الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عبدالرحيم سالم: اللوحة عشيقتي الأثيرة ولا أستطيع العيش من دون رسم

عبدالرحيم سالم: اللوحة عشيقتي الأثيرة ولا أستطيع العيش من دون رسم
18 أكتوبر 2013 00:10
تبدو لوحات الفنان عبدالرحيم سالم، وكأنها تنطوي على شيء من المخاتلة، أو الغموض المراوغ، ذاك الغموض اللعوب، المُترائي على حافة الوعي، ما بين القدرة على الامساك بالفكرة، وبين العجز عن ضبطها، وهو بكل المعاني، غموض آسر، لا يدفعك بعيداً عنه لاستعصاء المعنى، بقدر ما يشدك إلى سحر من نوع مختلف، سحر يتدثر بظلال شفافة، تزيد من غوايته، فيجعلك تنقاد لفتنته اللونية طواعية، بل مدفوعاً بفضول رغبة الاستكشاف، وارتياد آفاق غير معهودة باللعبة البصرية، تُغري بفيض من الإيحاءات والتهويمات الجمالية والفنية، وربما تكون ملغومة بالشكوك والكثير من الأسئلة المستفزة للعقل. معارض الفنان عبدالرحيم سالم، المتناثرة على امتداد الإمارات والبلدان العربية، وبعض دول العالم غرباً وشرقاً، طيلة ثلاثة عقود ونيف، نال خلالها العديد من الجوائز وشهادات التقدير، ومؤخرا شارك في فعاليات “ملتقى دبي التشكيلي الدولي” التي جرت مطلع الشهر الجاري، في “مركز راشد لعلاج ورعاية الطفولة” بمشاركة أربعة وعشرين فناناً تشكيلياً عربياً وأجنبياً، من بينهم خمسة فنانين إماراتيين. وهناك شاهدته وهو منهمك مع أطفال المركز برسم لوحتين، تشاركه زميلته الفنانة فاطمة لوتاه. وفي مرة أخرى، وقفت بقربه، من دون أن يلحظني، لاستغراقه بإنجاز لوحتين، قدمهما لمركز راشد. ولأنني لست خبيراً أو بصيراً – بالمعنى النقدي الأكاديمي - بدقائق وتفاصيل لعبة الألون والخطوط والظلال، وما تستبطنه من خبايا وأسرار، سعيت في اليومين الأخيرين من الملتقى للحديث معه بالقرب من لوحاته، لعلي أستجلي بعض ما استفزني، ولم أفلح، لتناقض وقت حضورنا للملتقى. لذلك كان هذا الحوار مع الفنان عبدالرحيم سالم، حيث بادرناه بسؤال لمن ترسم لوحاتك، ونحن في واقع عربي متهالك ثقافياً، ماعدا بعض الاسثناءات القليلة، التي أخذت تقبل على اللعبة البصرية في الآونة الأخيرة؟ قال: “في البداية كنت أرسم بحثاً عن الذات، لأتنفس، وأبوح بما يعتمل في داخلي من افكار أو تصوارت، أي بمعنى تقديم صورة، لما أحمله من ذاكرة بصرية، ببعدين تاريخي وثقافي، كهُوية سواء على مستوى شخصيتي، أو الشخصية الإماراتية، أو على مستوى الشخصية العربية بشكل عام. وبعد اكتمال اللوحة تصبح ملكاً لكل الناس، ولم أكن أبالي في البداية، ولكن مع مرور الوقت، وتكرار العرض والتماس المباشر مع المجتمع العربي بمختلف شرائحه ومناطقه، تبين لي أن المجتمع العربي بمجمله لا يدرك أهمية الفن ودوره الفاعل في الحياة والوجود والكينونة الحضارية للشعوب، وأن مستوى الإقبال على اللوحة في الدرجات الدنيا، حتى في الحواضر العربية، التي تختزن موروثاً ثقافياً عريقاً، وممتدا لمئات السنين، مثل القاهرة والشام وبغداد، فما بالك بالأطراف مثل الخليج؟ ويرد عبدالرحيم سالم أسباب ذلك إلى أولاها: ضحالة الثقافة الفنية في العملية التعليمية على المستويين الرسمي والخاص، أي لم تُقدَم الفنون الجميلة بالمدارس كما يجب، أو كما يليق بدورها أو أهميتها في تنمية الذائقة الجمالية، وبناء الحس المرهف عند النشء. كذلك لا يجري تقديم الفنانين للطلبة بشكل دوري. وثانياً: عدم وجود المتاحف المتخصصة التي تعتني بالفن التشكيلي، وتقدمه للناس، بشكل دائم وفي كل المواسم، وأن تقوم المدارس والجامعات بتنظيم زيارات دورية للمتاحف، بصحبة متخصصين أو الفنانين على الأقل، لإطلاع الطلبة على كل جديد في هذا المجال. وثالثاً: لأن الأسرة العربية بشكل عام تفتقد لمفاهيم التربية الفنية، ومن النادر جداً أن تجد عربياً يصطحب أطفاله إلى معارض الفن التشكيلي، كما يفعل باصطحابهم، إلى المنتديات الرياضية مثلاً. لذلك تبدو محاولة الإبداع التشكيلي، في بعض الأحيان، وكأنها عملية عبثية. وعند سؤاله لماذا تستمر بالرسم كل هذه السنوات؟ ابتسم وراح يفرك بيديه لهنيهات قصيرات، بما يشبه الخجل.. حينها قال: “لأتنفس، لأعيش، أنا لا أستطيع الحياة من دون رسم” ويضيف عندما تزوجت، كان شرطي الأول على زوجتي، أن اللوحة هي ضرتها الدائمة، ولكن اللوحة أولاً، وهي في المرتبة الثانية”. وتذكر الفنان موقف مدير “متحف بون الحديث” للفن التشكيلي في العاصمة الألمانية، عندما زاره بمرسمه الصغير في الشارقة قبل سنوات، وكيف أبدى الضيف الألماني تألمه ودهشته، “عندما شاهدني أضغط على لوحة جدارية يصل ارتفاعها إلى مترين، وعرضها متر ونصف المتر، في محاولة لثنيها قليلاً، كي يمكن إخراجها من الباب، فكان ينكمش بجسمه، ويشد بوجهه، مع انحناءة اللوحة، وكأن الشد على قلبه مباشرة، وكانت عيناه تعبران عن دهشة متناهية بسبب ما ظنه القسوة أو الخشونة بالتعامل مع اللوحة. بعدها حاولت أن أهون عليه الأمر، وابلغته حقيقة ولعي وعشقي للوحة، فقلت له: إن اللوحة قبل أن تكتمل هي عشيقتي، وبعد الفراغ منها تصبح زوجتي، ولكن لا حيلة لي، فالباب لا يسمح بإخراجها، كما ترى، فبدا وكأنه ازداد ألماً لحالنا كفنانين تشكيليين”. ويتابع قائلاً: “وتأكد لي خلال معارضي في أوروبا وأميركا والصين، وغيرها. أن هذا الموقف ليس مصطنعاً، وإنما هكذا هو الحال في كل المجتمعات المتمدنة غرباً وشرقاً”. واستطرد الفنان عبدالرحيم سالم في سرد الفرق بين أهمية اللوحة وقيمتها لدينا، وبين قيمتها في المجتمعات الحديثة، فقال: “تصور، أنني خلال عرض بعض لوحاتي في متحف بون الحديث”، طلبت قطعة قماش لأنفض بعض الغبار عن إحداها، فرفضوا بحزم واستنكار شديدين، واستدعوا المختص بالأمر في المتحف، فجلس معي وراح يسألني عن نوعية الألوان التي استخدمتها برسم اللوحة ونوعية القماش، بعدها أحضر محلولاً، ومسح به ما يوازي مساحة الظفر، وانتظر وقتاً طويلاً حتى جف المحلول تماماً، وهو يرقب طبيعة اللون الأصلي، وإذا ما تعرض لأي تغيير أو تبديل، بعدها نظف اللوحة، وأنا أتأمل المشهد، ولم تصدق عيناي الأمر، فأين نحن من الفن التشكيلي، ورعايته واحتضانه، كما يفعل الآخرون؟”. المدرسة المستقبلية إذا ما تحدثنا عن المدارس أو التيارات الفنية، بدءاً من التجريدية، مروراً بالتعبيرية والانطباعية وصولاً إلى السوريالية أو التكعيبية، فمن أي هذه المدارس كانت إطلالتك الأول على الفن التشكيلي؟ يقول عبدالرحيم سالم: “في البداية استهوتني المدرسة الكلاسيكية، وبهرتني ومازالت تبهرني “لوحة الخليقة” لمايكل أنجلو، و”الجحيم” لدانتي، وأعمال دافنشي وغيرهم، ولكن بعد نهاية الدراسة الأكاديمية في القاهرة، والانغماس في لعبة الألوان بشكل احترافي، صارت تستهويني أعمال جاكسون بولوك، وباتشيني، وكاندونسكي”، وعن أين تقف ريشته وألوانه بالمعنى الفني؟ يقول “أنا أقف الآن في قلب ما يمكن أن أسميه المدرسة المستقبلية”. ويوضح: “إنها مدرسة تقوم على التكوين والخط مع الحركة، من خلال الزمن، وهي رؤية مشتقة من نظرية أينشتاين، “الوحدة الزمنية”، أي المدة الزمنية في قياس سرعة الضوء”. ولمزيد من التوضيح يقول إن اللوحة تعني بالنسبة له، اختزال الزمن بلحظة معرفية فكرية فنية، تحدد قيمة الإنسان، أو وعيه بمستقبله، وإلى أين يمضي؟، وكيف يمضي؟ التشكيل والواقع العربي أما عن وظيفة الفن التشكيلي في الواقع العربي يقول: “بداية لابد من الاشارة إلى أن اللوحة هي مفهوم غربي، ومازالت كذلك حتى الوقت الراهن، لأن الفنون الإسلامية التي سبقت التجربة الغربية، مازالت مجمدة بإطار التجريد الخالص، أي في حدود الخط والمزخرفات والمنمنمات، والسبب في ذلك معروف منذ زمن بعيد، ولا حاجة لتكراره، لذلك لا وظيفة فعلية أو فاعلة للفن التشكيلي في الوعي العربي، لأننا مازلنا حتى الوقت الراهن، نعاني من غياب الناقد الجدي المحترف بالمعنى الأكاديمي، الذي يصوب ويسدد المسار التشكيلي. كذلك يغيب الإعلام تماماً، عن متابعة الحركة التشكيلية والتعريف بها وتقريبها من الناس، وفي هذا الإطار يفتقد الفن التشكيلي إلى الاحتضان الاجتماعي الكافي”. وإلى ما يعزو هذا الغياب، قال: إنه يظن، أن الفنون الجميلة ما زالت بعيدة عن الأنساق الثقافية المهيمنة على الوعي العربي، لأن الشخصية العربية لم تدرك حتى هذه اللحظة أهمية أو تأثير الفنون على مسيرة الحياة والإنسان. مهيرة لي وحدي وعن حقيقة الوجوه المتوارية خلف الظلال في لوحاته، من دون إخفاء ملامح أجسادهم وبعض تفاصيلها أحيانا، وعما إذا كانت تمثل معشوقة أثيرة لديه ليس مباحاً الكشف عن ملامحها يقول “اقلك” أجل هي مهيرة، المرأة الغارقة بعذاباتها، وآلامها، الماثلة في معظم لوحاتي، كتجسيد للظلم الفادح، الذي لحق بها، لأنها قالت، لا، لرجل لم يستهوها. فأنا أرى بسيرتها الشعبية المتناقلة على ألسنة الناس من أربعينيات القرن الماضي، امرأة نموذج للمستقبل ، لذلك جعلت منها “وحدة زمنية” أشبه بـ”دينامو” يشحن أفكاري وتصوراتي وأدواتي التعبيرية، في تجسيد المدرسة التشكيلية المستقبلية، من خلال استغلال الضوء والزمن والحركة، لذلك صارت مهيرة لي وحدي، ويمكن أن يكون لكل فنان، أو حتى شخص عادي، مهيرة خاصة به. وعن تجربته في الصين، والتي تمثلت مؤخراً في المشاركة ضمن مشروع الفنان المقيم فقال: “دعونا للإقامة عندهم ثلاثة أسابيع ليتعارف التشكيليون العرب على بعضهم البعض، ومن ثم اقتنص الصينيون لحظة الفرح العارمة، التي سادت جميع الفنانين المشاركين، بحوالى خمسين لوحة تمثل عصارة الوعي التشكيلي العربي، لتعرض في متاحفهم؟ ومع ذلك كانت ثرية بكل المقاييس حيث تلمس جميعنا حقيقة أن الصين دخلت الطور الحضاري، بجميع شرائح مجتمعها.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©