الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

سارق وخمول ويقتات من قيء الطيور الأخرى

10 فبراير 2007 01:52
واشنطن- خاص الاتحاد: ربما لأن الانجليز أطلقوا عليه تسمية ''النسر الأصلع'' اختاره ''توماس جيفرسون'' عام ،1782 وقبل أن يصبح الرئيس الثالث للولايات المتحدة ، رمزاً لها، رافضاً طرح العالِم والمفكر البارز بنيامين فرنكلين الذي كان عضواً في لجنة الاختيار أيضاً، اعتماد الديك الرومي لأنه يفتقد الكاريزما·· العرب عرفوه باسم ''عقاب الشط'' كونه طائراً مائياً: رأس أبيض وعينان صفراوان دليل النبل والشجاعة، لكن هذا الطائر، وكما تؤكد باحثة في معهد أميركي بارز، سارق وخمول ويقتات من قيء الطيور الأخرى ·· ولكن ألا تقول الباحثة أيضاً: ''لعله يشبه الإمبراطورية الآن'' الذي اختار العقاب رمزاً للولايات المتحدة هو الرئيس الثالث، بعد ''جورج واشنطن'' و''جون آدامز''، ''توماس جيفرسون'' (1801 - 1809) الذي اضطلع بدور بارز في مسألة ''البُعد الأخلاقي'' للدستور· وهو الذي قال: ''لنتنبه، إنّ الملائكة تراقبنا''· لكن الشائع أن الرمز إنما هو نسر وليس عقاباً· بالتأكيد، للنسر هالته المعروفة· الولايات المتحدة دولة من دون تاريخ· في هذه الحال لابد من تكثيف الرموز التاريخية وحتى الأسطورية· ألهذا تمت استعادة النموذج الروماني في إقامة مبنى البيت الأبيض، وكذلك مبنى الكونجرس، إضافة إلى مبنى المحكمة العليا؟ ولقد كان لافتاً، ما قاله ''ديفيد روكفلر''، لدى ظهور أول ناطحة سحاب في نيويورك: ''التاريخ في أميركا يصعد إلى الأعلى، ولا يعود إلى الوراء''· والواقع أن ''جيفرسون'' اختار ''النسر'' بالرأس الأبيض والعينين الصفراوين قبل أن ينتخب رئيساً· وفي 20 يونيو عام ،1782 وافق الكونجرس على الخاتم الأكبر للولايات المتحدة، وقد ظهر عليه ما يُعرف بـ''عقاب الشط''، وإن كان ينظر إليه، كما أسلفنا، على أنه النسر· لكن الأمر بقي عالقاً حتى عام 1787 ليصبح ذلك الطائر الرمز الرسمي للولايات المتحدة، وهو موجود على خاتم الرئيس، كما على وثائق رسمية عديدة، وعلى العملة· إلى أين ينظر؟ الكثيرون قاموا بتحليل صورة العقاب· بشكل عام، ينظر إلى اليسار حيث غصن الزيتون، ولكن هناك مَن لاحظ أن نظره يتجه ''حربياً'' نحو النبال التي إلى اليمين· ازدواجية النظرة، ربما كان ''جيفرسن'' يقرأ جيداً في المستقبل إذا ما علمنا أن ليبيا أعلنت الحرب على الولايات المتحدة في 10 يونيو ،1801 أي في بداية عهده· المسألة كانت تتعلق بنشاط القراصنة، وبالسفن الأميركية، إلى أن أبرمت معاهدة سلام في الرابع من يونيو عام ·1805 اللجنة التي وضعت الشعار كانت مؤلفة من ''بنيامين فرنكلين'' و''جون آدامز'' و''جيفرسون'' الذي كان هو مَنْ اختار العقاب، ولعل في ظنه أنه يختار النسر الملكي، أو أنه كان يرى في العقاب رمزاً للعظمة والعلو· أيضاً هو مَنْ اختار عبارة ف ذٌَِّىقَِّّ صٍَِّف، أي ''واحد انطلاقاً من كثيرين''، وعلى الوجه الآخر هرم غير مكتمل عليه عين، هي عين العناية الالهية· علماء الفراسة يقولون، إن رأساً أبيض وعينين صفراوين تمثل النبل والشجاعة، وإن كانت هناك نظرية تعتبر أن المظهر الخارجي هو عكس ما في الداخل· لكن ''بنيامين فرنكلين''، الأديب والعالِم، لم يوافق على الاختيار إذ لم يكن يرى في ذلك الطائر سوى قرصان، وهو جبان يهرب حتى من العصافير· ولهذا اقترح اتخاذ الديك الرومي، الطائر الداجن الذي يتسم بعدة ''فضائل''· الاقتراح سقط لأن الأمة الأميركية ترتبط أكثر بالرمزية منها بالتاريخ الطبيعي، كما أن الديك الرومي الذي تتناوله العائلة في عيد الشكر لا يمتلك الكاريزما نفسها التي يتصف بها العقاب· سارق الأسماك ''كاترين رافين''، وهي باحثة في أحد معاهد كارولينا الشمالية، تعجب كيف أنّ ''جيفرسون'' لم يقرأ ولم يطلع على عيوب ذلك الطائر، ففي عام 1754 كتب عنه، وبدقة شديدة، عالِم الطبيعة البريطاني ''مارك كاتسبي''، قائلاً إن عقاب الشط ليس أكثر من سارق يفضّل السطو على أعشاش السرنوف (وهو جنس من العقبان وفصيلة الصقريات) ليأخذ منه الأسماك التي اصطادها· والواقع أن العقبان ذات الرؤوس البيضاء والتي تطير أكثر مما تصطاد هي ليست نسوراً بالمعنى الحقيقي للكلمة، حتى ولو أطلق عليها الانجليز تسمية العقبان الصلعاء، وربما هي تتحدر من جوارح افريقية انفصلت عنها منذ بضعة ملايين من السنين، ولا تتورّع عن تناول اللحم العفن، على أن تمضي وقتها في الصيد خلافاً للنسر الملكي الذي يطارد فريسته على نحو استعراضي جسّدته ذات مرّة فرقة ''البولشوي'' الروسية في رقصة فالس ساحرة· ولا تظن ''رافين'' أنّ ''جيفرسون'' لم يكن ليتبنّى ذلك الرمز لو كان يعرف أنه يؤمِّن معيشته من خلال الاستيلاء على قوت الطيور الأخرى، لتقول إنه ربما كان يتوقع ما سيحدث للعلاقات بين السلطات الأميركية والهنود الحمر، فاختار العقاب الشطي من قبيل الدعابة السوداء، هذا قبل أن تضيف: ''لعله يشبه الإمبراطورية الآن''· حتى أن صديقاً لـ''جيفرسون'' هو المستكشف وحاكم لويزيانا ''ميريوزر لويس'' يقول إن العقاب الشطي يقتات من الهياكل العظمية للحيوانات النافقة· إنه طائر مائي، وتشكيله ''التقني'' يسمح له بذلك، لكنه أبداً ليس بالصياد الفاعل والبارع، وربما لذلك هو يرصد هجرة أسماك سليمان، ودون أن يبذل أي جهد يلتقط الأسماك الميتة التي تطفو فوق الماء أو تلك الشائخة المصابة بالإنهاك· ريش الهنود الحمر في أميركا، كتبت مقالات علمية تظهر ''الثقوب'' في شخصية الطائر الذي يعتمد رمزاً ومنذ أكثر من مائتي عام· ولطالما حاول البعض أن يشير إلى قرابة ما بينه وبين النسر الملكي، فيما هناك اختلاف واضح في المواصفات، وأيضاً في ''التكوين السيكولوجي'' لكل منهما·· النسر الملكي هو الأجمل بين كل فصائل النسور في أميركا، بل لعله النسر الوحيد الذي كان ريشه يزيّن رؤوس كل زعماء قبائل الهنود الحمر إما للدلالة على علو الشأن، أو لأن هذا الريش يزيد من قوة حامله، وإن كتب أيضاً انه كان يُستخدَم كتعويذة تساعد على فرض الهيبة والتأثير في الأتباع والأعداء على السواء· ولقد لاحظ ''لويس'' انه عندما يدنو النسر الملكي من جيفة حيوان نافق تختبئ عقبان الشط ريثما يتناول ''وجبته'' ويرحل·· ''كاترين رافين'' تنصح الأميركيين الذين ما برحوا مخدوعين برمزهم العودة إلى كتاب ''آرثر كيلفلاند بنيت'' الذي وضعه عام 1937 حول الطيور في شمال أميركا، وهو يعترف بأن عقاب الشط طائر جميل، ولكن لا مجال للحديث عن تميّزه واتخاذه رمزاً للولايات المتحدة، فهو لا يملك ''أخلاقية'' النسر، بل انه جبان وخجول، إضافة إلى صفة أخرى هي ''الخمول''، أي أنه يمتلك كل الصفات التي ترفضها الثقافة الأميركية، وسواء خرجت من هوليوود أو من البنتاغون أو من هارفارد· الحق في السعادة ''بينت'' يكشف ما هو أسوأ في عقاب الشط الذي يفضّل أن يقتات من قيء الجوارح الأخرى· وهو يرغم هذه الجوارح على التقيؤ لإشباع رغبته، ليضيف ''قد يشعر أحدنا بالخجل لأن رمزنا يفعل ذلك، لكن كثيرين اعتادوا على رؤية هذا الطائر، لن يكونوا سعداء إذا ما تم إبداله فجأة بالثور الآشوري المجنّح على سبيل المثال، وإن كان هناك مَن اعتبر أنّ العقاب الأميركي إنما تم استيحاؤه من النسر السومري الذي أخذت به الإمبراطورية الرومانية أيضاً· الطريف أن ''رافين'' تقول إنّ الدستور الأميركي ضمن الحق بالسعادة· خمول العقاب الذي لا يضع هموماً داخل رأسه الأبيض فتنها: ''قد يكون الخمول من مسببات السعادة''· استطراداً، إنّ ''توماس جيفرسون'' قد يكون اختار ذلك الطائر رمزاً لأنه كان دائماً يردد ''إنّ أفضل ما نستطيع أن نقدمه للأميركيين هو السعادة''· ولأن الأميركيين براجماتيون، ولأن العظمة مرهقة وإن كانت ضرورية بالنسبة إلى العديد من أهل السياسة في واشنطن، فإن البعض يعتقد أن الديك الرومي، وهو نجم المائدة، في المناسبات الجميلة قد يكون أفضل كرمز لأميركا· المؤرخ ''بيتر كريست'' يعتبر أن الكثيرين الذين اطلعوا على البحث الذي نشرته ''كاترين رافين'' سيحاولون المقارنة بين أخلاقية الرمز وأخلاقية ساسة في الولايات المتحدة ينقضون على ''أعشاش'' الآخرين بدلاً من أن يؤمِّنوا هم قوتهم· لكن ''كريست'' يستدرك: ''كل هذا قام على أكتافنا، لمصلحة مَن؟''· إنه يعود إلى الطوطم الأفريقي· العقاب الشطي هو هنا الطوطم بالنسبة إلى الأميركيين، لكن ''بنيامين فرنكلين''، الوجه البارز في الثقافة الأميركية، هو مَن يقول: ''لقد اخترنا طائراً أحمق لكي يقودنا، إنني خائف···''· ''أورينت برس''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©