الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النبش في ذاكرة الوطن..

النبش في ذاكرة الوطن..
19 أكتوبر 2011 20:35
في واحد من أبرز مكونات ذاكرة الوطن وثقافته تعمل إدارة التراث المعنوي في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث. ترصده، تلملمه من صدور الرواة قبل أن يغيبوا، تتقصى تفاصيله ومفرداته وتلاوينه المختلفة محولة إياه من حكايات متناثرة هنا وهناك إلى بحوث علمية ومنهجية تنشر في كتب، أو معروضات مصنفة ومبوبة تبوح لمن يراها بمكنونات الذاكرة ومخبوءاتها والقصص الثانوية خلفها. شهيرة أحمد حتى فترة قريبة كان الباحثون في المجال التراثي يعلنون عن خشيتهم على كنوز التراث المحفوظة في صدور الرواة من الضياع، ويشيرون في حواراتهم وأبحاثهم إلى ما يواجهه جمعه وصونه من مشكلات بعضها يتعلق بالعنصر البشري غير المؤهل بما يكفي للقيام بهذه المهمة النبيلة، ويطالبون بتدريب العاملين في ميدان الجمع وتزويدهم بالمعارف الضرورية وأصول إجراء المقابلات التوثيقية وغيرها من الأمور التي تجعل عملهم أكثر منهجية. وكانت تثور باستمرار تساؤلات حول غياب العمل المؤسساتي او تواضعه وغلبة الطابع الفردي على الجهود القائمة. وجاء اهتمام هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بهذا المجال الحيوي والمهم وإنشائها إدارة كاملة للتراث تحمل اسم إدارة التراث المعنوي لتسهر على جمع التراث وحفظه وتدوينه وتصنيفه بشكل منهجي، وتأخذ على عاتقها مهام تدريب الجامعين وإكسابهم الخبرات الضرورية لهم في عملهم، ليضع حداً للعشوائية والفردية ويدخل العمل البحثي التراثي في إطار منظم وفي رصانة فكرية وعلمية ويدرجه في نسق تنموي وضمن معايير عالمية، من دون أن يعني هذا إغفال أو التقليل من جهود الأفراد الأوائل الذين تصدوا لهذا العمل النبيل في ظروف صعبة وإمكانيات قليلة. مشروع صميمي من هنا، ربما، تأتي أهمية مشروع تطوير مهارات الباحثين في مجال جمع وتوثيق التراث والتاريخ الشفاهي الذي تتبناه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وهو مشروع صميمي يذهب في الاتجاه الصحيح لأنه يستهدف تأهيل وتدريب جامعي التراث/ الباحثين على اصول الجمع والعمل المنهجي الذين بدونهم لا تكتمل المادة التراثية، أي أنه يستثمر في العنصر البشري وهو العنصر الأهم في أي تنمية مجتمعية. وقد نظمت الهيئة في إطار مشروعها هذا ثلاث دورات تدريبية عقدت آخرها في الأسبوع الفائت (من 9 ولغاية 13 أكتوبر الجاري)، وشهدت على مدى خمسة أيام بحوثاً ونقاشات وأثارت الكثير من الأسئلة التي تتعلق بالتراث، واستهدفت تدريب مجموعة من الباحثين القدامى والجدد على الطرق العلمية في الجمع وتزويدهم (خاصة الجدد) بمهاد نظري عن التراث وتعريفاته ومجالاته وأنواعه وغيرها من الأمور التي تعينهم في عملهم. محاور في محاورها، اتسعت الدورة التدريبية، التي اعتمدت شكل المنتدى في تنفيذ الموضوعات لتحقيق التفاعل بين المنفذين والمستهدفين، لموضوعات وقضايا متعددة. وعلى مدى الايام الخمسة تلقى الباحثون خاصة الجدد منهم معلومات كثيرة وغزيرة حول التراث وتعريفه ومجالاته وطرق جمعه وغيرها من النواحي التأسيسية التي ألقت الضوء على المفاهيم المستخدمة في التراث بغرض تكوين جهاز مفاهيمي يعين الباحث في عمله. ولم تغب الجلسات التطبيقية وورش العمل الخاصة بأساليب وطرق الجمع الميداني لعناصر التراث، الأمر الذي من شأنه أن يزود الباحث الجديد بشكل خاص بمعرفة قابلة للاستخدام في الحقل أو الميدان. في الجانب النظري تضمنت الدورة محاضرات تعريفية عامة وأخرى متخصصة. وقدم الباحث الدكتور سليمان نجم خلف رؤية لماهية التراث تحت عنوان “ما هو التراث الشعبي”، وجاءت محاضرة “التراث المعنوي (مجالاته وأقسامه)” التي قدمها الباحث الدكتور إسماعيل علي الفحيل لتكمل الصورة. فيما قدم الدكتور ناصر علي الحميري والدكتور اسماعيل الفحيل محاضرتين حول “أساليب وطرق الجمع الميداني في مجال التراث والتاريخ الشفاهي”، وتصدى الدكتور سليمان نجم خلف لموضوع “مناهج البحث الأنثروبولوجي”، وتناول الدكتور موسى سالم الهواري والدكتور مزيد منصور نصراوي كيفية إعداد البحوث والدراسات والتقارير في مجالات التراث. وإمعاناً في المعرفة المتخصصة جاءت محاضرة “الأدب الشعبي في دولة الإمارات العربية المتحدة” التي تحدث فيها سعيد محمد بن كراز والدكتورة ميثاء سيف الهاملي وراشد علي مصبح الكندي ومحاضرة “فنون الأداء في دولة الإمارات العربية المتحدة” للدكتور سعيد مبارك الحداد الذي أثرى الندوة من واقع تجربته في الجمع، وكانت تعليقاته ومداخلاته حتى في المحاضرات الأخرى بمثابة المرشد الهادي للجامعين الجدد الذين استمعوا له وهو يروي تجربته مع الرواة، وينبههم إلى اصول التعامل مع الراوي وطبيعة العلاقة التي ينبغي أن تنشأ بينهم وبينه، ونوعية الأسئلة التي يسألونها؛ باختصار: كيف ينبشون ذاكرة الراوي ليخرجوا ما فيها. في المنحى نفسه جاءت شهادة الباحثة شيخة محمد الجابري عن “العادات والتقاليد والمعتقدات”. فيما تحدث سعيد حمد الكعبي عن “الحرف والصناعات التقليدية”. وتوجت هذا المحور “حلقة نقاشية” شارك فيها سعيد محمد الحداد والدكتورة ميثاء سيف الهاملي وسعيد بن كراز وراشد علي مصبح الكندي... لكن الأبرز كانت الجلسة التطبيقية مع راوية التراث خلفان محمد مفتاح الظاهري (أبو أحمد) التي شكلت درساً عملياً في طريقة محاورة الرواة والحصول على المعلومات المطلوبة. اما المفاهيم التي تتردد باستمرار في مجال التراث المعنوي ونشاطات الهيئة واليونسكو فقد أوضحتها محاضرتان الأولى بعنوان “اتفاقية 2003م” والثانية بعنوان: “قوائم الحصر”. وقعت مهمة التعريف بماهية التراث على عاتق الباحث الدكتور سليمان نجم خلف الذي قدم رؤية شاملة تحت عنوان “ما هو التراث الشعبي” طوف خلالها في عوالم شتى، وألقى ضوءاً كاشفاً على تعريف التراث ومعناه اللغوي والمصطلحات التي تقترب منه وتبتعد عنه في الآن نفسه. مستعرضاً حضور لفظة التراث في القرآن الكريم والحديث النبوي مؤشراً على أنها وردت كذلك في الشعر الجاهلي. أما المعنى الثقافي والحضاري للتراث كما يعرفه المفكر الجزائري الراحل محمد أركون فهو “سنة الآباء وإطار من الأحكام والشرائع، ومعلومات عملية تجريبية شعبية، ومنظومات أدبية فكرية علمية مكتوبة”. وميز خلف بين الاستخدامات المختلفة لكلمة تراث، قائلاً: “كثيراً ما نقرأ أو نسمع العبارات الآتية: التراث الحضاري، التراث الثقافي، التراث الديني، التراث اللغوي، التراث العلمي (المعرفي)، التراث الأدبي، التراث الفلسفي، التراث الشعبي، التراث الإنساني، تراث الشرق، تراث الغرب، وهكذا. وكل من هذه العبارات يجب أن تفهم في السياق المحدد الذي ترد فيه”. وأبرزت محاضرة الدكتور خلف الفوارق الأساسية بين مصطلحات قريبة من مفهوم التراث الشعبي، مثل: الفولكلور والموروثات الشعبية التي يرى البعض أنه مصطلح قريب من مفهوم الرواسب الثقافية c lt ral s rvivals. واعتبر أن مصطلح “الفنون الشعبية” غير سليم لأن الفنون الشعبية تمثل مجالاً واحداً من مجالات التراث الشعبي، وتطرق الى مصطلحات أخرى مثل: فولكسكنده المصطلح الألماني الذي يوازي مصطلح فولكلور، ومصطلح ثقافة الفولك - folk c lt re ويعنى بها في الدراسات الأنثروبولوجية الثقافة الخاصة بالمجتمعات الفلاحية الريفية التقليدية الصغيرة والمعزولة نسبياً، والثقافة الشعبية ، والثقافة الجماهيرية ، والثقافة الرفيعة التي تسمى أيضاً الثقافة الرسمية ويعني بها ثقافة النُخب الأدبية أو النخب السياسية.. وتتميز الثقافة الرفيعة عن الثقافة الشعبية بأن انتاجها وتداولها وتذوقها تتطلب تعليماً مدرسياً وأشكالاً مطوَّلة من التدريب المتخصص. وخلص من عرضه لهذه المصطلحات إلى أن مصطلح التراث الشعبي هو الأسلم والأجدر بالإستخدام في أدبيات التراث. بين الباحث والراوي قدم الدكتور ناصر علي الحميري في ورقته الموسومة بـ “أساليب وطرق الجمع الميداني في مجال التراث والتاريخ الشفاهي” توصيفاً نظرياً مدعوماً بخبرة ميدانية شخصية اكتسبها المحاضر من خلاله عمله في جمع التراث، حيث تطرق الى تعريف التاريخ الشفاهي وموضوعاته وبداياته وأهميته ثم السمات الواجب توافرها في الراوي والعلاقة بين الباحث والراوي. ويرى الحميري أن التاريخ الشفاهي ظهر في الغرب في إطار سعي عدد من المؤرخين لتأريخ حياة الناس العاديين بدلاً من التركيز على تدوين حوليات الأغنياء والمشاهير، وهو موضوع التاريخ الرسمي. وقد أدى هذا التحول الجديد الى إكساب التاريخ الشفاهي زخماً باعتباره أداة من أدوات التحول الاجتماعي، وتحقيق الديموقراطية. وأشار إلى أنه انصف فئة النساء التي كانت مهمشة في كتب التاريخ الرسمي إلى حد إقصاء تجارب وخبرات نسوية مهمة عن مسرح الحياة الاجتماعية والسياسية، إلا أن شرعية التاريخ الشفاهي واجهت تحديات كبيرة من قبل المؤرخين التقليديين الذين شككوا باستمرار بمصداقيته كمصدر من مصادر التأريخ، وباعتباره – من وجهة نظرهم – مغرقاً في الذاتية بدلاً من الموضوعية التي تشكل مبدأ من مبادئ البحث التاريخي، وهكذا دخل التاريخ الشفاهي في صراع مع المؤسسة التاريخية. والتاريخ الشفاهي بالنسبة إلى الحميري هو المنقذ للحكاية من التلاشي لأن موت الشاهد او الراوي يعني موت الحكاية بكل تفاصيلها، كما أنه يشكل تعويضاً مهماً عن الوثائق المكتوبة او ما يسمى بالتاريخ الرسمي، وبخاصة لدى الشعوب التي تقع تحت الاحتلال الذي يسعى لطمس الحقائق وتشويهها. ثم إنه يسد كثيراً من الثغرات التاريخية التي تغيب عن المصادر الأخرى أو تتجاهلها، ويعطي الماضي صورة تنبض بالحياة. وللراوي سمات منها: الذاكرة النشطة، ومعايشة الأحداث، والمكانة الاجتماعية، ومكان الإقامة . ولا يستطيع الباحث تحقيق أهدافه الميدانية إن لم يبن بينه وبين الراوي جسوراً من الألفة والمودة والصداقة والتعاون المشترك، ومن بين المرتكزات الأساسية لهذه العلاقة المنشودة تقدير الرواي والنظر إليه على أنه مصدر مهم للمعلومات موضوع البحث، وعدم تقديم وعود للرواة لا يستطيع الوفاء بها بما في ذلك المكافآت وضمانات النشر وغيرها، والابتعاد عن التصنع والتكلف الزائد والتزلف أثناء المقابلة، وعدم تدوين ما يفضي به الراوي من معلومات إلا بعد موافقته، والابتعاد عن الأسئلة الشخصية المحرجة للراوي. وإعطاء الراوي الفرصة للتحدث بحرية واطمئنان وعدم مقاطعته أثناء الحديث، وإطلاعه على الاستخدامات المحتملة لمادة المقابلة. وفي نفس المحور جاءت ورقة الدكتور اسماعيل الفحيل لتكمل الجانب العملي وتقدم للباحثين تقنيات العمل الميداني وتطوير مهارات إجراء المقابلة، وكيفية اجراء المقابلات والإعداد الجيد لها بإجراء بحث حول الموضوع وتحديد أفضل الأشخاص الذين يمكن ان تجرى معهم المقابلات (اختيار إخباريين ممتازين). وتطرق المحاضر الى دليل إجراء المقابلة ودليل جمع المعلومات، ودليل الجمع الميداني وأهميته، وكيفية اختيار الرواة، ونوعية الاسئلة التي ينبغي طرحها، والقوانين الأساسية لإجراء المقابلة وما ينبغي فعله وما لا ينبغي فعله عند طرح الأسئلة، وغيرها من الأمور التي أضاءت للباحثين موقع خطاهم في طريق جديد يحتاج الى مهارات ليست سهلة. وفي المحور نفسه، تصدى الدكتور سليمان نجم خلف في محاضرته “مناهج البحث الأنثروبولوجي” لتعريف ماهية الدراسة الحقلية والمبادئ التي تعتمد عليها، مؤكداً على ضرورة النظر الى ثقافة مجتمع ما من خلال منظور أهلها، مضافاً إليه منظور الملاحظ العلمي، وتطبيق المنظور الكلي التكاملي عند دراسة اي ثقافة. وشرح أساليب (آليات، استراتيجيات) البحث الميداني ومنها: الملاحظة (الملاحظة بالمشاركة، والملاحظة بدون مشاركة، والملاحظة المقننة – المنتظمة)، وأخذ البيانات والمسوح الإحصائية، وجمع المعلومات الخاصة بعلاقات النسب والقرابة، والمقابلات بأنواعها (المقابلة الحرة، والمقابلة المقننة، والمقابلة المطولة، والمقابلات المتكررة مع الإخباري الأساسي). وأفرد الباحث جزءاً من بحثه لدراسة الحالة ( case st dy) معرفا بها وباستخداماتها وفوائدها، كما تحدث عن سيرة الحياة او تاريخ الحياة التي اعتبرها نهر غزير غني بالمعلومات الثقافية والأحداث التاريخية المحلية، وتطرق إلى أساليب بحثية متخصصة تستخدم وفقاً لطبيعة موضوعات البحث، وعرج على أخلاقيات البحث/ المقابلة موضحاً فكرة مبادئ المسؤولية المهنية والنقاط التي تمثل دليلاً عاماً لأخلاقيات البحث الميداني بعامة. وتناول الدكتور موسى سالم الهواري (خبير تراثي في إدارة التراث المعنوي) كيفية إعداد البحوث في التراث والتاريخ الشفاهي، وتحدث عن منهجية البحث في هذا المجال والفرق بين التراث والتاريخ، العلاقة بين التراث والتاريخ الشفاهي، مراحل عملية البحث (جمع المادة ثم تصنيفها وفهرستها وإيداعها في الارشيف، ثم الدراسة والتحليل). وشرح بالتفصيل خطوات البحث العلمي والمعايير التي يجب مراعاتها في اختيار الموضوع ولم ينس المهارات الضرورية في كتابة البحوث التراثية بدءاً من تصميم صفحة العنوان ولغاية تنظيم مصادر ومراجع البحث. مصطلحات ومفاهيم وجدت بعض المفاهيم التي يكثر استخدامها في الأدبيات التراثية مكاناً لها على خريطة البحوث حيث تعرف الجامعون/ الباحثون على معنى مصطلح الصون واتفاقية 2003 بشأن صون التراث الثقافي، وقوائم الحصر الوطنية ومفهومها وأهميتها وآليات إعدادها وغير ذلك. وتعد اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي، والتي تم اعتمادها في عام 2003 ودخلت حيز التنفيذ في عام 2006، من أهم اتفاقات اليونسكو. وتعتبر أول صك ملزم متعدد الأطراف لصون التراث الثقافي غير المادي. ودولة الإمارات العربية المتحدة من أوائل الدول التي صادقت على الاتفاقية فهي (الدولة رقم 14 من جملة 137 دولة صادقت على الاتفاقية، حتى 2011/8/12). أما “قوائم الجرد” أو قوائم الحصر الوطنية فأحاط بها بحث بعنوان “قوائم الحصر الوطنية” أجاب على أسئلة من نوع: لماذا نعد قوائم الحصر؟ ماذا تقول اتفاقية 2003 عن قوائم الحصر؟ كيف تعرف الاتفاقية مصطلح التراث الثقافي غير المادي؟ كيف ننتقل من قوائم الحصر إلى أعداد ملفات الترشيح لتسجيل عناصر التراث المعنوي في قوائم اليونسكو؟ ما أفضل النماذج الموجودة على مستوى العالم لقوائم الحصر؟ ومن الجدير بالذكر أن تجربة الإمارات العربية المتحدة جاءت في طليعة أفضل قوائم الحصر التي تم إعدادها عالمياً. لقد أجابت هذه الدورة على الكثير من الأسئلة التي تراود الباحث وكل ما يلزم معرفته في الميدان بما في ذلك أدوات التسجيل ونقاء الصوت والاستعدادات الخاصة بتصوير الراوي وأفضل الأجهزة المستخدمة وغيرها مما تطرقت له محاضرة “أساسيات التوثيق السمعي البصري” التي ألقاها الدكتور د. راجا بالاكرشنان موضحاً من خلال العرض نماذج من آلات التسجيل والكاميرات والكابلات وغيرها. الباحثون والباحثات المشاركون في الدورة: جمع التراث مهمة وطنيةأ كد الباحثون والباحثات المشاركون في الدورة على الفائدة الكبيرة التي تحققت لهم عبر مشاركتهم في فعالياتها، وأجمعوا على أنها غيرت من نظرتهم إلى التراث وإلى العمل الذي يقومون به ورسخت في أعماقهم القناعة بأنهم يقومون بعمل مهم، ويخدمون بلادهم. وقبل أن يجيبوا على أي سؤال حرصوا وبحماسة واضحة على توجيه الشكر إلى هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وعلى شكر كل من ساهم في هذه الدورة ذاكرين الباحثين المشاركين بالاسم. وأكد الباحث أحمد معيوف راشد سيف الدرمكي أن استفادته من الدورة كانت كبيرة، فقد أتاحت له فرصة رائعة، حسب قوله، للتعرف إلى أفضل الطرق التي يمكنه من خلالها ممارسة عمله في جمع التراث والتغلب على المشكلات التي قد تواجهه، وما يجب أن يتحلى به الباحث من صفات تمكنه من اكتساب ثقة الراوي من تواضع وصدق وأمانة علمية، فضلاً عن التحلي بالصبر والارتحال وراء المعلومات. وقال: “لقد تبدت لي أهمية التراث وفاعليته بالنسبة إلى برامج التنمية، وتعمقت معرفتي بالعادات والتقاليد والمعارف الشعبية وما يرتبط بها مصطلحات ومفاهيم نظرية، ووضعتني في صلب التاريخ الشفاهي كمصدر من المصادر المهمة التي تؤخذ بعين الاعتبار”. واعتبر الدرمكي أن التطبيقات العملية مع الرواة والباحثين الميدانيين القدامى “أضاءت لنا أهمية التراث المعنوي وكيفية الحفاظ عليه والوصول إليه بشتى الطرق رغم العقبات”. لافتاً إلى أن الدورة أجابت على الأسئلة التي كانت تدور في ذهنه حول جمع التراث وصعوباته، وأنها ستفيده في عمله مستقبلاً، مضيفاً: “في رأيي إن إقامة هذه الدورات ترفع منسوب الوعي لدى المهتمين بالتراث بأهمية صون التراث الثقافي بجميع أشكاله”. وتابع: “لقد تغيرت وجهة نظري الى جمع التراث والتاريخ الشفاهي، ووقع في روعي أن ما يقوم به الباحثون أكثر من مجرد وظيفة بل خدمة للوطن. لقد شعرت أن هذا التراث أمانة في عنقي لا سيما وأن دولتنا الحبيبة تبذل كل جهد ممكن لرعاية التراث الثقافي وصونه. من جهته، قال أحمد العامري: “لقد كانت الدورة مفيدة جداً، خصوصاً في تطوير الباحثين الجدد، في المجالات الخاصة بجمع وتوثيق التراث بالإضافة إلى التاريخ الشفاهي. وقد زودتنا بالكثير من المعلومات التي تساعدنا في الحفاظ على التراث الثقافي وصيانته جيدا، وعرفنا كيفية كتابة التراث وجمعه وتدوينه ومعرفة صحته وتوثيقه”. واعتبر العامري أن الدورة “كانت مليئة بالمعلومات والخبرات القيمة، وأجابت على الأسئلة التي كانت تشغله”، وقال: “لقد أدركت أهمية التراث وأهمية عملي فيما يتعلق بتوثيق ذاكرة الوطن. لأن كل عمل بحثي فيما يتعلق بالتاريخ والتراث لابد أن يكون له اصوله ويتمتع بالصدقية ويبتعد عن الأمور التخمينية التي تضر بالتراث”. بالرغم من كونها باحثة قديمة وتمارس الجمع الميداني منذ ست سنوات وجدت عزيزة علي الحمادي الكثير من المعلومات التي تفيدها في عملها، لأن الإنسان “يتعلم كل يوم شيّْ جديد”، وتعرفت على جهود الدولة في الحفاظ على التراث، واستعادت الشروط التي ينبغي أن تتوفر في الجامع/ الباحث الميداني، ومواصفاته، وكيف يختار الرواي. وأكدت عزيزة، التي جاءت الى التراث من تخصص الرياضيات، أن علاقتها بالتراث قائمة على الحب وأن الهوى هو الدافع الذي جعلها تعنى بالتراث وتهتم به. تقول: “أنا أهوى التراث وأحبه. ليس الأمر بالنسبة لي وظيفة أو عمل (تعمل عزيزة وكيلة مدرسة) بل مجرد رغبة في صون تراث بلادي والمحافظة عليه”. وتمنت أن يكون التركيز على الجانب العملي بشكل أكبر في الدورات المقبلة “لأن المعلومة النظرية تغادر الورق لتصبح ممارسة عملية”. أما روضة المنصوري (باحثة جديدة) فذكرت الكثير من الفوائد والميزات الإيجابية للدورة منها المعرفي الذي “أضاف لنا معلومات كثيرة جداً ومتنوعة، فتح عقولنا على نواحي ربما لم تخطر على بالنا”. ومنها العملي الذي “اطلعنا على خبرات من سبقونا في حقل جمع التراث، وما ينبغي على الباحث الالتزام به، وكيفية إجراء المقابلات وتسجيلها وصياغتها بدقة وأمانة. لقد شعرت بالاشباع من حيث المعلومات وأجابت الندوات على أسئلتي (بصراحة، كفَّت ووفّت) وقدمت لنا كل ما من شأنه أن يحقق لنا النجاح في عملنا”. وأبدت روضة المنصوري حماسة لإكمال طريقها العلمي في حقل التراث، وتحلم باليوم الذي تصبح فيه باحثة تؤلف الكتب والدراسات وتقف كما وقف أساتذتها من المحاضرين والباحثين لتنقل معرفتها الى أجيال جديدة”. بالنسبة الى موزة سعيد الزعابي (باحثة جديدة) فتحت الدورة عيونها على أشياء لا بد من إنجازها على صعيد التراث، ونبهتها الى كنوزه الموجودة في صدور أقارب تعيش معهم اعتادت أن تسمعهم يحكون عن الماضي والتراث والعادات والتقاليد ويقرضون الشعر الشعبي فتحفظ منهم على سبيل الاستمتاع والتسلية، أما الآن فقد أدركت، حسب قولها، أهمية ما يقولون وعزمت على تسجيله وتوثيقه. هذه الإشارة من المحاضرين الى دور الجدات والعمات والخالات وكبار السن بشكل عام دفعتها الى القول: “هذه مهمة جليلة علينا القيام بها. إذا لم نحفظها لن يعرف أحفادنا عنها شيئا. بصراحة الدورة مهمة جداً وأتمنى في الدورات المقبلة ان يتم التركيز اكثر على الجانب العملي”. وتطمح موزة إلى إكمال دراستها العليا والحصول على درجة الماجستير في حقل التراث رغم أن تخصصها علاقات دولية، لكن بين التخصصين ربما يكون هناك رابط يسمح لها في المستقبل أن تكون “سفيرة” لتراث بلادها تعرف به في بلدان العالم. ورأت صفية الحوسني (باحثة في التراث منذ 2007) في الدورة فرصة لتجديد خبراتها السابقة، وقالت: “تعتبر هذه الدورة بما تضمنته من معلومات ومعارف وورش تطبيقية إضافة لي في مجال البحث العلمي، وتجديدا لخبراتي السابقة، وفرصة للتعرف على التطورات الحاصلة في مجال البحث والتوثيق والترويج لتراث دولتنا الحبيبة لصونه وحمايته من الضياع أو الإهمال”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©