الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سقوط حائط برلين.. الذكرى والدلالات

سقوط حائط برلين.. الذكرى والدلالات
2 نوفمبر 2014 20:51
يصادف شهر نوفمبر الذكرى الخامسة والعشرين للتغير العالمي الكبير الذي تجسّد بسقوط حائط برلين. ويبدو أن هذا الحدث لم يعد يحظى الآن بالقيمة الرمزية الكبيرة التي ينطوي عليها، ليس فقط من ناحية أهميته التاريخية، بل فيما يتعلق بالتفسيرات والدلالات التي انطوى عليها. والكثير من الناس يسترجعون في ذاكراتهم مشاهد الرقص الاحتفالي للبرلينيين فوق الحائط في بوابة براندنبرغ مساء ذلك اليوم العظيم، إلا أن ما حدث بالفعل، وما عناه ذلك الحدث بالضبط، هي أشياء تبدو أقل وضوحاً. وأول ما يستحق الذكر هنا هو أن حائط برلين ليس حائطاً واحداً، وإنما حائطان تفصل أحدهما عن الآخر مسافة 147 متراً، وهذه المساحة الفاصلة تدعى «شريط الموت»، لأنها ملأى بالكلاب وأبراج الحراسة والأضواء الكشّافة والأسلاك الشائكة والحواجز المعيقة. وكانت تعجّ بالقنّاصة المتأهبين لإطلاق رصاصهم القاتل على كل من يفكر بالمرور. ويمتد الحائطان على مسافة 154 كيلومتراً هي الحدود الفاصلة بين برلين الغربية الرأسمالية، وبرلين الشرقية الشيوعية وبقية دولة ألمانيا الشرقية السابقة. ويضاف إلى هذه الموانع الصناعية المحكمة الإغلاق، حاجز عريض غير مرئي يتألف من أكثر من مليون لغم أرضي جاهز للانفجار ويمتد على طول الحدود الفاصلة بين الألمانيتين والبالغة 1360 كيلومتراً. وكان الهدف من كل هذه الحواجز هو احتجاز الألمان الشرقيين ضمن بلدهم الشيوعي المنغلق على نفسه وليس الخوف من تسلل الألمان الغربيين إليهم. وكثيراً ما كان الألمان الشرقيون ينجحون في ابتداع الحيل التي تسمح لهم بتخطّي هذه الحواجز، وكان بعضهم يختبئ ضمن الحاويات التي تنقلها شاحنات يقودها سائقون من ألمانيا الغربية، وبعضهم الآخر يستخدم المناطيد التي ترتفع بضغط الهواء الساخن، أو بالتسلل عبر أنفاق تمر من تحت تلك الحواجز، أو بالسباحة عبر الأقنية المائية والأنهار التي تخترق برلين من غربها إلى شرقها، أو بالهرب السريع على مرأى من الحراس على أمل النجاة من رصاصهم. وكان بناء حائط برلين يمثل تدشيناً رسمياً لدخول الاتحاد السوفييتي مرحلة الحرب الباردة مع الغرب. ففي عام 1952، أغلق السوفييت حدود ألمانيا الشرقية. وبما أن برلين كانت في ذلك الوقت تحت سيطرة أربع دول، هي الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا، فقد فضل الروس الإبقاء على الوضع الخاص للمدينة. وعندما أصبحت برلين بمثابة البوابة التي يمكن التسرب عبرها من دولة ألمانيا الشرقية إلى الغربية، أراد رئيس ألمانيا الشرقية والتر أولبرخت إغلاقها. وكان السوفييت يعتقدون أن برلين المفتوحة يمكن أن تكشف أسرار الحكم الشيوعي المتسلط في ألمانيا الشرقية. وخلال ثماني سنوات، كان الزعماء في ألمانيا الشرقية يلحّون على زعيم الكرملين نيكيتا خروتشوف حتى وافق على إطلاق أعمال الفصل بين شطري برلين وتم قطع طرق السيارات وخطوط السكك الحديدية. وفي صيف عام 1961، عندما بلغ عدد الفارّين يومياً إلى ألمانيا الغربية أكثر من ألف شخص، أعطى خروتشوف لأولبريخت الضوء الأخضر لإغلاق الحدود تماماً. وفوجئ بالسرعة التي نفذ بها أولبرخت المحموم مشروع بناء الجدار. ويعتقد الأميركيون أن الرئيس الأسبق رونالد ريجان هو صاحب الفضل والسبب الأول في سقوط حائط برلين. ففي شهر يونيو من عام 1987 ألقى خطاباً في برلين قال فيه مخاطباً الزعيم الروسي الإصلاحي ميخائيل جورباتشوف: «يا سيد جورباتشوف، حطّم هذا الحائط». وهذا ما أدى بالفعل إلى تحطيم الحائط عام 1989. وكان مما أثار انتباه المتابعين أن الحركة الإصلاحية التي قادها جورباتشوف تجاوزت بكثير مطالب ريجان بتحطيم الحائط بين شطري ألمانيا وأفضت إلى إصلاحات سياسية واسعة في دول الكتلة الشرقية الشيوعية برمتها. وطالت هذه الإصلاحات الوضع السياسي في ألمانيا الشرقية ذاتها، وبما مهّد لاندماج الدولتين في دولة واحدة فيما بعد. *أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©