية ساترابي بصورة رمزية عن افتقادها للوطن في فترة الخمسينيات من القرن الماضي من خلال قصة حب للفن مجسدة في عازف الكمان الفنان، وقصة حب لإيران مجسدة في حبيبته التي لم يتمكن من الزواج بها، فعاش معها في الخيال، واسمها إيراني كما تسمى بعض النساء في مصر (مصرية) وفي فرنسا (فرنسا)، وتقوم بدورها جولشفيت فاراهاني ساحرة الجمال التي تعيش في المنفى بدورها.. ولكل شيء نهاية. فيما تبقى أنشودة الحب والجمال وصراع الإنسان مع السياسة هي الأمثولة الباقية في ذهن مشاهد هذا الفيلم الذي يعتبر واحدا من روائع السينما الإيرانية المعاصرة. إحساس طفولي صحيح أن فيلم “دجاج بالبرقوق” خرج من جميع المهرجانات التي شارك بها بلا جوائز، لكن مشاهدته تشكل نوعا جديدا من المتعة بالنسبة للمشاهد، ففي حكايته وحتى في أبطاله شيء طفولي يجعلك تتعاطف مع أحداثه، كما أن صورة هذا العمل أنيقة ومصقولة إلى الحد الذي تتمتع فيه العين والمدرك البصري في متابعة الألوان المتدفقة من المناظر مع وضوح للكلمة واللقطة. وسط ذلك كله يقدم الممثل ماثيو آمالريك دورا نوعيا، وقد أسهم مع أداء بقية الممثلين في تحقيق نوع من السلاسة، التي تنسجم عادة مع مقومات السينما الجماهيرية، ومقومات سينما المهرجانات، حيث أوصل العديد من المخرجين والكتاب الإيرانيين السينما الإيرانية إلى كبريات المهرجانات العالمية. فيما علينا التأكيد أن “دجاج بالبرقوق” بعنوانه اللافت للنظر هو فيلم ينتمي إلى تلك النوعية من الأعمال التي تنتج تحت مظلة “الواقعية النقدية” مع حواف من السريالية والرمزية، فليس من المنطقي أن يكون الدجاج عنوانا عشوائيا لفيلم ما لم يكن هناك مضمون يحمل العديد من الدلالات والرموز التي تنحو باتجاه قضية الفساد بكل أشكاله. أخيرا في تقديري أن هذا الفيلم الذي يحمل في ثناياه جرأة عالية وتكنيكا عالي المستوى ونفسا أنثويا في لغته، حيث إن مخرجتيه لكل منهما قصة مع الوطن والسياسة والمنفى، يخرجه من نمط السينما التقليدية ويجعل منه علامة في سينما المغتربين.. التي تحاول الخروج من أسر الاغتراب. «ظل البحر».. روح الأرض والناس يركز المخرج الإماراتي نواف الجناحي أضواءه على قضية شغلت وما زالت تشغل فكر معظم كتّاب ومثقفي الإمارات، ممثلة في تصوير الصراع بين القديم الأصيل بكل ما يختزنه من ذاكرة شعبية وثقافة ورؤيا إنسانية للحياة، والجديد المعاصر بكل ما فيه من اختلالات وتحولات وطغيان للمادي، قضية خطيرة تفرض حضورها على كل الأجيال، والسينمائيين في الإمارات بوجه خاص، ومن بينهم الجناحي الذي حاول في فيلمه الروائي الطويل “ظل البحر” (98 دقيقة)، سيناريو محمد حسين أحمد، البحث في جوهر هذه المسألة ضمن مفهوم “سينما المواقف”، التي ترى “ظاهرة التناقضات في المجتمع” بعين الكاميرا الخفية، ولكنها تصنع لنا في النهاية كادرا شديد الواقعية، من خلال التركيز على الماضي والزمن الجميل الذي عاشه المجتمع الإماراتي في ثنايا التقاليد والقيم والعادات الأصيلة، من خلال حكاية إنسانية ذات نسيج عاطفي من الممكن حدوثها في أي مجتمع معاصر يناقش الهوة بين ثقافة الماضي وثقافة والحاضر، وما بينهما من هوة وفراغ ونموذج بطولي مفقود. أما لماذا فيلم “ظل البحر”؟ ولماذا مخرجه نواف الجناحي؟ فذلك عائد لأسباب كثيرة، أولها لأنه يمثل قصة الأجيال الجديدة التي تعيش (الفجوة) التي صنعها التقدم الاقتصادي الهائل في حياة المجتمع الإماراتي، وما أحدثه ذلك من اختلالات في التوازن والنسيج العائلي، بحيث يبدو لنا “ظل البحر” الذي جرى تصوير مناظره على ضفاف البحر في رأس الخيمة ودبي وأبوظبي، مع التركيز على أحد الأحياء في إمارة رأس الخيمة، حيث حركة الشخصيات الواضحة والمؤثرة في الأحداث الرئيسية، وإن متلازمة (البحر) في الفيلم، تكسبه مجالا فسيحا للتعبير عن أهمية المكان في سير الأحداث والشخصيات، على اعتبار أن البحر هو قيمة إنسانية كبيرة في حياة شعب الإمارات، يوم أن كان يشكل مع (الفريج) المصدر الوحيد لرزقهم، بل النموذج المثالي لحياة التكاتف والروح الجماعية في محاربة قسوة الطبيعة والبيئة وضعف الإمكانات، ضمن مجتمع بحري له أصوله ومفرداته وثقافته. وثالثا وهذا مهم للغاية، إن الفيلم ينفرد بظاهرة لافتة، وهي جذب 6 ممثلات لتجسيد أدواره النسائية، ويمثلن أجيالا مختلفة في الدراما المحلية وهن: نيفين ماضي (كلثم)، وخديجة الطائي (ليلى)، ومريم حسين (عيوش)، وعائشة عبد الرحمن (أم منصور)، وأبرار الخضري وسالي سعيد، هذا بالإضافة إلى مجموعة ممتازة من الممثلين يتصدرهم عمر الملا (منصور)، وحسن رجب، بلال عبد الله، عبد الله الرمس، شهاب خاطب، علي الجابري، أحمد ايراج، وآخرين. الفيلم ناطق بالعربية ومترجم إلى الانجليزية، من تصوير باولو أريش، وفيه يبدو المراهقان منصور وكلثم، بحبهما الأول، يبحثان عن ذاتهما وسط خليط من القيم الجديدة ومظاهر الحياة المستوردة، فيما الحنين إلى الماضي الذهبي العزيز الجميل بكل تراثه وقيمه ووداعته يطفو على سطح هذه العلاقة البريئة، التي يحكيها الفيلم بديناميكية عالية، ولغة سينمائية جديدة، تروى من خلال وجهة نظر بطلي الحكاية منصور وكلثم، كنوع من التماثل الثقافي في الرمز. ويتخطى الفيلم في مضمونه، الحدود الجغرافية، فالقصة هي قصة الحنين التي يشعر بها الإنسان تجاه الأمكنة الأولى وذكرياتها، والرسالة الأساسية له هي أن الآباء والأمهات لديهم الخيار في كيفية تنشئة أطفالهم، وأن أبسط التصرفات قد تؤدي إلى وقوع مشكلات ربما تؤثر في حياة أبنائهم، وهو ما يجعل الفيلم موجهاً إلى جمهور عريض، إماراتي وأجنبي. ونحن نتحدث عن “ظل البحر”، علينا التحدث عن ظله الأهم، وهو مخرجه الممثل نوّاف الجناحي وتجربته الناجحة مع صناعة فيلم إماراتي روائي طويل، وهو غاية مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي، الوصول إلى صناعة سينما إماراتية مستقبلية خالصة تتمتع بجماليات وفنون السينما العالمية. ويعتبر الجناحي بفيلمه هذا، والذي سبقه بفيلمين هما “مرايا الصمت” 2006 ضمن سلسلة الأفلام الروائية القصيرة، و”الذاكرة” ضمن الأعمال الروائية الطويلة، وعرض في منافسات مهرجان الخليج السينمائي عام 2009، كما عرض في العديد من المهرجانات الدولية في طليعة المخرجين المهتمين بـ(المحلية) من منظور شمولي، والتي تنعكس بوضوح على مضامين أعماله ذات الجودة العالية، في مشاهد ولقطات مدروسة بعناية شديدة، مع تركيزها على الخلفيات والطبائع التي تؤسس لهذه المحلية من خلال كاميرا تدور بعفوية في أرجاء لقطة بانورامية، وتصنع في النهاية أفلاما فعالة ورائعة تعكس حضوره القوي وراء تلك الأعمال التي يجد الممثلون والممثلات المحليون من خلالها فرصتهم في إبراز مواهبهم في مجال الأداء السينمائي، والظهور أمام الجمهور بصورة مختلفة عن التلفزيون والمسرح، وان كنا نود الإشارة إلى أن الجناحي لجأ في بعض أفلامه إلى لغة التجريب واللعب في دائرة التصوير بالنور والظل وتناقضهما في تأسيس لقطة متمايزة حازت الإعجاب وهي بالأسود والأبيض، فهو على الدوام لصيق ببيئته المحلية والخليجية من حيث معالجة الأفكار والتناول السينمائي الناضج. والجناحي بمجمل مسيرته ليس بعيدا أو غريبا عن مجال التمثيل والسينما قبل أن يدخل عالمها، فقد عاش في كنف أسرة حلقت كثيرا في فضاء الفن والإبداع، فوالده هو محمد الجناحي (1939 ـ 2008)، أحد رواد التمثيل والإخراج على مستوى منطقة الخليج، ومن ظلال هذه البيئة الفنية، خرج إلى عالم الإبداع محملا بتجربة لها جذورها وأصولها ونمطها، ومع إصراره، وامتلاكه لموهبة وخيال واسع، نجح خلال سنوات من تثبيت أقدامه كسينمائي محترف بعد أن قدم مجموعة ناجحة ومؤثرة من الأفلام القصيرة من بينها فيلم “هاجس” (2002)، و”على الطريق” (2003)، و”أرواح” (2004)، وجميعها بشهادة النقاد تتمتع برؤيا بصرية ممتعة ونافذة، وإيقاع سينمائي متمكن من حيث الصورة والمونتاج المتماسك المحكم، حتى في تلك الأفلام التي لا تزيد مدتها عن 5 دقائق، حيث يلعب فيها الجناحي في دائرة التكنيك السينمائي الحديث من حيث الحركة المتدفقة، والتماسك الذي يضمن للفيلم جودته العالية وتأثيره في المتفرج. الجناحي الذي بدأ مسيرته الحقيقية مع السينما عام 2002 من خلال ارتباطه الوثيق بمسابقة أفلام من الإمارات مع مؤسسها مسعود أمر الله آل علي، ومجموعة من الشباب الإماراتي الطليعي الذي أخذ زمام المبادرة صوب سينما محلية ذات جماليات خاصة، هو في الواقع مخرج متجدد، ونموذج من أولئك المخرجين الشباب الذين يعرفون طريقهم جيدا إلى الفيلم الناجح بواقعيته أو في تجريبه أو في رمزيته، ذلك لأنه منذ انطلاقته الأولى كانت له هوية واضحة وبطاقة مكتوب عليها سينما وطنية بنكهة عالمية، وهذا ما نشاهده في أحداث فيلم “ظل البحر” الذي يحمل في جنباته ظلالا كثيرة، وأبعادا إنسانية ذات صلة بالأرض والوطن والجذور والإنسان بالدرجة الأولى لتحقيق شعار السينما للناس حتى تكون جماهيرية. «كهف الأحلام المنسية».. العيش مع الدببة على غير عادة السينما العالمية يطالعنا فيلم المخرج الألماني فيرنر هيرتسوغ “كهف الأحلام المنسية” (90 دقيقة) بموضوع جميل وغريب وعميق في ذات الوقت، يصحب الجمهور من خلال سرده الوصفي إلى كهف تم اكتشافه في جنوب غرب فرنسا عام 1994، في رحلة خاصة تكشف عن موضوعات ورسومات ولوحات جدارية رسمها الإنسان القديم، تحتويها جدران الكهف وتعود إلى نحو 32 ألف سنة في التاريخ. هذا هو الشكل السطحي للفيلم، أما المهم في الموضوع فيتمثل في نجاح مخرج الفيلم في الحصول على تصريح خاص لدخول كهوف (شوفيه) مطلع عام 2010 لتصوير فيلم وثائقي (ثلاثي الأبعاد)، عرضه بعد ذلك ضمن فعاليات مهرجان تورنتو السينمائي بكندا، لينتقل اليوم إلى منافسات مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي في دورته الحالية، حيث يعايش الجمهور موضوعا ولقطات تسجل ملامح من فترات من عصور ما قبل التاريخ، وكيف شكل البشر حياتهم وتعاملهم مع الطبيعة، إنها في الواقع حركة الإنسان القديم بثوب معاصر مغلف بحواف من الدهشة وإيقاعات الرسم والتصوير والرغبة في العودة إلى الطبيعة الأم وما بها من غموض مدهش في إطار يكشف من خلاله للجمهور ما هو غير مألوف في تناول مثل هذه الموضوعات التي تلهث وراءها القنوات الفضائية المتخصصة بعرض الوثائقيات. أما إطلاق اسم “شوفيه” على تلك الكهوف، فيعود إلى اسم مكتشفها “جان ماري شوفيه”، فيما يقول بعض الجيولوجيين إن هذا الاكتشاف يعتبر الأكبر والأهم في تاريخ البشرية. لفت “فيرنر هيرتسوغ” انتباه النّقاد والجمهور العالمي من خلال جملة من الأفلام العميقة والمدهشة في ذات الوقت ومنها فيلم “جريزلي مان”، وفيلم آخر بعنوان “آغويري غضب الآلهة” (1973)، وكذلك فيلم “التحديق إلى الهاوية”، وربما يكون أحد أهم أفلامه ما صوره في أدغال أميركا اللاتينية عام 1982 بعنوان “فيتزكارالدو” ويتحدث من خلال أحداثه عن تجربة فريدة في سحب سفينة قديمة من نهر الأمازون إلى قمة أحد الجبال الشاهقة. كذلك فيلمه الرائع “توسفيراتو” (1979)، وحقق نجاحا كبيرا حين عرض في عدد من صالات دور السينما في بيروت، ضمن أسبوع أفلامه الذي نظمته جمعية “متروبوليس” احتفاء بريادة هذا المخرج في مجال السينما التسجيلية، لكنه غالبا ما ينحو في أفلامه باتجاه البحث عما هو مخبوؤ في القديم السحيق للعثور على شيء إنساني في تجارب الإنسان البعيدة، كذلك عمله الدؤوب في فتح ذهن وذاكرة المتفرج على التجارب الإنسانية المجهولة والفريدة في ذات الوقت، ولهذا تمكن بعد نجاحات عديدة من تسجيل اسمه في السجل الذهبي لمخرجي السينما التسجيلية في العالم.. أما في فيلمه “كهف الأحلام المنسية” فيلتقط بمهارة عالية صورا رائعة من اللوحات التي تعود إلى فترات تاريخية سحيقة، صور لحيوانات من العصر الجليدي رسمها ونحتها البشر البدائيون على جدران الكهف الذي يحتوي أيضا على محفورات لخيول وثيران ونساء وأسود، حيث فرصة ثمينة أمام جمهور الفيلم للتعرف على ثقافة البشر البدائيين، فقد كانت “الدببة” مثلا تقطن تلك الكهوف، كما عثر على بصمة لطفل بجوار أثر لذئب، بما يؤشر إلى أن جميع نشاطات الإنسان والحيوان قد اجتمعت في الكهوف على مدى آلاف السنين. زيادة على ذلك التعليق المتخصص على شريط الصوت، وهو غني بالمعلومات والمؤثرات الجاذبة للانتباه. «بياع الورد».. يبث رسائل فلسطينية صادمة فيلم “بياع الورد” القادم من فلسطين لمخرجه إيهاب جاد الله والذي كتب له السيناريو أيضا، فيلم روائي وإن لم يكن مختلفا كثيرا في أجوائه وأحداثه وسياقه العام عن (ثيمة) أعمال السينما الفلسطينية منذ بداياتها وحتى اليوم، من حيث تحليق أفلامها في فضاءات التعبير عن إشكاليات القضية الفلسطينية المعقدة والشائكة في الكثير من الجوانب، وبعضها يبث رسائل مختلفة حول صمود الشعب أمام آلة الحرب الاسرائلية، والبحث كثيرا في جوانب الديمقراطية والخلاص للوصول إلى الاستقلال وبناء الدولة بكامل سيادتها من خلال أوجه عديدة للنضال بالمقاومة أو بالصمود أو بالتمسك بالإرث الشعبي والتاريخي والديني للمنطقة، لكنها وان كانت كذلك فهي تفتح على الدوام نوافذ مشرعة كثيرة للتعبير والتناول والمناقشة، ومن ذلك هذا الفيلم القصير الذي لا يزيد شريطه عن 20 دقيقة، وتدور كل أحداثه في مخيم جنين، فهو عمل من نوع مختلف، حينما ينزاح في مداه الدرامي والتعبيري بعيدا عن لهجة الأفلام المشحونة بلهجة سياسية طنّانة، وشعارات ثورية زائفة، انه يريد باختصار مناقشة ظاهرة محددة تتلخص بإيصال رسالة مفادها أن العزلة والتهميش و(الموت) هو مصير حتمي لكل جاسوس فلسطيني يعمل مع مخابرات الاحتلال المغتصب، لاصطياد رجال المقاومة وتصفيتهم. شارك في تجسيد أحداث الفيلم نخبة من الممثلين من بينهم حسام أبو عيشة والممثل المسرحي الشاب فادي الغول المعروف لدى الجمهور بتمثيله مونودراما مسرحية (كلارينت)، وآخرون. أما مخرج الفيلم فيحتل مساحة ومكانة طيبة لدى النقاد والجمهور والمهرجانات من خلال جملة أفلامه الناجحة ومنها فيلم “الطخيخ”، وفيلم آخر بعنوان “البحث عن زاك” إنتاج مشترك بين وزارة الثقافة الفلسطينية ومؤسسة عبد المحسن القطان والقنصلية الفرنسية والمنتج البريطاني “مافريج ريتشيلد”. ويعكس فيلم “الطخيخ” جانبا مهما من أسلوبية ايهاب جاد الله في بناء أفلامه وتعميقها بفكر يمضي لخدمة القضية الفلسطينية، وفي ذات الوقت لا يتحرّج من إثارة الأسئلة حولها مع طرح العديد من القضايا بجرأة عالية وتناول يندرج تحت مقومات السينما الطليعية أو السينما الجديدة المقاومة إن صح التعبير. سيناريو الفيلم يطرح تساؤلات حول المقاومة الفلسطينية، حينما تقع في بعض الفترات تحت الضغوط، والتداخلات، مما يجعل السيطرة عليها منعدمة من الفوضى واختلال التوازن. فيلم “بياع الورد”، حائز جائزة “مهرجان كليرمون فيران الدولي للأفلام القصيرة” في فرنسا، ونال تقديرا نقديا جيدا، نظرا لما يتمتع به من مشهدية بصرية عالية، وتماسك الخيوط الفنية والفكرية والشكل العام واللغة السينمائية الجريئة بما يضع المتفرج العربي أمام العديد من الصور المجهولة حول مساحة (الديمقراطية) داخل الفصائل والجماعات الفلسطينية التي تعتمد (المقاومة) أسلوبا ونهجا لمواجهة المحتل، كما يطرح أيضا قضية في غاية الخطورة تتعلق بجدلية (الشهادة). يحمل الفيلم اتجاهين، الأول رومانسي واقعي، يتمثل في بياع الورد الذي ينثر روائح المحبة والود من خلال زهوره المتفتحة الملونة التي يبيعها للناس مع ابتسامة وخفة دم وفكاهة شعبية محببة، ومديح بكلمات معسولة، لنسج علاقات مع أكبر عدد ممكن من الناس وسحب المعلومات المهمة منهم، والاتجاه الثاني (رمزي)، ويتمثل في عمله السّري والخفي مع المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، حتى ينكشف أمره في نهاية المطاف، وتتم تصفيته، وهنا يثير الفيلم في هذا السياق جدلية مهمة حول مسألة الشهادة، ومن هو الشهيد الحقيقي؟ بخاصة في أهم مشاهد الفيلم التي تقوم على مناقشة بين قائد أحد قادة المقاومة ورجل الدين حول مقتل الجاسوس بياع الورد، فيما إذا كان شهيدا أو لا؟ كونه ساهم يوما في مساعدة رجال المقاومة لتنفيذ مهمة اغتيال أحد قادة المخابرات الإسرائيلية، فيما تحدد نهايته بعدم غسله وتكفينه بحسب المعتقدات الدينية، مما يثير العديد من الإشكاليات حول هذا المفهوم الذي يكاد يكون المحور الرئيس في هذا الفيلم الخطير والحساس في رؤيته الفكرية وبنائه الفني الذي يقوم على فن (المفارقة) وكيف يتحول فيه بياع الورد الشاب الفلسطيني البسيط الذي يبيع زهوره في مخيم جنين بالضفة الغربية في الجنازات التي قد تكون في أحد المرات لشهيد مات دفاعا عن أرضه ووطنه، إلى جاسوس رخيص يبيع الشهداء والوطن والتراب بحفنة دولارات ممزوجة بدم الشهداء والأبرياء. الفيلم في تقديري هو (مغامرة سينمائية) بما تحمله الكلمة من معنى، مغامرة في جرأة موضوعه، وفي تقنياته وأسلوبه، وتعبيره المكثف، حيث كان على مخرجه أن يبث جميع رسائله خلال عشرين دقيقة وكلها رسائل وشيفرات خطيرة، تتعلق بجانب مهم وشائك في حياة الشعب الفلسطيني والمقاومة تحديدا، حيث لا يخلو الشارع الفلسطيني من مواجهة واجبة مع (قضية العملاء)، وهي قضية موجودة بوضوح في تاريخ كافة الشعوب التي عاشت تحت الاحتلال، وعليها المقاومة من أجل البقاء والحياة، والنضال من أجل تحقيق الخلاص والبحث عن الذات على خارطة العالم. «موت للبيع».. حكاية الصداقة وتلاشيها “موت للبيع”، عنوان لافت لفيلم مغربي منتظر، سجّل في لائحة عروض مهرجان أبوظبي السينمائي. الفيلم مدته 122 دقيقة، وناطق بالعربية من اخراج الممثل المغربي فوزي بنسعيدي صاحب أفلام مهمة مثل “ألف شهر” و”يا له من عالم جميل”. والعمل بمجمله انتاج مغربي/ فرنسي/ بلجيكي/ اماراتي مشترك لعام 2009، وأشرف على تنفيذ الانتاج كل من سعاد لمريكي وسيباستيان ديلوي. يجسد شخصيات أحداث الفيلم نخبة من الممثلين المغاربة من بينهم: فهد بنشمسي ومحسن مالزي وفؤاد لبيض وايمان مشرفي وأشرف الخباز وسعيد الحجوي ويوسف القاضي. وقد حصل الفيلم على منحة “سند”، ويشارك في الدورة الخامسة من مهرجان أبوظبي السينمائي ضمن منافسات مسابقة الافلام الروائية الطويلة. وقد تم تصوير فيلم “موت للبيع” في العديد من المدن المغربية وبخاصة مدينتي “أغادير” و”تطوان” نظرا لما تتمتع به من طبيعة ساحرة، لعبت دورا كبيرا في رفع قيمة المناظر من حيث جمال الصورة والجانب البصري الذي يتتبع رمزية المكان ودورها في إضفاء “الجمالية الخالصة” على حركة الشريط السينمائي. ويقول المخرج عن فيلمه: “يا له من عالم رائع، الذي ينتمي الى النوع الهزلي من الأنواع السينمائية، يواصل فيلم “موت للبيع” استكشاف النوع نفسه، متجها أكثر الى أسلوب السّرد الخطّي”، ويضيف أيضا: “أسعى في هذا العمل الى المحافظة على النفس التجديدي والمشاغب في الوقت نفسه”. وربما يكون أهم ما في نجاح بنسعيدي في فيلمه “موت للبيع” هو مهارته في تحويل الناس البسطاء العاديين الى أبطال، وبهذا وبأشياء جمالية كثيرة في العمل، استطاع تحقيق خرق جدّي في ميدان السينما المستقلة التي تقوم عادة على ميزانيات محدودة، ولعل ذلك من القضايا المهمة التي ينبغي مناقشتها في مهرجاناتنا السينمائية وتظاهراتنا الثقافية، وهي قضايا نجاح الجيل الجديد من السينمائيين العرب في بناء أسس وقواعد لتطوير السينما الطليعية المستقلة، وهي سينما المستقبل المنشودة بموازاة هجمة سينما المال ورجال الاعمال والشركات الكبيرة التي يخضع بعضها لتوجهات الساسة في العالم. وتواصلا مع هذا الشأن يظهر نجاح وتألق السينما المغربية وحضورها بثلاثة أفلام في مهرجان أبوظبي السينمائي في دورته الحالية وهي “على الحافة” لمخرجته ليلى الكيلاني، وفيلم “النهاية” للمخرج هشام العسري، والفيلم الثالث بعنوان “أياد خشنة” لمخرجه محمد العسلي. يتناول فيلم “موت للبيع” حكاية ثلاثة أصدقاء (مالك وعلاّل وسفيان) يمارسون عمليات السطو في مدينة تطوان، وفي إحدى المرات يتداولون في وضع خطة لسرقة كبرى لواحد من اشهر محلات الذهب، بيد أن الخلافات تدب بينهم على خلفيات متعددة تسرد تفاصيل حياة كل منهم وتوجهاتهم صوب المستقبل، فهناك من يقيم علاقة حب مضطربة ينوي وضع نهاية لها، والآخر يخطط لتطوير أساليب جريمته من السرقات الصغيرة إلى اقتحام تجارة المخدرات، والآخر وهو قاصر لا زال على مقاعد الدراسة يتأثر بالحالة الصعبة التي يعيشها محيطه الاجتماعي، فيقع في النهاية في فخ جماعات التطرف، بينما تنتهي حياة الاصدقاء الثلاثة بعد أن لعبت بهم المصالح المتضاربة، والرغبات المستحيلة. فيما يكشف الفيلم في نهايته عن آثار الفساد وغياب العدالة الاجتماعية، في استشراء ظاهرة “الجريمة” التي تفضي الى أشكال عديدة من العنف والتعصب والكراهية والانزياح عن الآخر. والفيلم يبدو من “ثيمته” الرئيسية، أنه يحمل قضية خطيرة معاصرة ذات صلة بما يحدث حولنا من تطرف وفساد ومن انهيار للقيم تم رصدها بعناية شديدة من خلال لقطات للمتفرج وكأنها ساكنة، وهي في الحقيقة تحتشد بعناصر ومفردات وكأنها العاصفة في تموجها وحركتها المتدفقة، ناهيك عن ذلك التماسك البارع في كتابة السيناريو التي تقوم على مخيلة شعرية فياضة. أما مخرج الفيلم الذي لعب الحكاية والتفاصيل بمهارة عالية، فيتمتع بسمعة طيبة في العديد من المهرجانات التي عرضت له افلاما قوية مثل مهرجان كان الفرنسي، ودبي الاماراتي، ومراكش المغربي، ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في حين أن فيلمه الذي نتحدث عنه حقق صدى طيبا في عرضه في الدورة 36 بمهرجان تورنتو السينمائي الدولي بكندا، نظرا لسقف الجرأة في الخطاب النقدي للمجتمع المغربي، ونظرا لمستوى وجماليات الحوار القريب من لغة الشارع. من مميزات الجانب التمثيلي في هذا الفيلم هو اسناد دور البطولة النسائية للنجمة ايمان المشرفي بدور “دنيا”، وهي شخصية مركبة تحتاج الى خبرة ومهارة ممثلة مثل المشرفي خريجة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط. تخرجت منه سنة 2008، ومثلت في فيلم تلفزيوني بعنوان “القضية 5” لنور الدين الخماري، وفي فيلم قصير “سكيزومانيا” ليوسف بريطل. «نبع النّساء».. هل تكفي المشاكل لصنع فيلم؟ في السينما هناك فيلم جميل وممتع ومدهش، وقد يخرج المتفرج بعد مشاهدته بمشاعر الرضا والقبول دون أن يشعر بالغبن او الخسارة، لكن مثل هذا الفيلم بمقاييس النقاد قد لا يمتلك جملة المقومات التي تجعل منه مثالا نموذجيا لسينما المهرجانات. نطرح مثل هذا التساؤل ونحن نشاهد أحداث فيلم “نبع النساء” أو “عين النساء” لمخرجه الروماني الفرنسي “رادو ميهايليانو” (122 دقيقة، انتاج فرنسي مغربي روماني مشترك) من تمثيل الجزائرية الأصل ليلى بختي، والممثلة التونسية الأصل حفيظة حرزي، وعدد من نجوم السينما في العالم العربي، والشريط ناطق بالعربية، ويحمل في ثناياه جانبا فلكلوريا من التمثيل والرقص والحركة والبيئة التي تجمع بين الخشونة وقليل من الرومانسية. قبل الحديث عن الفيلم الذي صوّرت جميع مناظره في المغرب نهاية عام 2010، علينا الاشارة الى أنه واحد من الأعمال السينمائية (الخلافية)، ويحمل في ثناياه إشكاليات عديدة أهمها (هوية الفيلم)، فمن حيث الموضوع فإن حكايته في الواقع ليست مغربية أو حتى عربية الأصل، بل هي حكاية ذات أصول أناضولية تركية، ومن حيث الانتاج فهناك تداخل واضح، حيث يشير دليل المهرجان إلى أن انتاجه المشترك ما بين المغرب وفرنسا وبلجيكا وايطاليا، في حين أن الصراع على عملية انتاج الفيلم تحسم في بعض الروايات لصالح فرنسا التي يقال إنها تحملت كامل انتاج العمل، وقد أثار عرض الفيلم في المسابقة الرسمية ضمن برنامج دورة مهرجان كان السينمائي الأخيرة (21 مايو 2011) جدلا واسعا من جانب النٌقاد المحترفين، وبخاصة الناقد المغربي حسن بنشليخة الذي كتب مقالة أشار فيها إلى أن “نبع النساء” سيناريو مقتبس بالكامل عن الفيلم الألماني بعنوان “بلاد العبث” Abs rdistan من انتاج عام 2008. بقيت الإشارة الى أن هذا الفيلم قد أثار المزيد من الجدل بعد عرضه في ليلة افتتاح المهرجان الدولي لفيلم المرأة في مدينة “سلا” المغربية في 19 سبتمبر الماضي. بعيدا عن الجدل الذي قد يثيره الفيلم بعد عرضه في مهرجان أبوظبي، فهو باختصار شديد يحكي قصة نساء في قرية وهمية تقع في شمال أفريقيا، مطلوب منهن على الدوام جلب الماء من نبع يقع على قمة أحد الجبال في قريتهن، مما يضطرهن بعد سنوات من ممارسة هذا العمل الشاق تطبيقا للتقاليد والعادات، الذي أدّى الى سقوط العديد من النساء اللواتي فقدن حملهن، وهذا ما يجعل احدى الفتيات وتدعى (ليلى) الى قيادة ثورة نسائية احتجاجية تفضي الى اتخاذ قرار خطير يتمثل في الامتناع عن اقامة العلاقة الحميمة مع أزواجهن لاجبارهم على جلب المياه بأنفسهم بدل الاكتفاء بالعطالة والجلوس في المقاهي لشرب الشاي ولعب الورق والحديث في شؤون لا تغني ولا تسمن من جوع، واجبار النساء على عملية جلب الماء المضنية. أحداث الفيلم بالطبع تقودها العديد من الشخصيات، وأهمها “المرأة الكبيرة” وتلعب دورها الممثلة “بايا بوزا” والتي تقف الى جوار ليلى في ثورتها ونضالها ضد رجال القرية، ولا تأبه المرأة الكبيرة في السّن من مواجهة ابنها الذي ينضم الى احدى التنظيمات الدينية، وايضا شقيقة الزوج (لينا) التي تجسدها الممثلة القديرة “حفيظة حرزي”، كما نلمح دورا مهما للمثل الفلسطيني “صالح بكري” الذي يجسد دور “الزوج المعلم”. ربما يعتقد الكثيرون أن مثل هذه الحكاية بسيطة وهامشية ولكنها في الواقع لن تكون كذلك في شريط سينمائي طويل يزيد عن الساعة، يتعامل فيه مخرج فرنسي مع كادر تمثيلي عربي، وهو لا يجيد اللغة العربية المنطوقة بالمغربية الدارجة.. سؤال قديم ربما يستحق إجابة من النقاد وصنّاع السينما. أما مخرجه “رادو ميها يليانو” فهو من مواليد بوخارست عام 1958، يحمل الجنسية الفرنسية، ويعرف عنه تقديم الأعمال الشمولية ذات الطابع الانساني، ومن أهم أعماله فيلم “الحفل” 2008 وفيلم بعنوان “قطار الحياة” 1997، والعديد من الاعمال ذات التقنية العالية والصورة المصقولة مع ميل شديد الى تأويل المعنى وتغليفه بحواف من الرمزية. ورادو المخرج معروف بصورة واضحة لدى القائمين على المهرجانات الدولية، لكنه على الدوام يقف على مفترق طرق مع بعض النقاد، رغم تمكنه الشديد من أدواته، ومعرفته بأسرار صناعة السينما. أما النجمة الشّابة ليلى بختي فقد تصدرت قائمة ترشيحات مهرجان كان بدورها في فيلم “نبع النساء” للحصول على جائزة أفضل تمثيل نسائي ولأول مرة في تاريخ هذا المهرجان الفرنسي العريق، وكانت في مواجهة النجمة البريطانية تيلدا سوينتون بفيلمها “لابد أن نتحدث عن كيفين”، ولعل ذلك يكفي الممثلة الفرنسية الجزائرية الأصل لتكون موضع تقدير في مهرجان أبوظبي السينمائي، نظرا لسجلها الحافل في عالم الجوائز، فقد كانت نجمة الحفل السنوي الخامس والثلاثين لجوائز.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©