السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قرية كفر هلال المصرية..تغزو العالم بالستائر والمفروشات

قرية كفر هلال المصرية..تغزو العالم بالستائر والمفروشات
20 أكتوبر 2013 21:00
قرية «كفر هلال» تتبع إدارياً محافظة المنوفية وتبعد عن القاهرة بنحو 75 كيلومترا من جهة الشمال، ولا توجد بها آثار فرعونية أو مزارات سياحية ولكنها باتت محط أنظار مستثمرين مصريين وعرب وأجانب يفدون إليها على مدار أيام السنة، لشراء منتجاتها بعدما تجاوزت شهرتها في إنتاج الغزل والمنسوجات والمفروشات المنزلية‏ والستائر وأقمشة التنجيد حدودها الجغرافية، لذا استحقت اللقب الذي تشتهر به بين المصريين «كفر هلال قرية صناعية عالمية على أرض مصرية». القرية لا تتجاوز مساحتها ثمانية كيلومترات مربعة ويقطنها نحو 20 ألف نسمة ولا تعرف السكون في أي وقت من اليوم فحركة العمل والإنتاج لا تتوقف ليل نهار حيث ينتشر بين جنباتها قرابة 500 مصنع وورشة تخصصت جميعها في صناعات الغزل والنسيج ويقدر حجم إنتاجها في المتوسط سنويا بنحو 50 مليون متر في مجال الغزل والنسيج كما تنتج نحو 70 في المئة من إنتاج مصر من المفروشات والستائر، ولهذا فإنها تعد نموذجا فريدا للقرى المنتجة في المنطقة العربية، إذ لا يكاد يخلو بيت من ماكينة خياطة أو نول نسيج يتناوب العمل عليه أفراد الأسرة كافة من عمر 10 سنوات حتى المشيب. الكل يعمل سواء بشكل دائم كمهنة أو في أوقات الفراغ كمصدر دخل يعين الأسرة على مواجهة متطلبات الحياة. صناعة النسيج محمد جودة (46 سنة)، صاحب ورشة لإنتاج الغزل قال: جميعنا في القرية نشأنا من خير هذه الحرف التي أغنتنا وكفتنا شر الفقر والحاجة، فمنذ تفتحت عيني على الدنيا وأنا أعمل في هذا المجال، فقد كنت في طفولتي المبكرة أعود من المدرسة لأعاون أبي وجدي في إعداد مستلزمات الغزل ومتابعة عمل المكوك وكبرت وتزوجت وصار لي أبناء وهم بدورهم تعلموا المهنة. وأوضح أن بداية معرفة قرية كفر هلال بصناعات النسيج ترجع إلى مطلع القرن العشرين، ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى والخراب الذي لحق بالكثير من الدول الأوروبية جراء الحرب، حضر إلى القرية رجل أعمال إيطالي يدعى «ادمون روبيل»، وقام بإنشاء مصنع صغير يعتمد على النول والمكوك الانجليزي في إنتاج الغزل والنسيج وقام بتعليم شباب القرية وبمرور الوقت اكتسبوا الخبرات اللازمة. وأضاف جودة: مع قيام ثورة 23 يوليو 1952 وتشجيع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر للشباب على أن يعمل وينتج بدلاً من استيراد احتياجاتنا، اتجه هؤلاء العمال إلى العمل لحسابهم الشخصي بإنشاء مصانع وورش خاصة في حدود إمكاناتهم البسيطة وجمعوا حولهم بعض أبناء القرية يساعدونهم، ومع نجاح تلك التجارب وتحقيقها لأرباح جيدة تشجع آخرون من أهل القرية على إقامة مشاريع تكميلية في مجالات النسيج والمفروشات كل حسب إمكاناته، وبمرور الوقت صارت «كفر هلال» إحدى المناطق المهمة في صناعات المنسوجات والمفروشات في مصر وباتت بيوتها مجتمعه بمثابة مصنع كبير يضم قرابة نحو 500 مصنع وورشة بها نحو 3 آلاف ماكينة من مختلف أنواع الآلات المستخدمة في صناعات الغزل والنسيج، تبدأ من «النول الخشبي» إلى المايسترو والفيموتكس مرورا بماكينات «المكوك الإنجليزي العتيقة والتايواني» و»الكوري» والصيني و»الفيكتور»، لدرجة أن هناك أسرا قامت بتخصيص غرفة أو أكثر من منزلها وجعلتها ورشة، واعتمدت على أبنائها في تشغيلها بدلاً من البطالة أو الشكوى من ضيق الرزق، لاسيما وان جودة منتجات القرية شجعت تجارا ومستثمرين على الحضور من القاهرة والإسكندرية وإبرام تعاقدات مختلفة لشراء منتجات المصانع تارة لبيعها في الأسواق المحلية وأخرى لتصديرها إلى دول العالم، حيث أصبحت القرية تشتهر عالميا بإنتاج الشانيليا والسواريه والسيلفر، بأسلوب أقرب إلى نماذج القرى الصينية التي غزت العالم بإنتاجها الذي يعتمد على المشروعات الصغيرة. انعدام البطالة يتركز معظم اقتصاد قرية كفر هلال في مجال الغزل والنسيج والتجهيز وصناعة المفروشات والستائر، مع وجود مهن أخرى لا غنى عنها في أي مكان يعمل بها عدد من أهل القرية كالنجارة والسباكة والزراعة وتتميز بيوت القرية بالحداثة نظرا لارتفاع دخل أبنائها وانعدام البطالة بينهم مما ساعدهم على بناء بيوت على طرز حديثة وإعمارها بأثاث مختلف مما جعل منها قرية شبيهة بالقرى الموجودة بالدول الصناعية الكبرى في الصين وألمانيا وأميركا وفرنسا وانجلترا واليابان، وهو ما يشير إليه احمد سرحان 42 سنة محاسب وصاحب مصنع صغير لإنتاج الستائر، والذي أكد أن ما يميز القرية أن جميع الورش والمصانع «يد واحدة» والمتأمل لطبيعة منتجات ورش ومصانع القرية وكيفية تحولها من خامات إلى منتجات متميزة يكتشف أن كل ورش ومصانع القرية تكمل بعضها البعض لذا فروح الجماعة وصفات التكاتف والتلاحم تسيطر على الجميع فأي عطل يصيب ورشة هنا أو هناك يؤثر بالقطع على سير العمل في مصانع أخرى ولذا فمقولة إن قرية كفر هلال مصنع كبير وكل بيوتها بمثابة أقسام داخلية متخصصة ضمن منظومة دورة إنتاج محددة ليست مبالغة حيث يتنقل إنتاج الغزل من الورش والمصانع إلى أخرى تتولى تصنيع المفروشات المنزلية المختلفة والستائر. احتراف مهنة الغزل وأوضح أن كل أسرة بالقرية لديها صف ثان مدرب من الأبناء والبنات للعمل في مجال الغزل والنسيج وهو يشجع أولاده على احتراف مهنة الغزل التي يتقنها هو، إلى جانب مواصلة التعليم لأنها مهنة مضمونة تقيهم شر انتظار الوظيفة كما تضمن لهم دخلا معقولاً، مما شجع أبناء القرى المجاورة على القدوم للعمل في مصانع كفر هلال حيث يبدأ اجر العمل من 1500 جنيه شهريا ويزيد حسب الكفاءة والخبرة. وأشار إلى أن إنتاج القرية تأثر خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب الاضطرابات الأمنية والاقتصادية التي تمر بها مصر والتي أثرت بشكل كبير على التيار الكهربائي وتوفير السولار وهما عنصران لا غنى عنهما بالنسبة لمصانع وورش القرية. ويوضح جمال عبدالرحمن 39 سنة مهندس نسيج أن فريقا من أهل القرية بات متخصصا في توريد احتياجات المصانع والورش من الخامات المختلفة المتمثلة في البوليستر والبروبلين والقصب والإسبن سواء عن طريق الشراء من مصانع متخصصة في المدن الصناعية الجديدة كالعاشر من رمضان والعبور و6 أكتوبر أو عن طريق الاستيراد وهناك من تخصص في الصيانة الفنية للماكينات المختلفة وتوفير قطع الغيار اللازمة لها وهناك من تخصص في عملية التسويق ونقل البضائع لاسيما إلى شارع الأزهر بالقاهرة السوق الأكبر في مجال تجارة المنسوجات والمفروشات بمصر كلها إلى جانب نقل بضائع إلى كافة مدن مصر. الصناع السوريون وأشار جمال عبدالرحمن إلى أن «كفر هلال» تعد من الأماكن القليلة في مصر والعالم التي تخلو من البطالة فكل أهلها يعملون كما تتم الاستعانة بآخرين من القرى المجاورة لسد احتياجات سوق العمل حيث يتم تشغيل المصانع من 18-24 ساعة على نوبتي عمل وثلاث نوبات لمواجهة الطلبات المختلفة والتي زادت في الفترة الأخيرة اثر الأزمة التي تشهدها سوريا والتي أثرت على قدرة المصانع هناك على العمل مما دفع ببعض الصناعيين السوريين إلى الحضور لمصر والتعاقد مع الورش والمصانع الصغيرة بكفر هلال لتتولى تنفيذ الصفقات والعقود التصديرية التي يرتبطون بها لتفادي الشروط الجزائية الموجعة حال تأخرهم عن مواعيد التسليم. اكتساب الخبرات شدد جمال عبدالرحمن، على أن أصحاب المصانع والورش بكفر هلال استفادوا أيضا من تردد الصناعيين السوريين عليهم في الشهور الماضية في اكتساب مزيد من الخبرات، حيث إن صناعة الستائر والمفروشات في سوريا لها سمعة كبيرة ومميزة، بالإضافة إلى امتلاك السوريين العديد من العلاقات التي وفرت لأبناء القرية الفرصة لدخول السوق الدولية وطرح منتجاتهم فيها.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©