الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجزائر تضع «خريطة طريق» لعلاج قطاعها الصحي

الجزائر تضع «خريطة طريق» لعلاج قطاعها الصحي
20 أكتوبر 2013 21:00
حسين محمد (الجزائر) - شرعت لجانُ تقصّي تابعة لوزارة الصحة الجزائرية منذ 26 سبتمبر الماضي، بإجراء عمليات معاينة واسعة للمستشفيات والمؤسسات الصحية العمومية بالبلد، قصد معرفة مَواطن الخلل في عملها، ومن ثمة وضع «خريطة طريق» لكيفية إصلاحها وتحسين الخدمات الصحية المقدّمة للمواطنين وتقديم تكفل طبي أفضل لهم، فضلاً عن بناء خمس «مدن طبية» كبيرة بمختلف مناطق البلد تشمل مختلف التخصصات الطبية. وأعلن مسيِّرو المؤسسات الصحية «حالة طوارئ» بمناسبة استقبال لجان التقصي وبدأوا بتحسين الخدمات الصحية، بينما يطالب المواطنون، الذين أبدوا ارتياحهم لإجراءات الوزارة، بإجراء «جراحة» عميقة للقطاع بعد أن بلغت الخدمات الطبية في السنوات الأخيرة مستوى متدنياً لم يسبق أن عرفته منذ الاستقلال في صيف 1962. تدهورٌ شديد تأتي هذه الخطة بعد أن تصاعدت شكاوى الجزائريين من التدهور المستمر للرعاية الصحية في المستشفيات والمؤسسات الصحية العمومية، وتراجع الخدمات الطبية وتفشي التسيب والإهمال وعدم الاهتمام بالمرضى ولو كانوا في حال الخطر، وتنفيرهم بشتى الوسائل، وتتكرر شكاوى المرضى في مختلف ولايات القُطر، وقلما أشاد مواطنٌ بخدمات مستشفى اضطرّ إلى دخوله لأيام لتلقي العلاج، إذ يكاد يكون هناك «إجماعٌ» بين المرضى على أن ضعف الرعاية الصحية واستشراء الإهمال هو «اللغة» السائدة لدى الكثير من الأطباء والإطارات الصحية في شتى المستشفيات الجزائرية، ولم تنفع كل الشكاوى المقدَّمة لتحسين خدماتها، بل إنها أضحت تزداد سوءاً من عام إلى آخر، حتى أصبح المريضُ مضطراً إلى اللجوء إلى العيادات الخاصة وإنفاق مبالغ مالية باهظة تفوق قدراته من أجل تلقي رعاية صحية ملائمة. إلى ذلك، يقول درّاجي كوسة، شيخ في الـ 73 من العمر «أُصبتُ بخلل في بصري فلجأتُ إلى مستشفى مصطفى باشا الجامعي، وهو أكبر مستشفى بالبلد طلباً للعلاج، وتطلّب الأمر أسابيع عديدة لإجراء الفحص والتشخيص، وبعدها أكد أطباء العيون ضرورة خضوعي لجراحتين متعاقبتين على مستوى العينين، لكنهم منحوا لي موعداً بعد أربعة أشهر كاملة لإجراء الجراحة الأولى على إحدى العينين، وذهبت في الموعد المحدد، ففاجأوني بتأجيل الموعد أربعة أشهر أخرى بذريعة الاكتظاظ وكثرة المرضى، وبعد عام من المماطلة ومنح الموعد تلو الآخر، لم أجد بدّا من اللجوء إلى عيادة خاصة لإجراء الجراحتين، وكُللتا بالنجاح، ومن حسن الحظ أني ميسور الحال، فماذا لو لم يكن بحوزتي المبلغ المطلوب لإجراء الجراحة لدى الأطباء الخواص؟». وتزداد الوضعية سوءاً في مركز «بيار وماري كوري لمكافحة السرطان»، حيث يضطر المصاب بالسرطان إلى الانتظار أشهراً طويلة قبل أن يتلقى العلاجَ بالأشعة بعد العلاج الكيميائي، حيث تقول حميدة خطاب، رئيسة جمعية «الأمل» لمساعدة مرضى السرطان «بعض المرضى الذين يتلقون علاجاً كيميائياً يضطرون إلى الانتظار 8 أشهر قبل تلقي حصص في العلاج بالأشعة، وهذا بسبب قلة الأجهزة، ما يجعل الأورام تنتشر في أماكن أخرى بجسد المريض ومن ثمة يتعذر إنقاذه من الموت الحتمي»، وقدّرت خطاب عدد مرضى السرطان الذين يتوفون سنوياً بسبب عدم تلقيهم العلاج بالأشعة في الوقت المناسب بأزيد من 8 آلاف مريض. تحويل المرضى وفضلاً عن شكواهم المستمرة من التسيب والإهمال في المستشفيات، يتداول الجزائريون أيضاً أخباراً كثيرة عن «تحويل المرضى» من المستشفيات إلى العيادات الخاصة التي يشتغل بها أطباء عموميون برخص من المؤسسات الاستشفائية، وشاع في السنوات الأخيرة تعطّل الكثير من الأجهزة الطبِّية الخاصة بالتشخيص في المستشفيات وفي مقدمتها «السكانير»، وأكد المرضى أن «العملية مقصودة» وأن هناك «أطرافاً» تقوم بتعطيل هذه الأجهزة عمداً بهدف إرسال المرضى إلى عياداتٍ خاصة يشتغل فيها أطباء يعملون في المستشفيات أيضاً لإجراء التشخيص ثم العلاج هناك، وهذا لمضاعفة أرباحهم. وأكد البروفيسور صلاح الدِّين بورزاق، رئيس مصلحة جراحة القلب بمستشفى «بئر مراد رايس» العمومي المتخصص في هذه الجراحة، تفشي هذه «الظاهرة» على نطاق واسع، وصرح يوم 26 سبتمبر الماضي بمناسبة اليوم العالمي لمرض القلب، بأن «تحويل المرضى من القطاع الصحي العمومي إلى القطاع الخاص يحدث خاصة في مجال جراحة القلب، حتى أن المستشفيات العمومية أضحت مجرد «ملحقة» بالعيادات الخاصة» وأوعز بورزاق تفاقم الظاهرة إلى عدم وجود محاسبة حقيقية لمرتكبي هذه الممارسات «غالباً ما يتم تحويل مرضى القلب من المستشفيات إلى العيادات الخاصة، دون أن يتم محاسبة الأطباء الذين يفعلون ذلك». «خريطة طريق» للإصلاح استمرت معاناة المرضى مع الإهمال والتسيب في المستشفيات وكذا إرهاقهم مادياً بالاستطباب في العيادات الخاصة التي تتوفر على خدمات صحية وتجهيزات راقية، في عهد الوزير السابق عبد العزيز زياري، الذي لم تشهد الخدمات الصحِّية أي تطور طيلة فترة إشرافه على وزارة الصحة ولم يكن يملك، بحسب متتبعين لشؤون القطاع، أي تصوّر لتحسين الوضع. إلا أن وزير الصحة الجديد عبد المالك بوضياف الذي جاء منذ أسابيع قليلة خلفاً لزياري، رفض استمرار الأوضاع الكارثية الحالية في المستشفيات، وأكد ضرورة تغيير الوضع وإعادة الاعتبار للخدمات الصحية المقدَّمة للمرضى، وأعلن خطة جديدة لإصلاحها تقوم أساساً على إيفاد «لجان تقصِّي» للاطلاع على أوضاع كل المستشفيات والمؤسسات الصحية العمومية بالبلد من كل النواحي، وإجراء «تشخيص» دقيق لواقعها، وحصر إمكاناتها الطبية وتجهيزاتها وإطاراتها البشرية. وبعد أن تنجز لجان التقصي عملها وتقدِّم تقاريرها الدقيقة، يتم وضعُ «خريطة طريق» لإصلاحها، وتزويدها بحاجياتها من التجهيزات والمُعدّات الطبية المتطورة وبالمزيد من الأطباء المتخصصين، وهذا بهدف تحسين الخدمات الصحية وظروف التكفل بالمريض، وأكد الوزير بوضياف للتلفزيون الجزائري فور انطلاق العمل بخطته في 26 سبتمبر الماضي أن «خطة الإصلاح ستركز على العمل على تحسين التكفل بالمريض الذي ينبغي أن يكون محور اهتمامات كافة عمال الصحة، ينبغي التركيز على نوعية العلاج واستمراره وعلى الاستقبال الحسن للمواطنين، وهذا حتى تكون الخدمات الصحية في مستوى تطلعات المرضى، وكذا في مستوى الامكانات التي وضعتها الوزارة تحت تصرّف المستشفيات العمومية». وبحسب الأصداء الأوّلية، فقد أفضى إعلان الوزارة عن خطتها، إلى إعلان مديري المستشفيات بدورهم «حالة طوارئ» لإصلاح ما يمكن إصلاحُه قبل وصول «لجان التقصي»، كاستبدال الأفرشة المهترئة والأسِرّة القديمة والتجهيزات البالية.. بأخرى جديدة، وتشديد نظام المناوبة بين الأطباء والممرضين وباقي عمَّال الصحة، وتحسين ظروف استقبال المرضى الذين أبدوا ارتياحهم لهذا التغيُّر المفاجىء آملين أن يستمرّ. الخلل في التسيير بمبادرة مسيِّري المستشفيات إلى الشروع بمعالجة الوضع، يبدو أن الوزير عبد المالك بوضياف قد حقق بذلك أوَّل أهدافه من خطة «خريطة الطريق» التي ينتظر الجزائريون ثمارَها بشغف لإحداث «ثورة» في المستشفيات؛ إذ كان الوزيرُ قد صرّح بأن «العراقيل التي يعاني منها قطاع الصحة بالجزائر مرتبطة أساساً بالتسيير» موضحاً أن تحسّن التسيير يجعل «التغيير المنشود يتمّ في وقت قياسي بالنظر إلى توفّر الامكانات المادية والموارد البشرية». ويعتقد الجزائريون أن الوزير الجديد قد تمكّن من تشخيص مكمن «الداء» في المستشفيات العمومية التي يصفونها بـ»المريضة»، فهو لا يكمن في قلة الامكانات المادية والبشرية، بل في سوء التسيير، ما جعل التسيُّب والظواهر سالفة الذكر تتفشى في المستشفيات الجزائرية وتحوِّلها إلى جحيم للمرضى في السنوات الأخيرة، وبمعالجة هذا العنصر سيتم «علاج» الصحة «المريضة» التي أرهقت الجزائريين طويلاً، ولكنهم يعتقدون أن الشرط الرئيسي لتحقيق ذلك هو ديمومة الإصلاحات؛ إذ سبق وأن قام الوزير الأسبق يحيى قيدوم بعمل مشابه في التسعينيات، وأقال العديدَ من مديري المستشفيات وأعاد لها هيبتها وساهم في تحسُّن الخدمات الصحية بها، لكن كل شيء انهار وعادت «حليمة إلى عادتها القديمة»، بمجرد أن اُستبدل الوزيرُ بوزير آخر لم يواصل نهجه في إصلاح المستشفيات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©