السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رسول الإنسانية نعمة الله للبشرية

رسول الإنسانية نعمة الله للبشرية
18 فبراير 2010 19:24
يقول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (سورة التوبة الآية 128). أشرقت الدنيا بمولد سيد الخلق محمد – صلى الله عليه وسلم - ، وامتلأ الكون نوراً ورحمة وهداية وعدلا، وفي هذه الأيام تمر بنا ذكرى ميلاد رسولنا محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي أنقذ الله على يديه الإنسانية الضالة، وجعله سبباً في استرداد خصائصها الصحيحة ومزاياها السليمة، وأنار للإنسانية بشريعته الخالدة سبل السلام، وأوضح لهم منهاج الخير. إن ميلاد النبي محمد– صلى الله عليه وسلم– نعمة أنعم الله بها على الإنسانية، قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (سورة آل عمران الآية 164) ، فالله سبحانه وتعالى امتن على عباده ببعث النبي محمد – صلى الله عليه وسلم- إليهم، وأنه بعثه نعمة، ويجب عليهم أن يشكروا هذه النعمة، لأنه– صلى الله عليه وسلم – يهديهم إلى الصراط المستقيم، كما أن الرسالة التي جاء بها محمد – صلى الله عليه وسلم – رسالة كفلت للبشرية سعادتها في الدنيا والآخرة يقول ربعي بن عامر – رضي الله عنه –: (إن الله قد ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل وسماحة الإسلام) . لقد جاء – صلى الله عليه وسلم – فحدد للإنسانية طريق الحق، وقادها نحو ربها بنظام شرعه الله تبارك وتعالى، وكان – صلى الله عليه وسلم – في نفسه صورة حية لنظام الإسلام، وقدوة طيبة لأتباعه المؤمنين، دعا لعبادة الله وحده، وكان أعبد الناس، ودعا إلى مكارم الأخلاق وكان أسمى الناس خلقاً، وقد ذكر القرآن الكريم صفات محمد – صلى الله عليه وسلم – فقال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ } (سورة الفتح الآية 29)، لماذا لا يرحم القوي الضعيف، والغني الفقير، ونكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وقد ورد في كتب السيرة أن رسولنا -صلى الله عليه وسلم - كان جالساً مع أصحابه فجاءهم رجل من الصحراء بجفاوة طبع أهلها، وقسوة قلوبهم، فسأل عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فوجده يقبل أحفاده - الحسن والحسين - فسأل رسول الله مستغرباً، يا رسول الله أتقبلون صبيانكم؟ فأجابه الرسول: نعم فقال الأعرابي: يا رسول الله إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم واحداً، فماذا كان جواب الرحمة المهداة، قال له - صلى الله عليه وسلم: ( أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك، من لا يرحم لا يرحم) (أخرجه البخاري). هذا رد على أولئك الآباء الذين يضيقون بأبنائهم، ويتركون بيوتهم، ولا يستمتعون بالجلوس مع أهليهم مع أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: (وليسعك بيتك). لقد لقي رسول الله – صلى الله عليه وسلم - العنت والمشقة من قومه في مكة، فخرج إلى الطائف لعله يجد الأنيس والنصير، وللأسف سبوه، وشتموه حتى سال دمه الزكي الطاهر فجاءه الملك وقال يا رسول الله: أأطبق عليهم الأخشبين؟! قال: لا: اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله، فعندما كان الدعاء صادقاً كانت الاستجابة الإلهية فخرج من صلب أبي جهل عدو الله اللدود الصحابي الجليل عكرمة، وخرج من صلب أمية بن خلف الصحابي الجليل صفوان، وخرج من صلب الوليد بن المغيرة الصحابي الجليل خالد بن الوليد - سيف الله المسلول. فعلينا أيها الأخوة : إذا رأينا رجلاً مخطئاً، مقصراً، ألا نسبه وألا نلعنه، بل علينا أن ندعوا الله له بالهداية، وأن يشرح الله صدره وألا نكون عوناً للشيطان عليه، وقد ورد أنه -عليه الصلاة والسلام – كان رحيماً حتى بأعدائه- الكفار- فقد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يمثل بأحد، لم يقطع طريقاً، لم يصادر أرضاً، لم يمنع ماء، لم يفرض حصاراً كما هو الحال مع الفلسطينيين اليوم، حيث يمنعون من التنقل بين المحافظات، ويحاربون في لقمة عيشهم، وتصادر أراضيهم، وتهدم بيوتهم، وتجرف مصانعهم ومزارعهم، وييتم أطفالهم، وترمل نساؤهم ...الخ. لم يستهزئ برسالة من رسالات السماء بل كان يحترم الديانات الأخرى وأهلها، ويحث أتباعه على ذلك حيث أرسى الإسلام قواعد احترام الديانات الأخرى وضمان حرية العبادة لهم، لا كما يحدث مع بيوت الله التي تتعرض للقصف والتدمير، ومنع المصلين من الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك وغيره من المساجد. فلماذا نشاهد اليوم عبر أجهزة التلفاز الصور القبيحة المشينة بحق الرسل – عليهم الصلاة والسلام -؟ ولماذا هذه الحملة المسعورة على كتاب الله الكريم ؟ إن الإسلام كما جاء في القرآن يؤمن ويحترم جميع الرسل {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ُ} (سورة البقرة 285)، كما وورد أنه - صلى الله عليه وسلم- كان جالساً فمرت عليه جنازة فقام لها، فقال الصحابة يا رسول الله: إنها جنازة يهودي؟ فقال عليه السلام: (أو ليست نفساً) (أخرجه البخاري). وتاريخ الإسلام مليء بالصفحات المشرقة في معاملة أهل الكتاب فالإسلام لم يهدم كنيساً، ولا كنيسة، بل أعلنها صريحة مدوية {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (سورة الكافرون الآية 6). فالرسالة الإسلامية العالمية التي حمل لواءها الرسول- صلى الله عليه وسلم- ستبقى ما بقيت الحياة وستنتشر أنوارها شرقاً وغرباً كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (سورة الصف الآية 9)، ويوم يزول الإسلام من هذه الدنيا فلن تكون هناك دنيا لأن الشمس ستنطفئ، والنجوم ستنكدر، والحصاد الأخير سيطوي العالم أجمع، ومن فضل الله على هذه الأمة المحمدية أنه رحيم، وأن رحمته سبقت غضبه {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} (سورة الحجر الآية 49-50). كما وصف الله حبيبه محمداً - صلى الله عليه وسلم - صاحب الذكرى بقوله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (سورة الأحزاب الآية 45)، فهو - صلى الله عليه وسلم- البشير قبل النذير. هذا النبي الكريم كان ينتهز كل مناسبة لتبشير الناس وترغيبهم في عفو الله ورحمته، وإظهار فضله وكرمه كيف لا؟ وهو القائل: “بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا” (أخرجه الشيخان). أخي القارئ: واني أسوق إليك هذا الحديث الذي يطمئن النفوس بفضل الله وعفوه، وخيره وفضله وكرمه فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يقول الله عز وجل يوم القيامة، يا آدم: يقول: لبيك ربنا وسعديك فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف-أراه قال: تسعمائة وتسعة وتسعين، فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين، ومنكم واحد، ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، واني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبرنا، ثم ثلث الجنة، فكبرنا، ثم شطر أهل الجنة فكبرنا”(أخرجه الإمام البخاري) . إن الواجب علينا أن نسير على الهدي القرآني، وأن نتبع التوجيه النبوي، وبعد ذلك نثق بأن رحمة الله سبحانه وتعالى ستشملنا، بفضله وكرمه سبحانه وتعالى فرحمة الله واسعة، كيف لا ؟! وهو الرحمن الرحيم، فرحمته سبقت غضبه، وحلمه سبق مؤاخذته. بقلم الشيخ الدكتور/يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصــى المبــارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©