السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصورة في الأخبار التلفزيونية.. من هيمنة الدعاية إلى الرهان على التحولات

الصورة في الأخبار التلفزيونية.. من هيمنة الدعاية إلى الرهان على التحولات
20 أكتوبر 2013 21:03
ببساطة لولا الصورة لما كان هناك تلفزيون، كان الصندوق الأسود مجرد إذاعة فقط، وبالتالي فإن الفضل في أهمية التلفزيون من أولها لآخرها، ينبع من الصورة. ولمعرفة هذه الأهمية لا بد من تحليل الصورة التلفزيونية من كافة الجوانب والأبعاد، في حياتنا اليومية وفي التأثير بثقافتنا وآرائنا وأذواقنا، في معرفتنا وفي تسليتنا، في الظاهر وفي الباطن. ومن دون ذلك فنحن مجرد مشاهدين مستهلكين لهذه الصورة التي لا ندري إلى أي حد تؤثر فينا. كانت حقيقة الدور الذي تمارسه الصورة التلفزيونية موضعاً للعديد من الأبحاث والكتب، إلاّ أن أغلب ذلك كان أكاديمياً وصعب الفهم على عموم المشاهدين، الأمر الذي أبقى الوعي بحقيقة تأثير التلفزيون عليهم مجهولاً لحد كبير، وهذا الأمر يحمل في طياته الكثير من الغموض، إن لم نقل المحاذير. لكن تطور وسائل الإعلام وازدياد اهتمام شرائح جديدة من الناس بتأثيرات هذه الوسائل يتطلبان الشرح المبسّط والـ»الشعبي» والاقتراب ما أمكن من كشف هذا الغموض أو محاولة فهمه. الوعي بالصورة مع شبه الإجماع على دور التلفزيون والصورة، لناحية نقل الفرد من عالمه الخاص إلى محيطه الخارجي، ومن الذاتية إلى البيئة المحيطة بها، يعتقد معظم المختصين من المفكرين أن العالم ما زال بحاجة إلى معارف كثيرة لإدراك كل الإيحاءات والمعاني والقيم (الإيجابية أو السلبية)، التي تثيرها الصورة التلفزيونية في العقول والقلوب، فمشاهدة صورة ما، كأن تكون صورة طفل في حرب أو غارة جوية أو امرأة تتألم من العنف الأسري، أو صورة تظاهرة حاشدة في ميدان ما، تحمل ما لا يمكن حصره من الأبعاد والمعاني والتأثيرات الفورية واللاحقة، وعلى أكثر من مستوى. ولكن الباحث نصر الدين لعياضي يعتقد أن البحوث التي ترتكز على التجارب ومعطيات الميدان، على قلّتها، كشفت أن الوعي بالصورة لدى الجمهور العربي بمختلف فئاته الاجتماعية والثقافية «لم يتعد ما هو ظاهر». وهو يذكر في هذا السياق بحث وكتاب «الصورة والتلفزيون: بناء المعنى وصناعة المضمون»، الصادر عن جامعة البحرين في 2005 لعبد الله الحيدري. كما يستند بعض الباحثين العرب إلى النقد العام للتلفزيون الذي اشتهر به عالم الاجتماع روجيس دوبريه، ليقول إن الفضائيات العربية في بعض فئاتها تتسم صورتها عند تغطيتها للأحداث الملتهبة المصيرية في حياة الشعوب بالكثير من سمات السرعة، والدعاية السياسية والأيديولوجية أو حتى الدعاية الذاتية الإعلامية للمحطة نفسها، إلى جانب سمة مهمة وهي اختلاق الحدث أو على الأقل اختلاق حجم أكبر من حجمه الحقيقي. ومن جانب معاصر، يركز البعض على علاقة التلفزيون بنشأة السلطة. وفي بحثه بعنوان «الصورة في الأخبار التلفزيونية العربية: رهانات النظر»، المنشور في مجلة المستقبل العربي في أكتوبر من عام 2011، يشير لعياضي، وهو أستاذ في كلية الاتصال بجامعة الشارقة، إلى استخدام القنوات التلفزيونية العربية منذ بداياتها كأداة لبناء الدولة الوطنية، وإلى تطور هذه القنوات كأداة تجنيد وتعبئة لتعزيز شرعية الحكم لدى قطاع واسع من المشاهدين «لذا لم تنزح النظرة إلى كاميرا التلفزيون عن كونها وسيلة رسمية تمثل السلطة، وتفرض رقابة ذاتية على المهنيين في تصويرهم للأحداث المحلية والوطنية وحتى على المشاهدين، وهو ما طرح مسألة صدقية القنوات التلفزيونية الرسمية». محاكاة وانفصال أدىّ دخول القطاع الخاص إلى صناعة التلفزيون والمحطات الفضائية إلى تحسن في مصداقية الصورة التلفزيونية العربية، لكنه بقي تحسنا طفيفا في ظل أحكام القوانين المنظمة للمرئي والمسموع من جهة وفي ظل الخشية من غايات القطاع الخاص من جهة أخرى، وبذلك بقي فهم الرهانات الثقافية والاجتماعية للصورة التلفزيونية على ما هو عليه تقريباً. بل إن ذلك لم يمنع من قول بعض الكتّاب إن استخدام التلفزيونات والفضائيات العربية للصورة يؤدي إلى ما يسميه «فصام مع الواقع»، وهو اتهام تكرر أكثر من مرة لاسيما على المستوى الفلسفي والأكاديمي. وقد ورد تعبير انفصال أو فصام الصورة التلفزيونية مع الواقع عند المفكر الفرنسي جان بودريار، الذي اعتبر أن لكل صورة إعلامية ألوانها الخاصة، وأن الصورة التلفزيونية الفضائية هي «ملونة» أيديولوجيا وسياسياً وجغرافياً ومذهبياً الخ.. وهي صور مُقلّدة للواقع تأخذ منه بعض الجوانب وتضيف إليه ألواناً كثيرة، ومن مظاهر ذلك دور التلفزيونات في فرز المشاهدين على أسس ولاءات سياسية أو حزبية ومذهبية خارج حسابات المنطق والواقع أحياناً، بما يوحي بأنهم لا يعرفون الواقع إلا من خلال تلك الصور التلفزيونية الملونة أيديولوجياً. وبعض المعادلات والمصطلحات في تأثير الصورة التلفزيونية قد تنطوي على مبالغة بنظر آخرين، ولهذا تستدعي مقاربة أكثر واقعية. في كتابه عن «الصورة والتلفزيون»؛ يقول الدكتور عبد الله الحيدري إن «التلفزيون عندما ينقل أحداث المجتمع وتجاربه إنما يصورها تصويراً ملائما لما في أذهان القائمين بالاتصال من رؤى وتوجهات يقوم عليها النظام الاجتماعي، حتى لو أدى ذلك إلى تزوير ما للأحداث والتجارب من خصائص محيطة بها، لأن منطق الإعلام الجماهيري إنما يقتضي الأخذ في الاعتبار طبيعة القوانين التي تحكم المجتمع قبل الاعتناء باحترام القوانين التي تحكم سير الأحداث والتجارب، وهذا ما يجعل التلفزيون نظاماً، لا تنحصر وظيفته في حدود تصوير الواقع بل تمتد إلى صناعته أيضا». قبل وبعد نظريات دوبريه ووبودريار وغيرهما، التي استند إليها أكثر الباحثين العرب في ميدان التلفزيون، لاقت نشأت وراجت بشكل رئيس قبل انتشار عصر الإنترنت وما حملته مؤخراً التكنولوجيا الرقمية والعادات الجديدة في الاتصال. وصحيح أن تكنولوجيا الصورة الرقمية أطلقت قدرات تقنية جديدة لتمثل الواقع وإعادة تمثيله من جديد، لكن ثمة تحولات كثيرة جارية الآن يجب أخذها بعين الاعتبار، كما يجب تتبع انعكاسها على مقدار المحاذير والمخاوف التي تجملها الصورة التلفزيونية. ومن أهم هذه التحولات : 1- أن التلفزيون لم يعد على القدر نفسه من المكانة التي يمتع بها حين كان ملكاً مُتوجاً كوسيلة إعلام جماهيرية حين ظهرت تلك النظريات. ومع ازدياد حصة الإنترنت كمصدر معلومات وأخبار ومعرفة ينتظر أن تتراجع التأثيرات والمحاذير، خاصة في ضوء التقارير المتزايدة حالياً عن نسب المشاهدين لصالح وسائل تكنولوجية وإعلامية أخرى. 2- أن العصر الذهبي للإعلام التلفزيوني ارتكز على التلفزيون كجهاز اتصال (إبلاغ من المصدر أو النظام أو المنتج إلى الجماهير) ولم يكن مطلقا جهاز تواصل، وذلك خلافاً لسمة التفاعل التي تميّز إعلام الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية اليوم. 3- أدخلت التكنولوجيا الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي تطورات نوعية تمثّلت في إخراج صناعة الصورة التلفزيونية من نظامها الاحتكاري القديم، تقنياً وفكرياً، إلى نظام فردي مفتوح يمكن فيه حتى للأشخاص العاديين إنتاج «صورة فيديو» أكثر واقعية وعفوية، ولا تقل تأثيراً ومشاهدة عن أغلى اللقطات التلفزيونية كلفة، وذلك بفضل مواقــع تشـارك الفيديـو ومواقع التواصل عامة. تحديد الانعكاس قد يكون من المبّكر حالياً التحديد الدقيق لانعكاس هذه العوامل الثلاثة في الحد من تأثير الصورة التلفزيونية والإعلام التلفزيوني عامة، لكن الوقت حان للبحث عن أفضل مجالات توظيف الإعلام الاجتماعي والإشكال الجديدة في إنتاج الفيديو والصحافة، والأجهزة الذكية، لأجل التخفيف من التعبئة الأيديولوجية، السياسية والحزبية، لاسيما تلك التي تتلاعب بالجماهير عبر صورها وإعلامها لتستخدمهم وقوداً في نزاعات محلية.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©