الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خطاط لا يتكلم «العربية» أو يعرف حروفها فيشوِّه جمالها

خطاط لا يتكلم «العربية» أو يعرف حروفها فيشوِّه جمالها
10 أكتوبر 2012
بالأمس، كانت اللغة العربية هي لغة الفكر والعلوم والفنون والآداب، تتهافت الثقافات والحضارات في الشرق والغرب على تعلمها وترجمة مراجعها إلى لغاتها القومية، حتى تنهل مما جادت به قرائح العلماء والمفكرين. واليوم أصبحت اللغة العربية غريبة في وطنها، تشكو من هجرة أبنائها لها، خاصة حينما يتعلق الأمر بفنون الإعلان في عالم التجارة والمال، حيث تتناول الحلقة الرابعة من حملة تتبناها «الاتحاد» للتخفيف من معاناة لغة الضاد، احتواء الكثير من اللوحات الإعلانية والتجارية أخطاء إملائية ولغوية، بين أحرف تتساقط أو يتغير موضعها فيضحك من يقرأها، وكلمات تغير المعنى إلى عكس المقصود أحياناً. تفاعل عدد من القراء مع حملة «الاتحاد»، عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخدمات الهواتف الذكية، مطالبين بتكاتف الجهود لتجفيف دموع اللغة العربية على حالها بين أبناء وطنها، واستعرضوا بعض القصص الواقعية، التي لفتت النظر إلى ما يصدر عن بعض العمالة غير العربية العاملة في مجال احتراف تجهيز خطوط اللوحات الإعلانية، حيث أوضح أحد القراء أنه طلب من محل متخصص في تجهيز اللوحات الإعلانية، باسم محل «حصة للملابس النسائية»، فكتبها«هسة للملابس النسائية»، وتعني مسبة باللهجة المحلية، وتحولت لوحات آخرين من «توصيل إلى توسيل»، ومن «قسم الرجال إلى قسم الرحال»، ومن «تصليح إلى تسليح»، ومن«حافلة مدرسية إلى مدرسية حافلة بس»، ومن منظفات إلى منصفات». كما أشارت آراء القراء عن أخطاء بالجملة تحملها آلاف من هذه اللوحات التجارية، منها اللغوية والإملائية والنحوية، أبطالها الأيدي العاملة الآسيوية الذين يعملون خطاطين ورسامين في المحال، وجدوا أنفسهم فجأة في هذه المهنة بسبب نقص المختصين، موضحين أن المتتبع لما يحدث في الواقع، يرى هؤلاء يعتدون بأقلامهم على اللغة العربية ضاربين بعرض الحائط احترام قواعدها وسحر معانيها، على اللوحات الإعلانية والتجارية، في ظل ضعف مهنة الرسام والخطاط بالنسبة للأيدي الوطنية العاملة، حتى مدارسنا لم تسلم من تلك اللوحات والإعلانات المعلقة في الفصول وجدران المدارس، التي تحمل العديد من الأخطاء الشائعة. أخطاء فاضحة ويقول الدكتور سيف المحروقي أستاذ مساعد قسم اللغة العربية في جامعة الإمارات: نتفاجأ بكثير من اللوحات المعلقة في الشوارع بكلمات فاضحة الأخطاء، لا تكاد تراعي شيئاً من القواعد الإملائية أو النحوية أواللغوية، فضلاً عن اللجوء إلى الكتابة باللهجة العامية. ويضيف، انتشار هذه الأخطاء يرجع إلى أسباب عدة، في مقدمتها عدم المبالاة وقلة العناية، وضعف الوعي، كما أن كثيراً من كتّاب هذه اللافتات من الخطاطين أو العاملين في محال الدعاية والإعلان تنقصهم المهارات اللغوية اللازمة، وكون بعض هؤلاء الخطاطين ليسوا عرباً، تشوهت اللغة على أيديهم، وكما عودنا أنفسنا نحن العرب على أن نرطن بالعربية مع العمالة الأجنبية ونحاكي لغتهم العربية المكسرة، مع أن المفروض أن نصحح نطقهم، لافتاً إلى أنه لم يتوقف هذا الهوان اللغوي عند هذا الحد بل انتقل إلى اللوحات التجارية فبدأنا نقلدهم في تلك الأخطاء. أما عن إجراءات الحد من هذه الظواهر المُشوهة فيرى المحروقي أنه لابد من توعية المجتمع، وتنمية الحس اللغوي لديه، وتعزيز مكانة العربية في أنفس الناس، مقترحاً وضع شرط إلزامي لمن يمنح رخصة لفتح هذه المحال، وهو معرفته ومعرفة العاملين معه في المحل باللغة العربية، واشتراط حصوله على شهادة تثبت الصحة اللغوية لأي لافتة يصدرها، وتكون معتمدة من الدائرة الاقتصادية، كما يلزم مراقبة جميع اللافتات، ومحاسبتها مالياً والمطالبة بتصحيحها فوراً. غريبة في وطنها بينما الدكتورة نجوى محمد الحوسني أستاذة المناهج وطرق تدريس اللغة العربية مساعد العميد لشؤون الطلبة ودعم الخريجين كلية التربية جامعة الإمارات، تقول، في يومنا الحاضر، أصبحت اللغة العربية غريبة في موطنها، مهمشة في حضورها، لا يحرص على استخدامها تحدثاً وكتابة إلا القليل من الناس الذين يستشعرون عظيم مكانتها ورفيع مستواها. وتضيف، عندما نفرح بمشاهدة حروفها وكلماتها مكتوبة من حولنا في الشوارع وعلى لافتات ولوحات المحال التجارية فسرعان ما ينفطر قلبنا حزناً على ما نقرأ، فمعظم هذه اللوحات تُكتب من قبل أيدٍ عاملة غير مختصة باللغة العربية ولا تفقه فيها إلا رسم حروفها ونسخ كلماتها. وتعترينا وقتها أسئلة كثيرة، من المسؤول عن تعيين هؤلاء في هذه المهنة؟ ولماذا لا توجد جهة رقابية من البلدية مسؤولة عن التدقيق اللغوي على لوحات المحال؟ لماذا لا تُسن عقوبات تخالف من خلاله الخطاطين الذين يكتبون اللوحات بلغة عربية غير سليمة؟ مؤكدة أن السكوت والسلبية عن هذا الموضوع المهم سيساهم في تغريب اللغة العربية أكثر وأكثر، وسيشجع أصحاب المحال على عدم الاكتراث بهذه الظاهرة الخطيرة التي تفشت كثيراً في إمارات الدولة كافة، وانعكست آثارها السلبية على مستخدمي اللغة العربية. تدقيق لغوي بدوره يلفت جلال مصعبي خبير إعلامي في الدائرة الاقتصادية بأبوظبي إلى أن الدائرة تكثف حملاتها الرقابية على اللوحات التجارية للتأكد من التزام أصحاب المحال بالمقاسات المصرح بها للوحة التجارية، إضافة إلى التدقيق اللغوي على الأسماء المكتوبة على اللوحة التجارية، تحاشياً للأخطاء الإملائية، مبيناً في حالة اكتشاف أي خطأ مطبعي أو إملائي يُطلب من صاحب المحل كتابته مرة ثانية وعدم تعليق اللوحة على المحل إلا بعد التأكد من صحتها وتدقيقها لغوياً، وفي حالة اكتشاف أخطاء إملائية أو لغوية يتم تنبيه أصحابها بضرورة تصويب الأخطاء، كما يتم إلزام بعض المحال برفع اللوحات التي يُكتشف فيها الخطأ، وتعاد إلى وضعها بعد تصحيحها”. ويقول: “تعد اللغة العربية هي لغة الأم التي يجب المحافظة على مكانتها، ومن هذا المنطلق يأتي دورنا في مراقبة تلك المحال التي تقوم بوضع لوحات إعلانية على المحال وفي حالة اكتشفنا خطأ ما، فإن الدور الذي نقوم به هو إبلاغ صاحب المحل بتصحيح الخطأ ووضع اللوحة بعد التصحيح، وقبل وضعها لابد من اعتمادها للتأكد من خلوها من أي خطأ لغوي أو إملائي”. تشديد الرقابة أما أحمد عبد الخالق موجه تربوي فيقول إن انتشار الأخطاء اللغوية في اللافتات المنتشرة على طول الطريق سواء في المحلات التجارية أو الشوارع يدمر اللغة عند الأطفال، خصوصاً من هم في بداية تعليمهم، حيث يكون الطفل في مرحلة تهجئة الحروف، ويُفاجأ بأنه لا يدرك معنى ما يفهمه، فيميل إلى لغة أخرى تكون مفهومة أكثر بالنسبة إليه، مشيراً إلى أنه حتى نتدارك ذلك لابد من تكثيف مناهج اللغة العربية وتطويرها في شتى المراحل التعليمية، وتشديد الرقابة من قبل الجهات المختصة مثل البلديات، ووزارة التربية والتعليم، لحماية اللغة العربية من حالة الاغتراب التي تعيشها في المجتمع المحلي. وأرجع موجه اللغة العربية شيوع الأخطاء اللغوية في اللافتات إلى جهل معظم الخطاطين بالقواعد الإملائية، خصوصاً أن معظمهم ليسوا عرباً، ويعتمدون في كتابتهم على رسم الحروف التي يشاهدونها، بغض النظر عن مدى سلامتها اللغوية. منتقداً عبدالخالق عدم شيوع هذه الأخطاء في اللغة الإنجليزية، وتكرارها في اللافتات العربية بشكل يثير القلق حول مستقبل اللغة العربية أمام الاهتمام المتزايد باللغة الإنجليزية التي أصبحت اللغة الأولى بين الشباب، وفي سوق العمل والمؤسسات التعليمية. وفي السياق ذاته يطالب عبد الخالق بتشديد الرقابة على السلامة اللغوية في اللافتات كشرط من شروط منح الترخيص، وأن تقوم الفرق الرقابية المنتشرة في الأسواق بمخالفة المحال والشركات التي توجد أخطاء لغوية في لافتاتها. بين العربية والإنجليزية ويقول أحمد الحوسني، موظف عن تلك اللوحات التي تعج بالأخطاء، كل من يقود سيارته أو يمشي في أحد الشوارع، قد يلاحظ الكثير من الأخطاء اللغوية والإملائية تملأ تلك اللوحات، مشيراً إلى أن أكثر الأخطاء تقع في دائرة الهمزات، الموصول منها والمقطوع، فتعمل يد الكاتب فيها خلطاً وبعثرة، فالمقطوع منها موصول، والموصول مقطوع لا محالة، وكذا الحال للألف المقصورة والياء في آخر الكلمة، فالمقصور منقوص، والمنقوص مقصور، فعلى تجدها علي، ويصبح علي بقدرة قادر على فلا فرق فيها بين علي وعلى، وآفة أخرى تتأذى منها التاء المربوطة والهاء في نهاية الكلمة، فلا فرق بينهما في اعتقاد ومخيلة القائمين على أمر كتابة اللوحات واللافتات وملصقات الإعلانات. أخطاء متكررة ويفسر إسماعيل العلي مدرس، انتشار هذه الظاهرة بقوله إن الذين يقومون بكتابة هذه اللافتات ليسوا عرباً، وإنما من جنسيات آسيوية لا يعرفون شيئاً عن قواعد اللغة العربية، وهم يقومون بنقش اللافتة من دون أن يعرفوا ما هو مضمونها، ولا عن ماذا تعبر. ويتابع: لو قمنا بجولة داخل أي شارع من شوارع الدولة سنجد أخطاء لا حصر لها، سواء كانت أخطاء إملائية أو نحوية دون أن نعرف من يقف وراء هذه الظاهرة، ملخصاً آلية القضاء على هذه الظاهرة ومواجهتها عن طريق البلدية وتشديد حملات مكثفة ورقابية من الدائرة الاقتصادية، حيث يجب عليها ألا تمنح تصاريح لأي محال أو شركات جديدة إلا بعد إلزامها بكتابة لافتاتها بلغة عربية فصيحة، وبالنسبة للمحال القائمة بالفعل يمكن تطبيق ذلك عند تجديد الرخصة، بحيث لا يُسمح لأصحاب هذه المحال بتجديد رخص محالهم، إلا بعد تغيير عناوين اللافتات بالشكل الذي يحافظ على هوية الشوارع، ويقضي على ظاهرة التغريب بها. وأوضحت هدى حمدان مدرسة لغة عربية أن وجود الكم من الأخطاء اللغوية، خاصة عند الكتابة باللغة العربية، يشير إلى أن الأمر لا يحظى باهتمام واسع من الأفراد القائمين عليها، فالأخطاء التي تتضمنها اللوحات ناتجة عن عدم دراية الخطاط بلغتنا العربية، وهي لا تحتاج إلى مدقق أو متخصص في النحو ليكتشفها، لافتة إلى ضرورة زيادة متابعة الجهات المختصة لما ترتكبه تلك الأيدي من أخطاء في الكتابات والرسومات على اللوحات الإعلانية والتجارية. وأضافت، ساهم ذلك في انتشار الظاهرة، فالمتابعة والرقابة أمران مهمان، وإضافة إلى الأخطاء، جاءت ظاهرة اللغة الأجنبية، ما ينذر بتراجع “العربية” في بلادها أمام اللغات الأجنبية التي أصبحت غريبة، مشيرة إلى أن مهنة الخطاط أو الرسام من المهن التي تحتاج إلى براعة ودقة وحس فني، ولكن الملاحظ أن محال خطاطي ورسامي اللوحات الإعلانية والتجارية، تديرها أيدٍ وافدة من دون رقيب. فرصة عمل دافع عدد من الخطاطين عن التهم المنسوبة إليهم، فهذا خان عبد الرازق الذي كان يكتب على لوحة إعلانية كبيرة، وهو يضع اللمسات الأخيرة على تلك اللوحة، وعند الاقتراب منه، وهو منشغل باللوحة، بادرنا بسؤاله عن عمله في هذه المهنة يقول وهو مبتسم: منذ أكثر من 9 سنوات وأنا أعمل في كتابة اللوحات والخط، وعلى الرغم من أنني لم أدرس اللغة العربية، لكن حين وجدت فرصة عمل في الخط كانت بدايتي هي صنع اللوحات فقط، وكان هناك خطاط آخر من جنسية عربية هو من يتولى خط اللوحات، فيما أتولى تجهيزها وتركيبها، وبعد فترة تعلَّمت منه الخط العربي حتى أصبحت أنا من يكتب اللوحات. وحول ما يكتبه على تلك اللوحات يقول: غالباً ما يأتي صاحب المحل أو الزبون ويطلب مني كتابة ما يريده أو اسم المحل وأنا أقوم بكتابة ما طلب مني وهنا ينتهي دوري. «هواتف للبرع» قلل صاحب محل هواتف، راجو كومار، يحتوي محله على لافتة مكتوب عليها “هواتف للبرع”، بدلاً من “هواتف للبيع”، من أهمية اللغة في اللافتات الإرشادية، مشيراً إلى أن “الهدف من اللافتة هو البيع والتعريف بالمنتج، وتغيير أحد الحروف لا يمثل مشكلة ما دام المقصود من اللافتة واضحاً ولم يتغير. وأكد صاحب كافتيريا للسندويتشات (ع.م) أنه يلجأ إلى مثل هؤلاء الخطاطين ومنفذي الإعلانات لعدم وجود بديل عربي يحترف هذه المهنة، التي يهيمن عليها أشخاص من دول آسيوية، مطالباً الجهات المعنية بالتأكد من ضرورة وجود أشخاص يجيدون اللغة العربية في هذه المحال حتى لا تكون أسماء محالهم ملأى بالكثير من الأخطاء اللغوية. برنامج المدقق اللغوي ذكر صاحب محل للدعاية والإعلان، حميد اختر أنه يعتمد على برنامج المدقق اللغوي الموجود على جهاز الكمبيوتر، خصوصاً أنه لا يجيد اللغة العربية وقواعدها بشـكل جيد، لافتاً إلى أن معظم الزبائن يهتمون في الأساس باللغة الإنجليزية، كونها الأكثر شيوعاً في الأسواق التجارية، وأنه يطالب الراغبين في إعداد لافتات أو وسائل دعاية باللغة العربية بكتابتها في ورقة بخط اليد لينقلها، وتالياً هم من يتحملون الأخطاء اللغوية الناتجة عن ضعف الإلمام بقواعد اللغة العربية. لا يجيدون «العربية» يعترف الباكستاني حميد عبد الشكور، يعمل كخطاط منذ 12 عاماً، بقوله: لا أنكر أن هناك خطاطين يجيدون الخط ولكنهم لا يجيدون اللغة العربية، ولهذا تقع الكثير من الأخطاء، إضافة إلى أن بعض الزبائن لا يهتمون بوجود خطأ في لوحات محالهم التجارية، أما أنا فأحاول مراجعة اللوحة، وإذا اكتشفت خطأ لغوياً أو اكتشفه الزبون، أعيد كتابتها من جديد حتى لو ترتب على ذلك بعض الخسائر المادية.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©