السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حديث الانقسام واستمرار الصراع في أوكرانيا

2 نوفمبر 2014 22:52
مع استمرار الصراع في شرق أوكرانيا وتعمقه وإصرار المتمردين الموالين لروسيا في المناطق الشرقية على السيطرة والتمدد في المدن والبلدات لسنوات مديدة، بدأ البعض في غرب البلاد، مثل أندري سوكوليف -الزعيم النقابي بمدينة ليفيف ذات الميول الغربية- يفكرون ملياً في الانفصال عن الشرق. فبعد سبعة أشهر من المعارك الشرسة مع المتمردين المدعومين من روسيا، يبدو أن أوكرانيا بتاريخها المثخن بالانقسام والتصدع تتجه حثيثاً نحو الغرب وتأكيد هويتها الأوروبية، لاسيما بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أسفرت عن صعود الأحزاب المؤيدة لأوروبا، وإن كان السبب في جزء كبير منه يرجع إلى امتناع المناطق الأوكرانية في الشرق عن التصويت، والنتيجة أن عدداً من الأوكرانيين في المناطق الغربية لا يخفون رغبتهم في التخلي عن الشرق الذي يريد أن يكون جزءاً من روسيا. فسكان ليفيف التي لم يستطع الحكم السوفييتي المديد طمس ملامحها الأوروبية الواضحة ومعمارها الذي يعود إلى مرحلة الإمبراطورية النمساوية والمجرية، كانوا على الدوام تواقين للدفع ببلدهم نحو أوروبا.هذا الصراع المتواصل على هوية أوكرانيا حرك مشاعر قوية ومتناقضة لدى أشخاص مثل سوكوليف الذي قاد الاحتجاجات المؤيدة للاتحاد الأوروبي في الشتاء الماضي، فهو من جهة يتمنى لو تستطيع أوكرانيا التخلي عن الشرق، لكنه يقول أيضاً إن على الأوكرانيين القتال للحفاظ على وحدة بلادهم، والحقيقة أن هناك القليل من الأصوات تطالب بالانفصال عن الشرق لاعتقادهم أن مثل هذه الخطوة ستشجع روسيا على قضم المزيد من الأراضي وتهديد المناطق الغربية نفسها. غير أنه في المقابل هناك القليل أيضاً من سكان ليفيف يحبذون الاستمرار في معركة من أجل أراض لم يشعروا أبداً بصلات قوية معها، وهو ما يعبّر عنه سوكوليف، قائلا: «لم أفكر أبداً في أن تكون أوكرانيا جزءاً من أوروبا إذا ظلت منطقة دونباس الشرقية معنا، إنها منطقة كئيبة يطغى عليها الطابع السوفييتي، ولو جرت مناقشة حضارية حول كيفية الانفصال عن المنطقة لأيدت ذلك». لكن الخيار على ما يبدو ليس بين الغرب والشرق، بل بين أوكرانيا وروسيا، فبعد أن ضمت موسكو شبه جزيرة القرم في شهر مارس الماضي، صعدت من هجمتها عبر تشجيع حركة انفصالية في الشرق وإطلاق صراع خلّف حتى الآن 3700 قتيل، حسب التقديرات الأممية. ويضيف سوكوليف، موضحاً الأمر: «نحن لا نقاتل من أجل المناطق الشرقية، بل من أجل أوكرانيا ضد روسيا، وعلينا وقف الحرب قبل امتدادها إلى باقي المناطق الأوكرانية». ومنذ استقلال البلاد في 1991، إثر انهيار الاتحاد السوفييتي، تأرجح حكم أوكرانيا بين نخب الشرق والغرب، لكن المراقبين يقولون إنه مهما كانت أصول السياسيين الذين تعاقبوا على حكم البلاد، فقد كان همهم الوحيد ملء جيوبهم بالمال بدل بناء البلد. والحقيقة أن المشاعر المناهضة للاتحاد السوفييتي كانت دائماً متجذرة في المناطق الغربية، لاسيما في مدينة ليفيف، وربما ساعدت على ذلك الاختلافات اللغوية والدينية، حيث تسود في الغرب اللغة الأوكرانية والعقيدة الكاثوليكية، بينما تنتشر في الشرق اللغة الروسية والكنيسة الأورثوذكسية. هذا التباين طفا على السطح مباشرة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، حيث دعا الأوكرانيون في الغرب، ذوي التوجه الأوروبي، إلى حكم ذاتي موسع يبعدهم عن كييف، وهي مطالب ظلت تتصاعد إلى أن تمكنت الاحتجاجات من السيطرة على مبنى الإدارة المحلية في ليفيف، وعندما قام المتمردون في الشرق بالأمر نفسه واستولوا على الإدارة المحلية، لم يحتج سكان الغرب وامتنعوا عن إطلاق أحكام، لكن ما تلا ذلك من اندلاع للعنف ونشوب صراع مسلح قضى على فرص الحوار بين الغرب والشرق حول إقرار مشروع موسع للامركزية. هذه النتيجة التي آل إليها الصراع عبر عنها «أوتار دوفزينكو»، أستاذ الصحافة بالجامعة الكاثوليكية بليفيف وأحد النشطاء الذين قادوا الاحتجاجات المناوئة لموسكو، قائلا «العديد من الناس يتساءلون الآن كيف يمكن الاستمرار في بلد يريد جزءا منه الانضمام لروسيا؟». بيد أن الرغبة في الانفصال عن الشرق لا تخفي قلق البعض في ليفيف، لاسيما وأن التاريخ الأوكراني يخبرنا أن البلاد كانت دائماً مقسمة بين الإمبراطوريات الأوروبية، ما يجعل الأوكرانيين حذرين أكثر في الحديث عن تغيير حدود البلاد، بحيث يمكن لأجزاء من الجنوب الغربي أن تلتحق برومانيا التي كانت في وقت من الأوقات جزءاً من أراضيها، فيما قد تفكر مناطق أخرى بالانضمام للمجر، بل إن ليفيفاً نفسها كانت جزءاً من بولندا، وهو ما يجعل الحديث عن الانفصال أمراً ملغوماً وحديثاً مشحوناً باحتمالات الانقسام والتشظي وأيضاً القضاء حتى على وحدة الجزء الغربي من أوكرانيا. مايكل بيرنباوم * *كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©