الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نوبل للاقتصاد.. واقعية «ديتون»

13 أكتوبر 2015 23:37
خلال عامين متواليين، حققت نجاحاً باهراً يعزوه البعض إلى الحظ الجيد، في التنبؤ بالفائز بجائزة نوبل في العلوم الاقتصادية. ولكن قدرتي على التنبؤ خانتني هذه المرّة عندما تقرر منح الجائزة للاقتصادي البريطاني- الأميركي «أنجوس ديتون» الأستاذ في جامعة برنستون، وبالرغم من هذا الإخفاق الذي أساء لسجلي التنبؤي، إلا أنني كنت سعيداً لأن «ديتون» يمثل خياراً رائعاً لنيل الجائزة. وبالرغم من أن «ديتون» استهل عمله في حقل اختصاصه كباحث نظري، فلقد كان شديد الحرص على تسخير جهوده البحثية الجادة للتأكد من أن العلوم الاقتصادية يمكنها أن تعتمد على بيانات أفضل. واستخدم تلك البيانات لدراسة الأحوال الواقعية التي يعيشها الفقراء حول العالم، وكان هدفه من وراء ذلك المساعدة على تحسين معايير عيشهم. وكثيراً ما ينظر الناس إلى جائزة نوبل باعتبارها تعكس مدى التطور والتغير الذي يطرأ على العلوم الاقتصادية، وأظهر اختيار «ديتون» أهمية البيانات والقرائن الحسابية في تطوير هذه العلوم، وبيّنت أيضاً أن القصد منها لا يقتصر على تحفيز النمو أو الفعالية الإنتاجية، بل إنها تهتم على نحو أكثر عمقاً بقضايا الفقر وعدم المساواة الاقتصادية بين الأمم والشعوب. وإنّ لمن الصعب جداً الوقوف على حقيقة الأوضاع التي يعيشها فقراء العالم، وكلنا نحتاج إلى تناول الغذاء، وأن نعيش تحت سقف يأوينا، وأن نمتلك سيارة، ونحصل على الرعاية الصحية المناسبة، إلا أنه من العسير إقامة مقارنة بين القيم الحقيقية التي يدفعها الشخص الأميركي أو الياباني للحصول على هذه النِعَم، وتلك التي يدفعها شخص ما في زامبيا أو فيجي للحصول عليها، وعندما تمعن النظر في المليارات السبعة لعدد سكان العالم، وتحاول إجراء مقارنة بين المعايير المعيشية للحياة بالنسبة لكل منهم، فإن الأمور تصبح على جانب كبير من التعقيد. إلا أن «ديتون» والاقتصادي الآخر «جون ميولبور» تمكنا من تحقيق تقدم في هذا المجال عام 1980 تمثّل بتطوير مقاربة رياضية تصلح لتبسيط هذه المشكلة بشكل كبير، وابتدعا نظاماً جديداً أطلقا عليه مصطلح «نظام الطلب المثالي التقريبي». ومنذ ذلك العام، تم استخدام النظام بنجاح في التطبيقات الاقتصادية التي كانت تحاول قياس مقدار الاستهلاك الأسري من مختلف السلع والمواد والخدمات، وبعد ذلك، ساهم «ديتون» في العديد من البحوث الأخرى المتعلقة بهذه المواضيع ومنها ريادته لبحث يتعلق باستخدام الحسابات الاستبيانية للإنفاق الأسري كطريقة لتعويض النقص في البيانات الذي تعاني منه الوكالات الحكومية. وفي وقت كان فيه العديد من الباحثين الاقتصاديين يحلقون في أجوائهم النظرية البحتة حول الطرق التي يحقق فيها الاقتصاد نموه وتطوره، كان «ديتون» يعيش الواقع فوق الأرض وهو يخوض في بحر من البيانات الواقعية المتعلقة بصميم العالم الذي نعيش فيه. وكان لا يكل ولا يمل عن العمل الدؤوب والمثمر حتى نتمكن جميعاً من التأكد من أننا وصلنا إلى الحقيقة بالطريقة الصحيحة، وفي نهاية المطاف، تم استبعاد كل أولئك الاقتصاديين النظريين أو تم نسيانهم ووقع الاختيار على أعمال وإنجازات «ديتون». وفي كتابه الذي نشره عام 2013 تحت عنوان (الهروب الأعظم)، ينفرد «ديتون» بتقديم سلسلة متنوعة ومدهشة من القرائن التي تُظهر أن المعايير المعيشية العالمية قد ارتفعت بشكل مذهل. ومهما كانت الأسباب التي تقف وراء هذا الارتفاع، إن كانت تعود لاتباع المذهب الرأسمالي أو بسبب انتشار الديمقراطية الاجتماعية أو حرية التجارة أو التطور التكنولوجي، فإن هذه الحقيقة أصبحت واضحة. ولا شك أن الغالبية العظمى من سكان كوكب الأرض يعيشون الآن في ظروف معيشية أفضل بكثير من التي عاشها أسلافهم، وربما تكون هذه الحقيقة معروفة ولا تحتاج إلى إثبات، إلا أن «ديتون» وضعها موضع القياس والحساب الدقيق. نوح سميث* *أستاذ مساعد في العلوم المالية بجامعة ستوني بروك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©