الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قلمك

قلمك
22 أكتوبر 2011 01:04
كتب لي صديقي المصري الذي يعمل في الكويت: تحياتي من بلد يظل القلم فيه معك إلى أن يفرغ من الحبر! هذه عبارة ذات شجون فعلاً ويصعب أن يفهمها الإخوة العرب.. السبب هو أن كل واحد يحمل معه قلمًا على الأرجح. بينما في مصر مثلاً تحمل القلم فيقترضه أحدهم.. ثم يقترضه آخر.. وهكذا.. في النهاية تنسى أين ذهب القلم ومن أخذه آخر مرة.. بهذه الطريقة لا يبقى القلم معك حتى ينفد الحبر أبدًا.. الحبر سينفد من قلم آخر اقترضته أنت ولا تذكر من صاحبه. هذا يعطي الحياة نوعًا محببًا من التوازن لأنك تفقد أقلامك، بينما الآخرون يفقدون أقلامهم في الوقت ذاته.. الكل معه قلم.. الكل فقد قلمًا. بما أنني لا أستطيع الحياة دون قلم في جيبي، فإنني أندهش من قدرة الناس على الحياة بلا أقلام. دعك من جرأتهم الشديدة كذلك. عندما تذهب لمصلحة حكومية فأنت تعرف أنهم سيطلبون منك عشرات التوقيعات وملء عشرات النماذج، وتعرف كذلك أن أحدًا لن يعيرك قلمًا. لكن الناس تذهب هناك بلا أقلام فعلاً. والنتيجة هي أن الرجل يمسك بالنموذج وينظر حوله ثم تقع عيناه على الأحمق الوحيد الذي يمسك بقلم.. فيحرك يده إشارة للكتابة ويقول: ـ «قلمك لو سمحت..» أعطيه القلم، وهكذا صرت أنا تحت رحمته.. لا أستطيع أن أملأ أي شيء أو أسأل أي موظف لأنني لا أملك قلمًا، وفي الوقت ذاته لا أستطيع الانصراف لأنني لن أترك له القلم. أجد أنني صرت في وضعه تمامًا، ولابد أن هناك من ينظر لي ويتساءل في غيظ عن سبب عدم حملي لقلم.. الفارق المهم هو أن الأول وجد أحمق يأخذ منه القلم أما أنا فلا أجد.. يأخذ صاحبنا راحته ثم يفر بالقلم إن كان طبيعيًا، أو يدسه في جيبه إن كان شاردًا، أو يعيده لي إن كان مهذبًا، فأقول له كاذبًا: ـ «احتفظ به !» ثم أدس القلم في جيبي شاعرًا بالراحة والخلاص. هنا ينقض علي أحدهم وهو يحرك يده بعلامة الكتابة: ـ «قلمك..» طبعًا هو رأى القلم يدخل جيبي فلن أزعم أنني لا أحمل قلمًا. هكذا أناوله قلمي لتبدأ ذات الدورة والتعطل. ما إن يعود لي القلم حتى أفاجأ بواحد ثالث يشير لي بعلامة الكتابة.. العملية متدرجة.. أولاً حذفوا (لو سمحت) والآن حذفوا الكلام كذلك.. القادم سوف يصفعني ثم يأخذ القلم من جيبي بلا شك.. وفي النهاية تأتي اللحظة التي لا مفر منها.. هناك من يقرر أن يأخذ القلم ويرحل لأنني لا أستحق أن أحمل قلمًا، وأعود لأبحث في الوجوه عمن استعار قلمي فلا أجده.. هذا واحد يكره أن يغير قاعدة ضياع القلم قبل أن ينفد الحبر منه.. تعلمت بعض الدروس؛ منها أن أخفي القلم في جيبي ولا أضعه في جيب القميص، وأن أتلفت حولي كاللصوص قبل أن استعمله، وأن أعيده للجيب بأسرع ما يمكن.. على كل حال ستظل كل الحلول غير مرضية إلى أن يتعلم الناس أن يحملوا أقلامهم معهم حيثما ذهبوا، أو تقرر الحكومة أن الأقلام كالماء والهواء والتعليم حق لكل مواطن، وهكذا تهدي كل مواطن في كل مكان قلمًا خاصًا به، أو إلى أن يظهر مدرب أقلام يعلم الأقلام كيف تسمع الصفارة فتثب من الجيوب لتعود لأصحابها كالكلاب.. ربما تتحسن الأمور كذلك لو هاجرت إلى بلد يظل القلم فيه معك إلى أن يفرغ من الحبر ! د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©