الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شبح المجاعة··· أزمة داخل الأزمة

شبح المجاعة··· أزمة داخل الأزمة
14 مارس 2009 00:52
انتقلت تداعيات الأزمة الاقتصادية اليوم من ''وول ستريت'' إلى عموم الناس، ثم إلى أفقرهم بوجه خاص· ففي الأحياء الفقيرة والعشوائية عبر العالم، يطل الجوع برأسه من جديد في وقت تتقلص فيه فرص العمل ولا تتناقص أسعار الغذاء· فقد ارتفعت أسعار الحبوب العالمية بنسبة 71 في المئة مقارنة بما كانت عليه في ،2005 حسب صندوق النقد الدولي، في وقت تنخفض فيه أجور الكثير من العمال، وهو ما يمثل مشكلة حقيقية بالنسبة للمليـــار نسمـــة -سدس سكان العالم تقريباً- الذين يعيشون بأقل من دولارين في اليـــوم· ولكن، كما هي الحال دائماً، يجد الفقراء صعوبة كبيرة في لفت انتباهنا، لا سيما في هذه الأوقات العصيبة التي يفقد فيها الأغنياء نصف ثرواتهم· فصور الأطفال ذوي البطون المنتفخة الذين يتضورون جوعاً التي تترى في وسائل الإعلام مناظر فظيعة ينبغي أن تحرك فينينا إنسانيتنا وتدفع أثرياء العالم إلى فتح محافظهم· أما سوء التغذية المزمن والبؤس والشقاء -المعاناة التي تسبب ألماً حقيقياً ولكنها لا ترقى إلى مستوى المجاعة الجماعية- فتتم إزالتها حالياً من على صدر الصفحات الأولى للجرائد لتحل محلها أخبار الأزمة الاقتصادية العالمية المهولة والأكثر إلحاحاً إعلامياً· وقد فجَّرت أسعار المواد الغذائية التي ارتفعت ارتفاعاً صاروخياً، العام الماضي، مظاهرات احتجاجية عنيفة في 30 بلداً، ودفعت البلدان الغنية إلى التبرع بمبالغ سخية، حيث ضاعفت الولايات المتحدة مساهمتها في برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، وقدمت السعودية شيكا بـ500 مليون دولار، وساهم العالم عموماً بـ2,3 مليار دولار إضافية· ونتيجة لذلك، استطاع البرنامج الأممي إضافة 30 مليون شخص إلى لوائح الأشخاص الذين يتم إطعامهم، وتم تجنب الكارثة في النهاية· ولكن ذلك كان حلا قصير الأمد، ولم يتم خلاله تناول الأسباب الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي· وبالتالي، ينبغي ألا يفاجَأ أحد بالتحذيرات المتصاعدة الآن من شبح ازدياد الجوع مرة أخرى· والأمر المحير، يتمثل في أن أسعار السلع الغذائية مثل الذرة والقمح والأرز في السوق العالمية تراجعت بما بين 35 إلى 50 في المئة، العام الماضــي (على رغم أنها ما زالت أعلى بـ50 في المئة مقارنة مـــع ،2005 حسب صندوق النقد الدولي)، مثلما انخفضت أسعار النفط· ومع ذلك، لم تُظهر أسعار المواد الغذائية على مستوى التقسيط عبر العالم أي مؤشرات على التراجـــع· فإلى مــاذا يعـــزى ذلــك؟ الأسباب كثيرة ومتنوعة: ومنهــا الفــارق الزمني المعتـــاد بين انخفـــاض الأسعـــار في الأسواق العالمية وانعكاسها على أسواق التقسيط المحلية، وتجميع المواد الغذائية والإحجـــام عن بيعهـــا إلى حين ارتفاع الأسعار، والمضاربة، والحرب، والاحتكار، والجفاف في الصين والأرجنتين··· إلخ· وفي مثل هذه الأوقات العصيبة، تتوالى قصص المآسي الفردية والجماعية عادة· ففي أفغانستان مثلا ارتفعت تكلفة سلة غذاء متوسطة في أكتوبر بـ73 فـــــي المئــــــة مقارنـــــة مــــــع مـا كانت عليه الحال قبل عام· وفي فبراير وجدت منظمـــة خيرية دولية أن بعض العائلات الأفغانية تقفز على بعض الوجبات وتتناول اللفت المسلوق بدلاً من الخبز، وتسحب أولادها من المدرسة وترسلهم لتلميع الأحذية في السوق· بل إن عائلة قامت بتزويج ابنتها الصغيرة قبل الأوان من أجل مهر العريس 160 دولاراً· وفي طاجيكستان، تشكل التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون الذين يعملون في روسيا إلى ذويهم -حسب البنك الدولي- أكثر من ثلث الناتج الداخلي الخام للبلاد· غير أنه بينما تشتد وطأة الأزمة الاقتصادية العالمية وتنخفض أسعار النفط في روسيا، تسارعت وتيرة الاستغناء بشكل متزايد عن هؤلاء العمال في روسيا· على أن هذا بات يمثل مشكلة أيضاً في بلدان أخرى تعتمد على التحويلات المالية التي يرسلها مهاجروها مثل هاييتي وقرغزستان وغيرهما· وفي زامبيا، ترتفع البطالة كلما انخفض السعر العالمي للنحاس· ولما كان النحاس الذي يُستخرج من هنــــاك يُصدَّر للخارج من أجل استعماله في إنتاج الحواسيب والثلاجات والسيارات والآليات، فإن تراجع الطلب العالمي عليه تسبب في تهاوي سعره بـ54 في المئة العام الماضي، وهو ما يعني مزيداً من الجوع في تلك الدولة الأفريقية، حيث نصف الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات تقريباً يعانون قصر القامة الناتج عن سوء التغذية· وقد دعا رئيس البنك الدولي روبرت زوليك مؤخراً البلدان المتقدمة إلى تخصيص 0,7 في المئة من المبالغ التي رُصدت لتحفيز اقتصاداتها لمساعدة البلدان الهشة، وهي دعوة حكيمة؛ لأن منع الجوع وزيادة الإنتاج ووضع مخزونات المواد الغذائية في أماكن، حيث يمكن أن تضربها المجاعة، أرخص بكثير دائماً من شراء المواد الغذائية في السوق خلال الأزمات حين ترتفع الأسعار· ولكن، إلى أي حد يرغب العالم المتقدم في الاستثمار في الأمن الغذائي لبلدان أخرى في وقت تسجل فيه بلدانه معدلات عجز قياسية وتسعى فيه لتحفيز اقتصاداتها؟ يقول برنامج الغذاء العالمي إنـــه يحتـــاج إلى 6 مليـــارات دولار هذا العام، أي بزيادة مليار دولار مقارنة مع ·2008 وحتى الآن لم يحصل سوى على 10 في المئة من ذلك المبلغ· وبالطبع، سيتطلــــب الأمــــر أكثر مـــن ذلـــك -بل أكثر من مجرد المال- من أجل حل المشاكل طويلة الأمد التي تتسبب في الجوع: مثل قلة الاستثمارات في الزراعة والبنى التحتية الغذائية خاصة في أفريقيا، وتمدد المناطق الحضرية على حساب المناطق الزراعية، وتغير المناخ الذي سيفاقم كل المشاكل· علاوة على النمو السكاني غير المنظم الذي ينسف أية مكتسبات تتمكن البلدان الفقيرة من تحقيقها· وعليه، فإنه إذا لم تولِ مجموعة العشرين التي تلتقي في لندن الأهميةَ اللازمة لمشكلة الغذاء واختارت التركيز فقط على سبل استعادة الاستقرار المالي، فإن الاستجداء السنوي للمساعـــــدات الغذائيــــة العالميـــــة -وهي أغلى أنواع المساعدات الخارجية وأقلها استدامة- لن ينتهي أبداً، مثلما لن تنتهي معاناة ملايين الناس من ذوي البطون الخاوية· سوني إيفرون كاتبة أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©