الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصورة الفنية في الشعر الأندلسي

الصورة الفنية في الشعر الأندلسي
19 أكتوبر 2011 20:39
الحديث عن الأندلس الرطيب حديث ذو شجون. فالأندلس أرضٌ وحضارة، إبداعٌ وعمارة، أدبٌ وشعر وقصائد، ثرى عاشت فوق أديمها كلّ الطوائف وشتّى المذاهب. عاشوا في بيئة عربيّة إسلاميّة طيلة ما ينيف عن ثمانية قرون، وأنتجوا في سِفْر الحضارة العربيّة الإسلاميّة الشيء الكثير من الشواهد الإبداعية الثقافية والأدبية والعلمية والحضارية، ما زالت تحظى بالمُشاهدة والإعجاب إلى اليوم. والعصر الأندلسي زاخر بالأعلام الشعراء والكُتاب والمبدعين، ولعل عصور الأندلس تضم شعراء لهم بصماتهم المبدعة في مقام الأدب العربي كونهم عاشوا في عصر الترف والغنى والطبيعة الساحرة. ويندرج من مبدعي شعراء العصر الأندلس الشاعر الأعمى التطيلي، الذي عقد الدكتور محمّد ماجد مجلي الدّخيل فصول كتابه “الصورة الفنية في الشعر الأندلسي/ شعر الأعمى التطيلي (ت 525 هـ) أنموذجاً”، للوقوف على بيان منزلة وشعرية الشاعر كونه يشم ويلمس ولا يرى. اعتمد المؤلف دراسة الصورة الفنية وتشكيلها الأسلوبي والبلاغي في شعر الأعمى التطيلي الأشبيلي الأندلسي وفق مناهج نقدية تأريخية إذ يقول: “المنهج التاريخي أولاً، ثم المنهج النفسي القائم على أسس نفسية وجدانية، والمنهج الاجتماعي، فالمنهج الأسلوبي الفني والذوقي والبلاغي، فيعدّ شعره انعكاساً لحالاته الشعورية واللاشعورية أثناء كتابة إبداعه”، وأضاف الدخيل: “كذلك تتخذ شخصية التطيلي نفسها فتفيد من كل ما أحاط بها من ظروف وملابسات في شتى المجالات والصُعد، فتدرس هذه الظروف التاريخية، والاجتماعية، والنفسية، من خلال أثرها في صوره، وتنظر في مدى صداها وانعكاسها على شخصية التطيلي، ومن هنا رأينا أن نفيد من المنهج النفسي، ومنهج الشخصية التأريخاني لمعرفة تلك الآثار التي خلفتها على حياته، وفي نفسيته وإنتاجه الفني، وتنهج منهجاً أسلوبياً للكشف عن التشكيل البلاغي والإجراء الإسلوبي للصورة بوساطة وسائل بلاغية تقليدية داخل السياق الشعري”. ثلاثة فصول أما فصول الكتاب فأفرد لها المؤلف مقدمة وثلاثة فصول، عرض في المقدمة للدراسات العربية القديمة والاستشراقية الحديثة التي أرخت سيرة حياة الأعمى التطيلي، وعرضت للدراسات العربية الحديثة تناولتها بمستويات عدة وتخصصات بالتحليل والنقد. وجاء الفصل الأول “الصورة الفنية المُفردة ـ البسيطة” من مبحثين هما: بناء الصورة المفردة عن طريق تبادل المحسوسات الآتية: الصورة البصرية وفاعلية استيحاء الألوان، الصورة السمعية، الصورة الشمية، الصورة الذوقية، الصورة اللمسية، والمبحث الثاني هو: بناء الصورة المفردة عن طريق تبادل المدركات، وتفرع إلى مفهوم الصورة الخيالية، ونماذج الصورة الخيالية. كما يرى المؤلف أن الصورة المفردة البسيطة المنبثقة من الأشكال البلاغية ـ كالتشبيه أو الاستعارة أو الكناية أو المجاز أو غيرها ـ نلحظ قيمتها الفنية حينما تشكل جزءاً لا يتجزأ من صورة فنية أكبر. ووجد أن الصورة البصرية هي إحدى وسائل الأداء الشعري عند التطيلي، وقد كان الظن قبل مطالعة شعره أن تكون الصور المرئية قليلة أو معدومة لديه، وإنّ العَمى يحدّ من وصف المرئيات وتصوير المُشاهدات، ولكن وقوف المؤلف على شعر التطيلي كشف عن صور مرئية كثيرة استمدها الشاعر من ثقافته ومما كونه نتيجة تفاعله مع البيئة وتعامله مع الناس. كذلك درس الدّخيل في هذا الفصل الصورة المفردة البسيطة من خلال المظهر الحسي، أي عن طريق تبادل المحسوسات كالصورة البصرية، وتناول بالدرس قيمة البصر في التصور، وتطرق إلى ما خلفه العمى من ظواهر وآثار نفسية لديه انعكست بعضها على شعره، ودرس فاعلية استحياء الألوان، أما المظهر الحسي الآخر فهو السمع وصوره السمعية الصادرة عن حاسة السمع، والصورة اللمسية والتذوقية، والشمية، كما عرض فيه لبنية الصورة المفردة عن طريق تبادل المدركات في الصورة التي تتكون من قطبين. القطب الأول الإدراك، والقطب الثاني التخيل بوساطة وسائل فنية: كالتجسيد، والتشخيص، والتجريد تحت عنوان الصورة الخيالية، فقد خرج الشعراء العرب في صورهم من عالم الحس إلى عالم المدركات، كما كان التطيلي، وغدت الأشياء ماثلة أمامه كأنها آدمية حية نابضة. الكلية والعضوية تناول مؤلف الكتاب في الفصل الثاني “الصورة الكلية والوحدة العضوية”، حيث عرض في مبحثيه للمفهوم، والمستويات اللغوية الأسلوبية الفنية، وفيها “المعجم اللغوي والترابط العضوي، ظاهرة البساطة والوضوح والشفافية، التعمية والإيحاء”. وبيّن أنّ الوحدة العضوية لم تكن بمعزل عن اهتمامات النقّاد العرب القُدامى أو المُحدثين، وتمثل بمقولة الأديب الجاحظ “إن أجود الشعر ما كان متلاحم الأجزاء، سهل المخارج، كأنه سبك سبكاً واحداً، وأُفرغ إفراغاً واحداً”. وأنّ حاسة البصر في الجسم تؤدي إلى اكتمال بنية الإنسان، وأهمية هذا العضو تُقاس بقيمته في أداء وظائفه بتآزره مع بقية الأعضاء، وعطله يؤدي إلى إعاقة صاحبه، فالاكتمال يأتي من خلال التلاحم والتآزر بين الحواس، إن كل صناعة من الصناعات فكمالها بخمسة أشياء على ما ذكره الحكماء” الموضوع، وهو الخشب في صناعة النجارة، والصانع، وهو النجار، والصورة، وهي كالتربيع المخصوص إن كان المصنوع كرسياً، والآلة- مثل المنشار والقدُّوم وما يجري مجراهما، والغرض، وهو أن يقصد على هذا المثال الجلوس فوق ما يصنعه”. وأضاف المؤلف، وهكذا يكون جسد القصيدة في كلية الصورة وعناصر العمل الأدبي الأخرى، وعلى هذا يمكن القول إنّ الصورة الكلية هي اتحاد الصورة المفردة أو الجزئية وتناغمها وتلاحمها وتكاملها. أما الفصل الثالث “التشكيل والبناء للصورة بالوسائل البلاغية والطرائق الأسلوبية”، فأبرز فيه المؤلف لثلاثة موضوعات “الصورة الإشارية الكنائية، الصورة التشبيهية، والصورة الاستعارية”، حيث اعتمد على المنهج الأسلوبي للوصول إلى الهدف والغاية المبتغاة. ثم عرّف محمّد ماجد الدّخيل في هذا الفصل الإشارة اصطلاحاً، وذكر أن الشعراء الأندلسيين طبقوا الإشارة في أشعارهم، وقد عنى بالإشارة أكثر النقاد، وتذوقهم لها يجري على اتجاهين واضحين، الأول التنويه بما جاء منها على طريق اللمح والإشارة، والثاني الغض مما جاء مُتكلفاً منها. وقال إنّ الشاعر الأعمى التطيلي لجأ للصورة الإشارية بأسلوب الإيحاء، والإيحاء الخفيف تخفيفاً من الأسلوب التقريري المُبسط والتقليل منه، فصوّر اعتساف الرجل والظلم والفساد والفتنة التي بثها في “حمص أشبيلية”، فأشار إلى كُليب بن وائل، وكيف دافع عن حِمى أرضه ثم كان مصيره القتل، والهلاك؛ لاعتسافه وظلمه وسطوته. أما الكناية عنده فهي: ستر المقصود وراء لفظ أو عبارة أو تركيب، والتي تؤدي وظيفة إشارية دلالية تخطف من الشاعر حالته النفسية ومعانيه المقصودة، وينعم المتلقي بلذة فنية تجعله يشارك أحاسيسه وأفكاره ومشاعره ودفقاته الشعورية، وكشف المعاني المستورة في اللفظ الإيحائي الذي يتطلب قارئاً حصيفاً لدق أبوابها، كذلك تناول المؤلف في فصول كتابه نماذج شعرية تطبيقية من أشعار وقصائد الشاعر الأعمى التطيلي لتطبيقها وفق المناهج النقدية التي التزمها بفصول كتابه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©