الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

سياسة أوباما الخارجية: ما بين محاورة الأعداء لتغييرهم أو للتعايش معهم؟

سياسة أوباما الخارجية: ما بين محاورة الأعداء لتغييرهم أو للتعايش معهم؟
14 مارس 2009 00:50
في فترة قصيرة لا تتجاوز بضعة أيام، حقق الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ما وصف بأنه إنقلاب في السياسة الخارجية الأميركية· إذ في الفترة ما بين الثاني والسابع من الشهر الحالي، أوفدت الإدارة مبعوثين رسميين إلى دمشق لإجراء محادثات رفيعة المستوى مع المسؤولين السوريين، لتنهي بذلك سنوات من القطيعة الديبلوماسية كانت حافظت عليها إدارة الرئيس بوش· وأعلنت الإدارة عزمها دعوة إيران كشريك في المحادثات المتعددة الأطراف حول أفغانستان، والتي من المقرر أن تنعقد أواخر الشهر الجاري، وهو ما يعتبر تحولا في العلاقات ما بين واشنطن وإحدى دول محور الشر· ورحبت الإدارة أيضا بعرض تركي للمباشرة باتصالات من أجل فتح قنوات اتصال ما بين أميركا وإيران· ولم تعترض الإدارة، بل قد تكون أيدت قرار بريطاينا فتح حوار مع ''الجناح السياسي'' لميليشيا ''حزب الله'' اللبنانية التابعة لإيران، والتي تعتبرها أميركا تنظيماً إرهابياً، وذلك بعد يومين من محادثات أجراها رئيس الوزراء البريطاني جوردن بروان مع أوباما في البيت الأبيض · كما أعربت الإدارة عن استعدادها لإجراء مباحثات مع حركة طالبان الأفغانية، وهي الحركة التي كانت تستضيف زعيم تنظيم ''القاعدة'' إبان إعتداءات 11 سبمتنبر · وعلى صعيد العلاقات مع روسيا، أعلنت الإدارة أنها مستعدة للتراجع عن مشروع الدرع الصاروخية لأوروبا الشرقية، والذي تعارضه موسكو، في حال وافق الكرملين على مساعدة واشنطن على وقف البرنامج النووي الإيراني· ويبدو للمراقبين أن إدارة أوباما بدأت تعمل على تقويض أسس السياسة الخارجية الأميركية التي نعرفها، وبدأت تتجاوز الخطوط الحمراء التقليدية التي تمسكت بها الإدارات السابقة· إلا أن السؤال هو ما إذا كان التحول في أسلوب التعامل مع أعداء أميركا المفترضين سينسحب على مضمون السياسة الخارجية والاستراتيجية الأميركية للتعامل مع التحديات الإقليمية والدولية· وينقسم المراقبون ما بين من يرى تحولاً جذرياً، ومن يرى فيه تحولاً تكتيكياً لا يرقى إلى المستوى الاستراتيجي· وبغض النظر عن طبيعة التغيير، الذي يصفه رئيس مجلس السياسة الخارجية ليزلي جيلب بأنه ''تغيير من أجل التغيير''، أي أنه لا يحتوي على أي مضمون حقيقي بل مجرد رغبة في إظهار أن إدارة أوباما تختلف عن سابقتها· فإن التغيير هذا يثير قلقاً في كثير من الأوساط الأميركية والشرق أوسطية· فالتحول في السياسة نحو سوريا وإيران، في حال تجاوزه حدود الديبلوماسية العامة، يثير مخاوف لدى أطراف عربية وإقليمية تخشى من التقارب ما بين واشنطن وطهران، خاصة وأن إيران تعتبر مصدر تهديد إقليمي ليس فقط لدول الخليج، بل أيضا لدول مثل لبنان والأردن والأراضي الفلسطينية وإسرائيل· إلا أن كبار المسؤولين في إدارة أوباما يسعون إلى طمأنة تلك الأطراف إلى أن الانخراط في الديبلوماسية مع إيران وسوريا يستهدف إقناعهما بضرورة التخلي عن السياسات الحالية التي تثير تلك المخاوف المعروفة، وبأن أميركا لن تتخلى عن ثوابتها التي تستهدف تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وتعمل على إنهاء ظاهرة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة فيها· ويفسر هذا عدم تصريح أي من الدول المعنية بمعارضتها السياسة الأميركية الجديدة، على اعتبار أن الحوار مع طهران ودمشق ليس إلا حوارا من أجل تحقيق الأهداف الأميركية المعروفة ذاتها، ولكن بأسلوب مختلف قد يكون أكثر فاعلية من أسلوب التهديد والتلويح بالعقوبات أو استخدام القوة· وكان المغرب قطع علاقاته الديبلوماسية مع إيران بسبب تصريحات إيرانية اعتبرت دولة البحرين بأنها المقاطعة الإيرانية الرابعة عشرة، فيما حذر وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إيران من تدخلاتها الإقليمية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة· ورغم كثافة التحركات الديبلوماسية التي تقودها كلينتون من وزارة الخارجية، والتحول في اللهجة التي تخاطب فيها أميركا أعداءها، إلا أن المضمون ما زال على حاله· إذ لا مؤشر على استعداد قريب لإنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على كل من إيران وسوريا· كما أن واشنطن لم تتخل عن موقفها بأن إيران وسوريا تدعمان الإرهاب وبأن ''حزب الله'' وحركة ''حماس'' هما على لائحة التنظيمات الإرهابية· وفي محاضرة ألقاها يوم الأربعاء في واشنطن، أعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة مايكل مولن بأن التهديد النووي الإيراني ما زال قائماً بل أصبح وشيكاً، مشيراً إلى أن طهران تقترب من إنتاج مواد نووية كافية لأغراض تسليحية· وأكد أن إيران ما تزال دولة عدوة ''قتلت أميركيين''، في إشارة إلى دورها في دعم الميليشيات والتنظيمات المسلحة في العراق والتي ساهمت في قتل جنود أميركيين، فضلا عن دورها سابقاً في تفجيرات شهدها لبنان في الثمانينات، وأشهرها التفجير الذي أودى بحياة مئات الأميركيين في مقر المارينز في بيروت في العام ·1983 ويشار في هذا السياق إلى أنه رغم خوض أوباما معركته الانتخابية الرئاسية على أساس معارضته للحرب في العراق ولسياسات الرئيس بوش المتعلقة بها، فاجأ الرئيس الجديد المراقبين بإقراره الاتفاق الأمني الذي أبرمه بوش مع الحكومة العراقية، وتبنيه سياسات تكاد تكون متطابقة في كل ما يخض الأمن القومي الأميركي· بل ذهب أوباما أبعد من ذلك عندما قرر زيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان بحوالي 17 ألف جندي، وهو ما شكل صدمة للقوى المناهضة للحرب في كل من العراق وأفغانستان، والتي كانت تعتقد أن مجيء أوباما إلى البيت الأبيض سيقود إلى انسحاب أميركي فوري من كل من العراق وأفغانستان· وكانت المفاجأة الأكبر إعلان أوباما بأن قوة أميركية يتراوح عددها ما بين 35 و 50 ألف جندي ستبقى في العراق لسنوات عدة بعد الإنتهاء من سحب القوات المقاتلة في نهاية العام ،2010 وكأن القوات المتبقية لن تقاتل في حال اضطرت إلى ذلك· إلا أن مراكز الأبحاث التي تتناول السياسة الخارجية في تقاريرها أشارت إلى أن التحول في المقاربة الأميركية للسياسية الخارجية ما زال يفتقر إلى استراتيجية واضحة أو فعالة، في إشارة إلى ''سذاجة'' في الاعتقاد بأن الديبلوماسية وحدها يمكن أن تحقق أهداف أميركا في تغيير سياسات دول مثل إيران وسوريا والتنظيمات المسلحة التابعة لهما· ويرى جيلب أن أوباما أخطأ بإطلاق حوار مع تلك الأطراف قبل أن يرسم استراتيجية واضحة يفترض أن تكون هي أساس الحوار· وحذر من أن ذلك قد يؤدي إلى تناقض ما بين أهداف الحوار ونتائجه، خاصة وأن الأطراف التي يتم التحاور معها قد تعتبر أن اللقاءات مع المسؤولين الأميركيين هي عبارة عن قبول أميركي لسياساتها أو استعداد للتوصل إلى أرضية وسط في ما يخص نشاطاتها السياسية والعسكرية· غير أن الناطق باسم البيت الأبيض باري جيبز وصف الاتصالات الجارية بأنها ''استكشافية'' ولا تنم عن أي تغيير في الاستراتيجية التي يتم حالياً العمل على إعدادها من قبل الخبراء قبل إعلانها والعمل بها· وفيما يهاجم المعارضون من الحزب الجمهوري انفتاح إدارة أوباما على أطراف داعمة للإرهاب، يدافع الديمقراطيون عن سياسة التفاوض حتى ولو كان ذلك مع أطراف عدوة أسوة بالمفاوضات التي قامت مع الاتحاد السوفياتي السابق خلال الحرب الباردة· الأكيد هو أنه ما زال من المبكر وصف المقاربة الجديدة لإدارة أوباما على أنها انقلاب في السياسة الخارجية، رغم أنها تثير مخاوف عدة لدى الأطراف الحليفة لواشنطن· ولا شك في أن الجدل سيحتدم مع مرور الوقت حول ما إذا كان يتوجب على سياسة أميركا الخارجية أن تتعامل مع العالم كما هو أم أن تعمل على تغييره كما سعت الإدارة السابقة وحققت بعض النجاح في بعض الأحيان، وأخفقت في أحيان أخرى
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©