الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

نجاة مكي: في تجربتي الفنية أسعى إلى نقل روح الأشياء الغائبة

نجاة مكي: في تجربتي الفنية أسعى إلى نقل روح الأشياء الغائبة
22 أكتوبر 2011 01:44
يجتاحك معرض «إيقاعات ملونة» للفنانة الإماراتية الرائدة نجاة مكي كي يحميك من متاهة أكيدة، وكي يدلك على درب مضاء، هو متاع ذاكرة متبصّرة بلا شك، وهو بمثابة متعة مستعادة ومُرمّمة، قوامها خطوط وكُتَل وتقاسيم توزعت على ثمانين لوحة، هي مجموع ما قدمته مكي في معرضها المقام حاليا في متحف الشارقة للفنون والمستمر حتى الحادي والعشرين من شهر نوفمبر القادم، معرض يأتي بزخمه وثقله في المشهد التشكيلي المحلي ليشكل «علامة فارقة»- حسب وصف مجموعة متاحف الشارقة- الجهة المنظمة والمحتفية بالحدث. يلخص معرض «إيقاعات ملونة» وضمن انتباهات واعية للفنانة الدكتورة نجاة مكي، ما يمكن أن يطلق عليه «تطور التجربة من الداخل»، ذلك أن ما يميز هذا المعرض مقارنة بما قدمته مكي في مسيرتها الفنية الطويلة والحافلة، هو هذا الإبدال المتلاحق والمتدفق والهائج للموضوع الواحد أو المفردة المتكررة، وكأن بنجاة مكي تحول الحقل الدلالي الثابت، إلى شظايا وأشباه ومجاميع من الحقول المرتحلة في سفر متواصل نحو أفق جديد من التأثير البصري والانطباع الرؤيوي المدفوعان برفق نحو براري النوستالجيا، ونحو المسالك المبهمة والمغرية في اللاوعي الجمعي المستعاد من التراث والفلكلور الشعبي. تبدو هذه المفردات التراثية التي جسدتها مكي من خلال ألوان الإكليريك والخامات الفسفورية وكأنها موصولة بروح المكان، لا بأنساقه التوثيقية الجامدة، بل كأن المسحة التجريدية التي طغت على اللوحات، حولت هذه المواضيع التراثية بالذات إلى أطياف سحرية وإلى أنماط تشكيلية ملغزة وفاتنة، لا ترتهن لزمن معين أو لحيز جغرافي محدد، فالبحر عند نجاة مكي مثلا ليس سوى طاقة لونية زرقاء أو خضراء تهيم وتتجلى وتتلاطم على ضفاف طفولتنا البعيدة والمهشمة في ظلال «الفرجان» القديمة، والقمر ليس هو القمر بل طلّته الفسفورية اللامعة في سماء مجهولة وفي ليال يعوي فيها الخوف وترتجف في زمهريرها الأحلام. أما المرأة أو النسوة فيخرجن في لوحات نجاة مكي وكأنهن منبثقات من ضباب الحكاية، ومن فراديس العزلة ليروين لنا بصمتهن الباذخ ما لم تروه لنا آلاف القصص المرعبة من الإقصاء والنبذ والآلام المتراكمة، هي قامات نسوية عالية تترنح بين الغنج والتعب، وفي كلتا الحالتين تعالج مكي بألوانها البراقة والأخرى الداكنة ما يليق ويتواءم مع مزاج المرأة وتقلباتها بين الأفراح والمآتم، وبين النأي المطلق والمعذبّ واللمّة أو الاجتماع القائم على غريزة التواصل السوسيولوجي للأنثى . وللوصول أكثر إلى منطلقات ومضامين معرضها التقت «الاتحاد» بنجاة مكي بمناسبة إقامة معرضها الذي تنبع أهميته من قيمة وثراء ما يتضمنه من تجديد وحفر وتنويع في مسار التجربة الواحدة والبصمة الأسلوبية المتفردة. بداية تحدثت مكي عن عنوان المعرض «إيقاعات ملونة» وعن إيحاءاته ودلالاته الضمنية، مشيرة إلى أن العنوان يلخص رغبتها المكثفة والمتواصلة في نقل التناغم الكوني المحيط بنا من خلال التعامل مع اللون على أنه جزء من هذا الإيقاع الخفي المتداخل مع كل الأشكال والعناصر في الوجود، وأضافت بأن تجسيدها ونقلها لهذا الإيقاع إلى اللوحة تطلب منها اشتغالا حذرا مع مكوناتها كالخط والكتلة والمنظور، وهي مكونات، كما قالت «يمكن من خلال معالجة بصرية وذهنية خاصة أن تنقل لنا روح الانسجام والتواصل بين عناصر تبدو منفصلة ظاهريا مثل البشر والنباتات والأجرام السماوية وحتى البيوت الحجرية والطينية التي تؤوينا». وحول التكنيك الفني الذي استخدمته في تنفيذ لوحات المعرض قالت مكي «حاولت أن أستفيد من طاقة الضوء في خدمة اللون من أجل نقل الزخم الموسيقي والإيقاعي لحركة اللون وتموجاته إلى حواس المتفرج، ومن هنا استخدمت ألوان الإكليريك والألوان الفوسفورية المشعة، القادرة على مزج الشكل بالمعنى، وتحويل الموضوع أو المفردة التقليدية إلى مساحة حرة ومفتوحة على البحث والتجريب الفني داخل إطار التجربة أو الأسلوب الذي لم أتخل عنه بالمطلق، ولكنني ذهبت إلى منطقة تشكيلية جديدة استعنت فيها بتقنيات حديثة، من أجل خدمة مواضيع لصيقة ومرتبطة بتجربتي الذاتية ورؤيتي الشخصية للمرأة وللوجود والذاكرة والتراث». وحول تركيزها في المعرض على استخدام «الغرفة المظلمة» التي تحتضن أعمالها المنفذة بألوان فسفورية مشعة، أشارت مكي إلى أنها استفادت في تنفيذ هذه التقنية الخاصة للعرض من خلال عملها السابق في إدارة الوسائل التعليمية، والتي تعرفت فيها على إمكانات اللون الفسفوري عند تعريضه للضوء في غرفة معتمة، حيث أن اللوحة في هذا الوضع يمكن أن تخلق حالة من الانخطاف البصري والعاطفي التي تجعل المتفرج أكثر قربا وتواصلا مع العمل الفني. وأضافت «لجأت في لوحاتي المعروضة في الغرفة المظلمة إلى وسائل التكنولوجيا المعاصرة، والتي منحتني فضاء أوسع ومساحة أرحب لنقل أفكاري الخاصة إلى اللوحة، والخروج بأعمال أكثر إدهاشا وعمقا مقارنة بأعمالي المنفذة بتقنيات قديمة في السابق» وحول ميلها الواضح لتناول ثيمات تراثية ومعالجتها بأسلوب حداثي، رغم تباعد المصطلحين وتنافرهما ذهنيا، على الأقل لدى المتلقي العادي. أوضحت مكي بأنها تسعى في أعمالها إلى نقل مكونات الفلكلور المحلي والبيئة الطبيعية والتراثية القديمة ليس بشكلها المباشر والفوتوغرافي، ولكن من خلال خطوط وألوان وأشكال توحي أكثر مما تفسر، وتشير وتومض أكثر مما تكشف وتضيء، وقالت «أنا لا أقوم هنا بدور توثيقي أو أكاديمي جامد، ولكنني أنقل روح الأشياء الغائبة والمتوارية في الأيام البعيدة، واستنطق الحنين من خلال ذاكرة لونية لا من خلال صور نمطية ثابتة ومكررة».
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©