الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

"القاهره والناس" تسبح ضد التيار لجذب الأنظار

"القاهره والناس" تسبح ضد التيار لجذب الأنظار
15 أكتوبر 2015 12:15

حدثت تحولات هائلة في دور الإعلام المرئي المصري، نقلته من حال لآخر، فقد تحول من ممارسة دوره التنويري داخل المجتمع عبر زيادة كم وكثافة المادة الثقافية بأشكالها كافة، الموجهة للمجتمع للارتقاء بمعارفه، إلى دور تحريضي يتسم بقدر عالٍ من السطحية، وإلهاء الناس وإشغالهم بقضايا لا تمس جوهر مشكلاتهم، وهموم حياتهم اليومية.

موضوعيًا، يكاد يكون من الصعب فصل هذا التحول في دور الإعلامي المرئي تحديدًا، عن التحولات التي شهدتها ساحة الإعلام في السنوات الأخيرة من خلال دخول رجال الأعمال بقنواتهم الخاصة من ناحية، وانهيار المنظومة السلطوية الضابطة والحاكمة لهذا الإعلام عقب ثورة 25 يناير، بحيث باتت سلطوية وزارة الإعلام التي ألغيت فيما بعد، محدودة على الفضاء المرئي، بعدما كانت شبه طاغية قبل هذا التوقيت من ناحية أخرى.

وبينهما باتت الرغبة في الإثارة وشد الانتباه الغاية التي تسعى إليها العديد من البرامج والقنوات الفضائية للحصول على الإعلانات، وتمويل الأجور الكبيرة التي يحصل عليها مقدمو تلك البرامج. ومن بين القنوات الفضائية، انفردت قناة «القاهرة والناس» بكونها تجاوزت كل الضوابط ليست الإعلامية فحسب، وإنما أيضًا منظومة القيم الراسخة في الوجدان المصري، وتحديها للقاعدة العامة التي تقول «ليس كل ما يعلم أو يدرك يقال»... أو تلك المؤكدة أن «لكل مقام مقال»، وسمحت لمقدمي برامجها بتجاوز وكسر الخطوط الحمراء، والنتيجة أحداث بلبلة داخل المجتمع، مست أولاً قيمه المحافظة ثم انتقلت إلى الثوابت الدينية للتشويش عليها.

شغلت تلك الفضائية المجتمع ما بين ما يمكن توصيفه بالفجور والانحلال الأخلاقي وإثارة الغرائز في برامج مثل «نفسنة» و«الراقصة» من ناحية، والتشكيك في الثوابت الدينية، وصدقية ناقلي الحديث الشريف، والأئمة الأربعة، في برنامج «مع إسلام» من ناحية أخرى.

صحيح أنها تقدم برامج لها إضافتها النوعية في كشف المستور عن أحداث وقضايا، بما فيها السرقات الفنية والأديبة، إلا أن مد هذا النهج على استقامته للقيم بشقيها الأخلاقي والديني لم يسبقها إليها أحد من قبل. وهنا لا يمكن فصل هذه الحال الصدامية مع المجتمع، عن السياسة الإعلامية لمالك القناة رجل الإعلانات الشهير طارق نور، فالرجل كانت له بصماته في تطوير المحتوي الإعلاني داخل وسائط الإعلام المصرية، وتحديدًا المرئية منذ دخوله هذا المجال قبل عقدين من الزمن، إلا تلك الجرأة ليس لها ما يبرها في برامج قناته المثيرة للجدل، إلا الاستعراض الإعلامي Show لكونه ليس بحاجة إلى جلب واستقطاب إعلانات بوصفه مؤثر بهذا المجال. والقضية هنا كما صاغتها الدكتورة هويدا مصطفي، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، ليست في الحريات العامة، بما فيها الإعلامية وجوبًا وعدمًا، وإنما في أولويتنا كمجتمع في تلك اللحظة من تطورنا السياسي العام.

فالعديد من البرامج الإعلامية وليست تلك القناة فحسب، وإنما أيضًا غيرها لا تعكس أولويات المجتمع المصري في لحظة تعتبر من أحرج لحظات تطوره السياسي، نظرًا لهذا الكم الكبير من التحديات سواء الأمنية أو اقتصادية أو حتى الاجتماعية. إلا أن القناة انفردت بكون برامجها في وادٍ، والمجتمع في وادٍ آخر تمامًا، وليس هذا فحسب، وإنما سعيها الدؤوب أيضًا للمخالفة لتأكيد الحضور الإعلامي وسط فضاء إعلام مشبع تمامًا، والمنافسة فيها صعبة وحادة.

يعود بنا كلام مصطفي لقضية في غاية الخطورة داخل العمل الإعلامي العام، حول كيفية تأكيد الحضور المميز لوسائط الإعلام داخل هذا الفضاء المشبع تمامًا. وهناك آليتان لتأكيد هذا الحضور:

· أولهما: اكتساب الصدقية عند المشاهد أو المتلقي للرسالة الإعلامية من خلال برامج تُشبع فيه روح المعرفة والإحاطة التامة بما يدور حوله من أحداث، لتكوين رأي عام واعٍ ومدرك لما يواجهه من تحديات.

· ثانيهما: مخالفة لطبائع الأمور داخل المجتمع، والسباحة عكس التيار بإثارة قضايا لا يعجز ولكن يتحرج الكثير من إثارتها جماهيريًا من دون ضوابط حتى لا تؤتي بنتائج مخالفة ومشتتة للمجتمع. يبدو أن القناة اختارت الطريق الثاني الأيسر، بخلاف الأول الذي يحتاج إلى مجهود وتراكم مهني عبر مرحلة زمنية معقولة، وصبت رسائلها الإعلامية بهذا الطريق الذي لا يحتاج إلى عناء كبير.

الأمر الذي جعل الدكتور صفوت العالم أستاذ العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام جامعة القاهرة، ينتقد التغطية الإعلامية لبعض بوسائل الإعلام، ووصفها بكونها تأجج الفتن والصراعات داخل المجتمع، وتحديدًا الشباب. ولعل أبرز ثلاثة برامج أثارت قدراً غير مسبوق من الجدل على اختلاف مضامينه، كانت في ثلاثة رئيسة:

الأول: برنامج «مع إسلام»، الذي يقدمه إسلام البحيري، والذي كانت غايته تشكيك العامة من المجتمع في ثوابت الإسلام كما وردت على أيدٍ سواء رواة الحديث الثقات، أو فقهاء وأئمة الحديث الأربعة الكبار. والخلاف بينه وبين الأزهر لم يكن حول جدوى المرجعة الفقيهة من عدمها كما يحاول الترويج له، وإنما كان في التوقيت الذي يتعرض فيها الإسلام لهذا الكم من الافتراءات والهجوم عليه من كل حدب وصوب من ناحية، وأن تلك القضايا ليس محلها الإعلام والعامة إنما حلقات النقاش الجادة، حتى لا نشوش على الناس دينهم، كما قال الداعية الإسلامي خالد الجندي من ناحية أخرى.

ويبدو أن الكثير من الإعلاميين ليس إسلام وحده فهم رسالة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وطالب فيها الأزهر بثورة دينية، على محمل الخطأ وتصريحًا للطعن في الدين من خلال ناقليه إلينا من السلف الصالح. والخطورة هنا أن يُفتح الباب تاليًا على الطعن في القرآن نفسه بعدما طعنت من قبل السنّة الشريفة على حد توصيف الدكتور على جمعة المفتي السابق. إذ سبقه إبراهيم عيسى لهذا المضمار وسخر جريدة اليومية «المقال» لهذا الغرض أيضًا، ما دفع نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أن يطلقوا عليه «شارلي عيسى»، نسبة إلى الصحيفة الفرنسية التي تخصصت في الإساءة والتهجم على الإسلام.

الثاني: برنامج «الراقصة» الذي تأسس على تنظيم مسابقة بين الراقصات في فن الرقص الشرقي لاختيار الراقصة الأفضل من بينهن، وضمت لجنة تحكيم فيه كلاً من الراقصة دينا والكاتب تامر حبيب والفنانة فريال يوسف، قبل أن تقرر القناة إيقاف عرضه في سبتمبر الماضي، إثر حادث رفح، الذي راح ضحيته 11 جنديًا. تبرير القناة آنذاك لوقف البرنامج كان كاشفًا عن عميق انفصالها عن محيطها المجتمعي بقولها في بيان رسمي... «لا تملك سوى وضع الشارة السوداء حدادًا على الضحايا، أما ما يخص البرنامج فهي تعرضه من أجل أن يكون مصدرًا للبهجة الراقية، وتأكيدًا لفن مصري أصيل، وهو ما جعل القناة تقوم بإرجاء عرض بقية الحلقات بسبب هذه الظروف إلى أجل غير مسمى». والمسألة هنا بالإضافة لما ذكره الناقد عصام زكريا، من كون الرقص الشرقي الآن كفن وشخوص لا يمت للفن الراقي بصلة، كما كانت الحال في الماضي، تتعلق بأولويات المجتمع التي يحشد من أجلها الطاقات الموارد، هل هي لمواجهة الإرهاب وإصلاح منظومتي التعليم والصحة، أم للرقص الشرقي...!

الثالث: برنامج «نفسنة» الذي تقدمه الفنانة انتصار وهيدى كرم وشيماء سيف ليثير موجة جدل لا تقل عن سابقتها، بعد أن شهد مواجهة ساخنة حول قضية الأفلام الإباحية. الأيادي المجهولة ! هناك اختلاف حول الأيدي التي تقف وراء تسخين الأجواء الإعلامية من آنٍ لآخر، فهناك من اعتبرها مرتبطة بشبكات مصالح وقيم مالكي تلك الوسائط الإعلامية الجديدة من رجال الأعمال وفنانين، بسبب غياب المنظومة القانونية الحاكمة للمشهد الإعلامي، وقبلها القيمية... فيما اعتبرها البعض الآخر مقصودة من قبل بعض الجهات، لتفريغ الضغوط منعاً لأي انفجار. ردود فعل لم يقتصر الأمر على حد مطالبة ناشطي المواقع الاجتماعية على الإنترنت بالهدوء، ونشروا «هاشتاج» بعنوان «براحه يا انتصار»، قائلين إن القناة تنتهج خطة واضحة لمحاربة الإسلام في مصر تحت لافتة الحرب علي الإرهاب، وسجل أعلى معدل دخول قبل ثلاثة أيام، بل وقدم المحامي السيد الجمصى، رئيس اللجنة القانونية بحملة «مين بيحب مصر»، ببلاغ للنائب العام المستشار نبيل صادق، ضد انتصار يتهمها بالفجور.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©