الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لوبانجا وجرائم حرب الكونجو

لوبانجا وجرائم حرب الكونجو
14 مارس 2009 00:52
بسبب فقدان البصر، لن يستطيع ''إينوسنت'' مشاهدة والده وهو يقف أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، غير أنه على يقين مما يجب أن تنتهي إليه هذه المحاكمة· فهو يؤكد أن أباه ليس مجرماً· ويقول عنه: ''إنني فخور جداً بأبي، فهو رجل صالح، وأتمني أن ألتقيه ثانيةً قبل موتي''· غير أن للمجتمع الدولي فكرة أخرى عن أبيه ''توماس لوبانجا، الذي تفتتح به المحكمة الجنائية الدولية أولى محاكماتها للمتهمين بارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية على الإطلاق· فبصفته قائد مليشيات سابقاً في فترة الحروب الدموية التي جرت في الجزء الشمالي الشرقي من جمهورية الكونجو، يواجه ''لوبانجا'' اتهامات تتعلق بتجنيد الصبية والصبايا القصّر والزج بهم إلى المعارك· وقد أدلى عدد من الشهود الذين سيواجههم في قاعة المحكمة بإفادات قالوا فيها إنهم اختطفوا وأجبروا على القتال، بينما كانت أعمارهم لم تتجاوز سن الحادية عشرة· إلا أن ''لوبانجا'' ينكر تلك الاتهامات جملة وتفصيلاً· وكان ''لوبانجا'' قائداً لمليشيات ''اتحاد الوطنيين الكونجوليين'' المنتمية لقبائل ''الهيما'' في المنطقة، خلال فترة حروب ''إيتوري'' التي شهدتها الكونجو· فطوال الأعوام الممتدة بين 1999-،2004 انقسمت القرى وبلدات المنطقة المعنية على أساس عرقي فيما بينها· وعليه نشأت المليشيات العسكرية الموالية لقبيلتي ''هيما'' و''ليندو'' المتنافستين فيما بينهما، المدعومتين من قبل الجيشين الرواندي والكونجولي· وخاضت تلك المليشيات معارك وحروباً دموية فيما بينها، من أجل السيطرة على الإقليم المعروف بثرواته المعدنية الهائلة· وفي عام ،2005 ألقت قوات حفظ السلام الدولية في ''إيتوري'' القبض على الجنرال ''لوبانجــا''، وانتهى بــــه الأمـــر إلى ترحيلـــه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي· ويقدر عدد قتلى النزاعات المسلحة حينها بحوالي 50 ألفاً، بينما يعتقــد أنه جرى خلالها استغــــلال نحو 30 ألف طفل في عمليات القتال· وفــــي أوج سنــــوات تلــــك الحــرب 2002- 2004 بالذات، كانت ضاحية ''بونيا'' ساحة رئيسية لتلك المعارك· وعلى رغم مضي ما يزيد على خمس سنوات على اعتقال ''لوبانجا''، لا يزال سكان الضاحية البالغ تعدادهم 100 ألف نسمة منقسمين على أنفسهم· وعلى رغم الاستقرار النسبي الذي ساد الإقليم عقب إبرام معاهدة سلام هش ضعيف، فإن اعتقال ''لوبانجا'' وتقديمه متهماً أمام محكمة الجزاء الدولية، من شأنهما إثارة بعض العداءات القديمة حتى الآن· ففي شهر يناير المنصرم، تم التخلي عن خطة لبث تلفزة حية لجلسات محاكمة ''لوبانجا'' في إحدى ساحات البلدة، بسبب المخاوف من أن يثير ذلك البث أنصار ''لوبانجا''· فلا يزال هناك من ينظر إليه على أنه صانع سلام غيور على قبيلته ووطنه· أما على صعيد أفراد عائلته، فلا تنسجم صورة ''لوبانجا'' باعتباره مجرم حرب مطلقاً مع تلك التي تحملها عنه شقيقاته· ومن بينهن تصفه شقيقته الصغرى ''ستيلا مالوتي'' بأنه كان طفلاً ذكياً وهادئاً· وعندما شب وكبر، تحول إلى صانع سلام وعنصر توفيق بين أفراد العائلة· وأضافت قائلة إن والدتهم توفيت في العام الماضي، متأثرة بحزنها على اعتقال ابنها وترحيله إلى لاهاي في مواجهة اتهامات وجرائم لم يرتكبها· يذكر أن منطقة ''مودزي بيلا'' المحيطة بالبلدة تغلب عليها قبيلة ''هيما'' المؤيدة للوبانجا· وترتبط ذكريات الكثيرين من أفراد القبيلة نساءً ورجالاً عن ''لوبانجا''، بتصويره على أنه بطل شعبي قبلي لم يكن يفعل شيئاً سوى الذود عن أفراد قبيلته في وجه المعتدين عليها· من هؤلاء يقول ''جان بابتست نجلوتكا بونجي''، العضو المؤسس والمشارك لـ''اتحاد الوطنيين الكونجوليين'': ''لقد كان لوبانجا رجلاً يتسم باستقامة السلوك، فضلاً عن كونه محباً للعدالة والنظام· وفيما لو اختلفت الظروف هنا، لكان رئيساً للكونجو''· وكان المتحدث يشير إلى نسخة من وثيقة دستور ''اتحاد الوطنيين الكونجوليين'' -الذي شارك لوبانجا في تأسيسه- وقد كتب على غلافها الخارجي عنوان البريد الإلكتروني للأخير، بينما يؤكد أن تلك المنظمة الوطنية قد أنشئت في الأصل بهدف التوحيد والتوفيق بين المجموعات العرقية المنقسمة على نفسها في الإقليم· إلى ذلك، ينفي الكثيرون في المنطقة الاتهامات المثارة في وجه ''لوبانجا''، بينما يصر البعض على القول بتزييف الأدلة وحشد شهود الزور في مواجهته أمام المحكمة· من بين هؤلاء قال ''إريك سينجو''، وهو من الصبية الجنود السابقين في ميليشيات ''اتحاد الوطنيين الكونجوليين'': ''إن لوبانجا سرح جميع الجنود القصر من الخدمة العسكرية بعد أسبوع واحد فحسب من توليه لقيادة المليشيات''· وتبدو مشاعر الضيق من محاكمة ''لوبانجا'' هذه، حتى في معقله العسكري السابق، الذي كانت تنطلق منه عملياته· فهناك لا تسلم المليشيات والمجموعات المتحاربة الأخرى من انتقادات ''إيمي إيسامبا'' رئيس منطقة ''مودزي بيلا''، الذي يحمل كافة المليشيات من دون استثناء، مسؤولية تجنيد الأطفال والقصّر بين صفوفها· وكما يقول فإن من الواجب تقديم جميع من ارتكبوا تلك الجرائم للمحاكمة· لكنه رغم ذلك يقول: على أن علينا أن نفهم في الوقت نفسه أن الجرائم هذه وقعت في إطار الدفاع عن النفس، وليس بهدف الاعتداء على الآخرين· يذكر أن قائدين آخرين من قادة مليشيات قبيلة ''ليندو'' رهن الاعتقال أيضاً، ويتوقع تقديمهما للمحاكمة في لاهاي بنهاية العام الحالي· وأضاف ''إيسامبا'' قائلاً، لقد عجلت لاهاي بالبدء في محاكمة ''لوبانجا''، في حين لا يزال هناك قادة مليشيات آخرون لم يمسهم أحد حتى الآن! لكن في قرية ''لينجابو'' الواقعة في الطرف الآخر من البلدة نفسها، لا يبدي المواطنون هذا التعاطف مع ''لوبانجا''، فلا يزال مجرد ذكر اسمه يثير مشاعر الخوف في نفوس الكثيرين حيث تسود قبيلة ''بيرا''· فقد هاجمت مليشيات ''اتحاد الوطنيين الكونجوليين'' تلك القرية في عام ،2002 وأحرقت الكثير من بيوتها وأزهقت أرواح عشرات المدنيين، انتقاماً منها على مناصرتهم لمليشيات قبيلة ''ليندو'' المنافسة· وعلى حد وصف ''جان كلود كبابو'' -أحد أفراد القرية الناجين- فقد كانت هناك عدة مجموعات مسلحة في القرية في ذلك الوقت، إلا أن مليشيات ''لوبانجا'' كانت أسوأها على الإطلاق· ماكس ديلاني - الكونجو ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©