السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اقتصاد السوق: حرية ومسؤولية

22 أكتوبر 2011 01:38
الإنتاج، التبادل، والاستهلاك... تلك أنشطة لا تنفصل بحال من الأحوال عن باقي أشكال التحقق الإنساني في هذا العالم. لهذا فعندما يثير قلق الإنسان المعاصر السؤال الأخلاقي حول أسباب الانحلال والفساد لا يكون هناك بد من الوقوف عند النظم الاقتصادية لمساءلتها ومراجعتها وتصحيحها إن لزم الأمر. وعندما يتعلق الأمر بالأسواق الحرة، نجد أنها تساعد على ابتكار سلع وخدمات تمنحنا باستمرار خيارات أوسع لتحسين جودة الحياة. لكن السعي إلى الربح وحجم المخاطر في اللعبة الاقتصادية يولد ضغوطات تدفع الأفراد إلى جعل الالتزامات الأخلاقية في آخر المراتب على قائمة الأولويات. هذا من جهة ومن جهة ثانية، لا يمكن أن ننكر التأثير الإيجابي لعمليات التبادل التجاري في تغيير التصورات والقيم السلبية لدى بعض الشعوب. كما أن من شأن تبادل السلع والخدمات أن يفقد طابعها السلمي من خلال ترويج رؤى تفرضها وسائل الدعاية والإعلام أحيانا كنموذج قيمي غير قابل للنقاش (كن مثلي أو لا تكن)، وهو ما يفسر الحساسية المتزايدة لدى أطراف غربية تجاه الشريعة الإسلامية التي تضع قيوداً على إنتاج واستهلاك بعض السلع والخدمات (الخمور، القمار، السجائر، والمنتوجات الإباحية، وغيرها). إن فائض الربح الذي توفره الأسواق الحرة يمكن عدداً متزايداً من الشركات من الاستثمار في مشاريع خيرية تهدف إلى التخفيف من معاناة الأفراد الأكثر حرماناً في بقاع مختلفة من المعمورة، لكن يجب ألا نتجاهل أن جزءاً من فائض الربح ذاك تم توفيره بطرق سببت اشتداد وطأة المعاناة لدى أفراد آخرين، لنتحدث هنا عن تجارة الأسلحة التي تستفيد من الصراعات السياسية المتأججة، أو عن شركات الأمن الخاص وشركات إعادة الإعمار التي حسنت أرقام معاملاتها بفضل عمليات التدخل والاحتلال العسكري. يتضح إذن أنه لكل جانب مشرق يقنعنا بالدفاع عن تجربة الأسواق الحرة وجه آخر مظلم يدفعنا إلى إعادة النظر والتفكير بالأمر. لكن من ينبغي أن يتحمل مسؤولية نواقص اقتصاد السوق؟ القيم التي أسس عليها منذ البداية؟الفاعلون الاقتصاديون؟ الأنظمة السياسية والحكومات؟ أم الأفراد أنفسهم؟ من الضروري توفير حرية الإنتاج والتبادل والاستهلاك، لكن حريتنا ينبغي أن تكون مسؤولة: نحن مسؤولون عن تأثير ما ننتجه على صحة البيئة ومعيشة الأفراد، وعلى حق الأجيال اللاحقة في موارد طبيعية كافية على كوكب سليم. إن مسؤوليتنا تشمل استهلاكنا أيضاً، إذ نكون مسؤولين عن فقر ومعاناة الأفراد في الطرف الآخر من الكرة الأرضية عندما يكون حجم استهلاكنا ووتيرته دافعاً لحرب حول الموارد لتوفير سلع وخدمات أكثر بأثمنة أقل. بل تشمل مسؤوليتنا عملية التبادل نفسها، إذ تكون الشركات مسؤولة عن تضرر اقتصاديات الدول الأقل تقدما عندما توفر سلعاً وخدمات بأسعار تنافسية جداً، وتحرم الأسواق المحلية من فرص تطوير منتجاتها. ولا نحتاج للتذكير بحجم المخاطر التي يكون على الاقتصاديات الهشة أن تتكبدها جراء ارتباط الأسواق ببعضها البعض والذي يضاعف تأثير الأزمات الاقتصادية على المؤسسات المالية والاقتصادية. علينا القول إن قيم الحرية والمبادرة الفردية والمخاطرة التي تقوم عليها الأسواق الحرة لا ينبغي فهمها بشكل جامد ومتحجر. إذ أصبح نظام السوق مطالبا بأن يتصف بالمرونة الكافية للانسجام مع قيمه الأساسية من جهة والاستجابة للمطالب الأخلاقية التي تزداد إلحاحاً من جهة ثانية. من هنا تقع على الفاعلين الاجتماعيين مسؤولية اتخاذ مواقف فعلية برفض السلع والخدمات التي من شأنها المساس بما يعتبرونه أخلاقيا، وتشجيع كل مبادرة لتصحيح الفعل الاقتصادي و تخليقه، وعليهم التوقف عن إيهام أنفسهم بأن لعبة الإنتاج والدعاية أضخم من أن يؤثر فيها المستهلك. نزهة مليحة - كاتبة من المغرب ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©