الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابن خلدون وأزمة الميزانية الأميركية!

19 أكتوبر 2013 00:27
نوح الهرموزي مدير المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية بالرباط «ارتفاع رهيب لتكلفة العيش، تضخم أسعار، ارتفاع مطرد لنفقات الحكومة التي بلغت في الموازنة الأخيرة ما يناهز 11,5 مليار دينار تونسي، تصاعد نسب البطالة التي بلغت حسب مصادر رسمية 10,8 في المئة التي تمس الشباب أساسا». هذه مؤشرات من بين أخرى، تفيد بفشل الحكومة الحالية التونسية في تنزيل شعارات الثورة. أما النتيجة فسقوط المزيد من الشباب التونسي في براثن اليأس وفخ الراديكالية والتطرف. ولاشك أن للمعطيات الاقتصادية وجاهتها وقوتها، ولكن في زيارتي الأخيرة إلى تونس مهد الحراك العربي هالني منظر آخر. في شارع بورقيبة، الشارع المليء بذكريات وقصص الثورة، حيث عدد من الإدارات والمراكز والمنشآت الإدارية والأمنية، تحاصر الأشواك الحادة من كل جانب تمثال المؤرخ العربي الشهير ابن خلدون، وكتيبة من الجيش التونسي تمنعك من التصوير ومن الاقتراب. كيف؟ ولماذا؟ السلطات التونسية تمنع الأشخاص من الاقتراب من التمثال، وقوى كثيرة تجندت لشيطنة أعماله والتعتيم على أحد أبرز معالم الثقافة العربية. فهل تعاقب السلطات الجديدة العلامة على خلاصاته الشهيرة؟ ربما. ولكن الأكيد أن ابن خلدون وبباعه الطويل في فض النزاعات التي نشبت بصفة دورية بين الدول من أجل الاستحواذ على السلطة وتوسيع نفوذها في القرن 14 الميلادي، فكك وحلل في كتابه «المقدمة» بدقة استثنائية الآليات المسؤولة عن تيبُّسِ جهاز الدول وتَصَلبِ الحضارات. وخلاصات معايناته ودراساته ومعايشته للممارسات السياسية والحكم وملاحظة طبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني تجعل بن خلدون معاصراً. تمنيت والحالة هذه، صادقاً عودة هذا العالم المتخصص في صعود وفساد الدول واضمحلالها لدق نواقيس الخطر ببلوغ موازنات عدد من الدول في عهدنا الحالي الخطوط الحمراء، وبتراكم مديونياتها في مستويات جنونية، الشيء الذي يُنذر بأزمة اقتصادية شاملة Systemic crisis وبعيداً عن تونس، تصورت أيضاً مساهمة نظريته في فض النزاعات والخلافات الانتخابوية والشعبوية الطاحنة القائمة والمتكررة في أميركا بين الديمقراطيين والجهوريين حول الميزانية الأميركية التي كانت تهدد لو لم تُحل بانهيار المنظومة المالية العالمية وإفلاسات بالجملة على شاكلة الكساد العظيم لعام 1929. إن أزمات الموازنات المتعاقبة في أميركا مند بداية القرن الماضي وما نتج عنه من تراكم المديونية وارتفاع الضغط الجبائي لتغطية العجز وسداد الديون أدت إلى تنامي سخط بالغ لدى شرائح متعددة من المجتمع الأميركي، وظهور حركات مناوئة للسياسات الاقتصادية الكينزية للإدارات الأميركية. ومع انفجار النفقات الحكومية والمديونية التي بلغت 17 تريليون دولار أي 73 في المئة من الناتج الإجمالي يتوجب على كل المواطنين الأميركيين حتى الرضع منهم تأدية 54 ألف دولار أميركي لتغطية ديون الدولة، مما جعل الولايات المتحدة هي البلاد الأكثر مديونية في العالم. وقد دفعت هذه الأزمة بعدد من المواطنين في ربيع عام 2009 لموالاة «حزب الشاي» وتنظيم عدد من المظاهرات للاحتجاج على الحكومة الفيدرالية التي تمادت في رفع سقف الإنفاق من أجل تمويل عدد من البرامج الاجتماعية كبرنامج التأمين الصحي الجديد التي تروج له إدارة أوباما Obama Care. هذا علماً بأن البلد يلجأ إلى إعادة الاقتراض لسداد فوائد ديونه وفوائد سندات الخزينة الأميركية المملوكة من طرف المستثمرين الأجانب وخصوصاً الصين التي اشترت قرابة تريليون دولار من سندات الخزينة. يجدر بالذكر أن تسمية «حزب الشاي» تجد جذورها في تمرد المستوطنين الأميركيين سنة 1773 على زيادة الضريبة المفروضة على الشاي الذي فرضتها بريطانيا. وهي أيضاً اختصار لعبارة Taxed Enough Already أي «مفروض علينا ضرائب بما فيه الكفاية». وتتركز مطالب «حزب الشاي» في عدة مجالات أهمها إصلاح النظام الصحي «أوباما كير» مع العمل على خفض عجز الميزانية الفيدرالية ومحاربة فساد النخب السياسية والاقتصادية التي تهيمن على العاصمة واشنطن نظراً إلى أن الولايات المتحدة استدانت مبالغ لن تستطيع يوماً تسديدها. ويرى أنصار هذه الحركة أن خفض التصنيف الائتماني للبلاد من قِبَل وكالة «ستاندرد أند بورز» للمرة الأولى من المرتبة AAA إلى AA+ التالية هي بمثابة تحذير من أن الآتي أعظم. كما يعملون على الضغط من أجل خفض الضرائب ودعوة الإدارة الأميركية إلى المزيد من الاستقلالية وعدم التدخل في شؤون بقية الدول لما يترتب على ذلك من آثار اجتماعية وسياسية كارثية وتكلفة اقتصادية مرهقة. وقد وضع الآباء المؤسسون للدولة الأميركية ضوابط وصمامات أمان صارمة للحفاظ على توازن السلطات والحد من شطط سلطة الرئاسة والبيت الأبيض حيث شرعوا سنة 1789 قانوناً يُخضع موازنة الدولة لسلطة ممثلي الأمة المنتخبين، ولا يُنفق الرئيس والحكومة من المال إلا ما يصادق عليه الكونجرس من اعتمادات. وقد سجل التاريخ الأميركي 17 أزمة إفلاس من هذا النوع أي ما يطلق عليه تعبير Shut Down أي «فجوات الإنفاق» ابتداء من عهد فورد مروراً بكارتر وريجان ثم بوش الأب وكلينتون وصولاً إلى أوباما. والحال أن المتأمل لتطور موازنات الدول وانفجار مديونية بلدان كأميركا وإسبانيا وإيطاليا واليونان وقبرص وإيرلندا ولجوئها لاستجداء البنك الدولي وصندوق النقد بعدما كانت حكراً على الدول النامية، لا يملك إلا أن يستحضر روح ابن خلدون ووصاياه بضرورة الحد من نفوذ بعض الساسة والحد من لجوء بعضهم عند ممارسة السياسة للتلاعب الشعبوي والانتهازي بأموال الدول وبمصائر الناس! ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©