السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قرية تنهض من مسلسل كرتوني!

قرية تنهض من مسلسل كرتوني!
15 أكتوبر 2015 00:16
يمكن الجزم أن «للتراث» لوناً، ورائحة لافتة، وفاتنة، والسبب يعود، كما يعتقد كثيرون، في قدرته على استشفاف الحالة الإنسانية بكل أطباعها وعنفوانها، وتجلياتها. إنها كالولادة من «السدرة»، وأشبه بالتلاحم بين الصدفة واستسلام اللؤلؤ، بين تلك الأيادي. في عمق ازرقاق الماء، شهدنا موتاً جلياً، وعمراً مديداً، من النسق الحضاري البسيط، في معانيه واحتياجاته نحو العيش، موثقاً أوج رحلات الكيان الوجودي، لإنسان المكان، من بنى اللحظة، من خلال الإيمان بهذا اللقاء بين اليابس والبحر. ولابد للنساء من صوت مدوٍّ، وهارموني من الموسيقى الارتجالية لمواقفهن وحكاياهن وقصصهن المروية، هُن صاحبات الذاكرة، الأكثر وقعاً، على سجايا الروح، وهن ياسمين البيت، وإلا.. ما سبب هذا التعلق السرمدي، بالمسلسل الكرتوني الإماراتي الشهير «فريچ»؟ سألنا أنفسنا مرات عديدة، عن ماهية التفاعل الجماهيري لذلك السحر البصري، في أول ظهور له، وأبعاده، فهل سعينا بعدها لدراسته عبر حالة من البحث العلمي، فلابد من أسباب موضوعية أو مقنعة، وبالنسبة لي فإن «فريچ» المسلسل، تجاوز الحس الترفيهي، وصولاً إلى فضاء وجداني وحميمي، و«هناك أشياء لم ترو بعد».. عن تجليات «فريچ» وحضوره يسرد حمد محمد حارب، شريك ومدير عام قرية البوم السياحي، تصوره لمشروع يجتث فيه عطر «فريچ» التلفزيوني إلى «دچة» خور دبي، صانعاً مرسى للقاء بين ابتكارات أدوات ثقافة التراث واستثمارها كلغة جمالية، وبين اعتبارها منصة للحديث بصوت من الثقة واليقين. إن استيعاب (المفاهيم) يحتاج لتجسيد نابع من الرغبة المستمرة في الحوار.. بانوراما معمارية لم يتوقف حمد حارب لوهلة عن الحديث حول بانوراما الهندسة المعمارية، لموقع بيوت «فريچ»، حيث تتوسطه سفينة «البوم»، التي يتجاوز عمرها الـ70 سنة، بالتوازي مع المطعم الجديد التابع لمشروع الاستحداث لقرية البوم السياحية، بعنوان «زمان أوَّل.. ما يتحول». وقد جاء التصميم الداخلي للمكان متكئاً على زخم من المقتنيات والمفردات التراثية والأدبية الحسية، تم اعتماد تنفيذها بتقنيات فنتازيا الفن التشكيلي، والذي عزز حضوره بمقومات الامتداد إلى خور دبي بإضاءات من أعمدة «الدقل». وجاءت بيوت شخصيات العمل الكرتوني «فريچ» وهي: «أم سعيد» و«أم خماس» و«أم سلوم» و«أم علاوي»، إضافة إلى دكان «آغا أكبر أصغر»، ومسجد «فريج»، مساحة من الحركة نصف الدائرية. ويتخذ القائمون على العمل، وبمشاركة مخرج المسلسل الكرتوني «فريج» محمد سعيد حارب، مشاهدة حلقات المسلسل الكرتونية مصدراً ملهماً لبناء سيناريو يُفعِّل صياغة ودقة شكل البناء، كلاً على حدة، اعتماداً على تكوين الشخصيات في العمل الكرتوني. ويقول حمد حارب: «بدأنا في رسم مسودة البناء عبر استخدام مادة (الفوم)، وفعلياً كانت مرجعيتنا الحلقات التلفزيونية، كنا نبحث في تفاصيل الرسومات، وصياغة حركة ثلاثية الأبعاد، التي اعتمدها المخرج، واستطعنا عملياً، تحريك المواد المستخدمة، بحسب متطلبات انحناء البيت، الذي استدعى تطويع الحديد والإسمنت للحصول على نسخة طبق الأصل». السفينة/‏ المتحف سفينة «البوم».. ليست باللغة البصرية غريبة على الأهالي والمقيمين في منطقة الخليج، ولكن ما يستوقف المتابع هو كيفية احتفاء «قرية البوم» بالملحمة البحرية، وتحويل جوف السفينة إلى متحف، يُعرف بها، كناقلة بحرية مهمة، ويعرض أهم رحلاتها، إضافة إلى تسجيلات مرئية لقصص خور دبي، وما قدمه ذلك التدافع الأفقي لمياه البحر، من تلاقي ثقافي وتجاري، أسس لمدينة دبي، على وجه الخصوص، ودولة الإمارات، بشكل عام، ثقل سيادي وعالمي. ويبيِّن حمد حارب، أن إعادة إنتاج التراث، من خلال «البوم السياحي» الذي تجاوز حضوره الـ30 عاماً، إنما جزء من المسؤولية الثقافية والدعم السياحي للدولة، خاصة أن مدينة دبي وفرت كل الخدمات المتاحة، لإدارة دفة الاستثمارات بكل أنواعها وتوجهاتها، وحان وقت مشاركة المواطنين في دعم المسيرة الحضارية، والسياحة أحد أهم محاور التنمية المعرفية. بالنسبة لبيوت «فريچ»، المتوقع افتتاحها في نوفمبر المقبل، فلم يستقر الأمر، حول سبل استثمارها الترفيهي، إلا أنه وفقاً للخطة التشغيلية التابعة لقرية البوم السياحية، تم وضع عدة مقترحات تنص أن يستند تفعيل الحياة في فضاء «فريچ» بتقديمها كبوابات ومتاجر للمشاريع الإماراتية الشبابية، وتعزيز جماهيرية الموقع من خلال مهرجانات محلية، تتخذ من محاور التراث، ومسابقات الطبخ للطهاة الإماراتيين، عناصر جذب، بالإضافة إلى برنامج ترفيهي وتثقيفي للأطفال، خاصة أن «فريچ» يستند إلى قاعدة متينة من اهتمامات الطفل، وفقاً لسلسلة النجاح التلفزيوني. مفردات تشكيلية ما مدى العمق البصري الذي قدمه الفنان مطر بن لاحج، بتوليه تفاصيل التصميم الداخلي والخارجي لمطعم «زمان أوَّل.. ما يتحول»؟ إن الإجابة المفصلية، بطبيعة الحال، تكمن في الرؤية الفنية لماهية أبعاد التصميم، ورغم ما شكله «الدقل»، وهو خشبة طويلة وسط السفينة يمد عليها الشراع، كأعمدة للإضاءة الخارجية، إلا أن التجليات التقنية لمفردات المعيشة التراثية، تجسدت عبر خصوصية الهيئة الداخلية للبيوت القديمة، حيث تحول فيها «السرود» من يهتم بوظيفة الالتحام الأرضي مع وجبات الغداء والعشاء قديماً، إلى حالة من التماهي مع السقف، والتحافه مع الضوء، ما يبعث جواً من ألفة المساحات الأفقية والعمودية لمفهوم البيت القديم، ويطرح سؤالاً في البعد التأويلي لـ«السرود»، وعموماً لعبت الإضاءات، في عدة جوانب، حافزاً يصنع من النظر، علاقة عميقة نحو ما يمكن وصفه بغير الاعتيادي في الذائقة البصرية للمتلقي، كاستثمار الفنان لـ«المبخرة» القديمة، بـ(شكل مقلوب)، محوراً استثنائياً للإضاءة، وجاءت الأحبال، مسيرة من التقاطعات الزمنية، يدعمها «فريم» من الفوتوغرافيا المُتخيلة بعناصر واقعية من المقتنيات التراثية والتاريخية، تم تثبيتها على الجدار كقطع متحفية تفاعلية، مع إمكانية رصد بعض القصائد العربية، وتقديم تعريف لشعرائها، إضافة إلى شفافية الصورة الضوئية، وتجاوزها لمد الانكشاف الكلي للمكان، وجميعها تلعب دوراً فريداً، وهي نسج تدريجي لرحلة المسيرة الإنسانية عبر المشاهدات الجمالية للعنصر التراثي، وتأسيس لثقافة التجربة العصرية، لاستشعار المعرفة التراثية. وقد اعتبر حمد حارب أن اختيار الفنان مطر بن لاحج، نبع من إيمانهم بأهمية رفد مجتمعات الإنتاج التراثي، في مجالات الضيافة تحديداً، بنظرة فنية عميقة، مبنية على دلالات واعية، لها معنى معرفي، بعيداً عن عشوائيات التناول التراثي. وأضاف أن الشيف الإماراتية خلود عتيج، أشرفت على وضع قائمة الطعام الخاصة بالمطعم، لاستكمال أوجه الجودة لما يودون عرضه وتقديمه خلال المرحلة المقبلة من عمر توسيع أفق استثمار الآثار الإنسانية، ودلالاتها، في المجتمعات المتقدمة. «البحر.. الذي ألقى بظلاله على «السّيف»، لا يزال موجهاً، يهطل على الأفق بألوانه الأرجوانية، بعيداً إلى حيث «سكيك» البيوت الطينية، وقريباً نحو الخور.. تلك الازدواجية اللافتة، في تموجات الرمال. لا ندري.. كم من الأسئلة ستظل تطرح للتاريخ. «تايتنك الخليج» بدا واضحاً اهتمام قرية البوم السياحية بالسفن ودورها الاجتماعي، وستحتفي إلى جانب سفينة «البوم» بسفينة «دارا» المعروفة بـ «تايتنك الخليج»، وبحسب حمد حارب، فإن تاريخ هذه السفينة تحديداً، لم يأخذ حقه كمرجعية تاريخية مهمة للمنطقة، مما جعله يقرر أن يصنع نموذجاً عن الهيكل الخارجي للسفينة، المتموضع في مقدمة بوابة الدخول إلى القرية، الهادف إلى تعريف الزوار بتلك السفينة وقصتها، المليئة بالأسرار، سواء للمواطنين أو المقيمين أو السياح، عبر توزيع كتيب تعريفي. وسيفتتح «البوم السياحي» أول معرض فني حول «تايتنك الخليج» عبر استقطاب باحثين مختصين، بعد أن خصص أنشطة لـ «آرت غاليري»، ضمن مشروع الاستحداث للقرية، موضحاً أن قاعة المعرض الفني، ستظل مفتوحة لمن يرغب في استثمار المكان لعرض أعماله الفنية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©