السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العلاقة بين الوالدين حجر الزاوية الأهم لتكوين شخصيات الأبناء في المستقبل

العلاقة بين الوالدين حجر الزاوية الأهم لتكوين شخصيات الأبناء في المستقبل
22 أكتوبر 2011 23:02
تلقي أساليب معاملة الوالدين للأبناء السلبية والإيجابية بظلالها الكثيفة بشكل مباشر على التنشئة الاجتماعية، وتعد من أهم العوامل التي تلعب دوراً أساسياً في تكوين شخصياتهم. ويرتبط استقرار ونجاح الأسرة في تأدية دورها ورسالتها في المجتمع، وتقديمها العناصر السوية الصالحة من الأبناء يتوقف في الأساس على استقرار الأسرة وترابطها ووعيها بهذه الرسالة، وبإدراك الوالدين خطورة، وأهمية تحقيق بيئة أسرية سوية ومتوازنة، وإكساب الأبناء لغة الحب والود والألفة، إنما يتوقف على يقدمانه من نموذج وقدوة ومثل يكتسبها الأبناء، وتسهم في تحقيق أمنهم وحسن توافقهم، وارتقائهم النفسى والاجتماعي. اختتمت مؤسسة التنمية الأسرية مؤخراً، فعاليات برنامج «العلاقة الوالدية مرحلة المراهقة كخطوة ثانية لمرحلة الطفولة»، استهدف الأمهات، والمقبلات على الزواج، وذلك ضمن أولوياتها الاستراتيجية المتمثلة في تعزيز قيم التلاحم والترابط والتواصل بين أفراد الأسرة، ودعم نظام الأسرة السليمة المبني على الاحترام وتكامل الأدوار والاستقرار الأسري، وتأكيد مفاهيم الانتماء والهوية الوطنية، انطلاقاً من رؤية المؤسسة في رعاية وتنمية الأسرة بوجه عام والمرأة والطفل بشكل خاص. ويهدف برنامج «العلاقة الوالدية»، إلى تعزيز مفهوم العلاقة الوالدية، ومساعدة الأم على اكتساب المعارف والمعلومات المهمة حول طبيعة تفكير المراهق، واختلافات مستويات النمو لديه في مراحله العمرية، ومناقشة أساليب التنشئة الاجتماعية وآثارها على نفسيته الصحية والسلوكية والخصائص النمائية والاضطرابات النفسية لديه والمشكلات الاجتماعية والنفسية والسلوكية التي قد تطرأ عليه في هذه المرحلة، إضافة إلى إكساب الأم مهارات التعامل الإيجابي مع مشكلاته السلوكية، وتعديل الأساليب السلبية الخاطئة في العقاب واستبدالها بالأساليب السليمة الهادفة. صراعات يقول الدكتور نبيل علي محمود، أستاذ علم نفس النمو: «المراهق سريعاً ما يشعر بأنه أصبح كبيراً، ولا يقبل أن يتلقى الأوامر والنواهي من أحد، كما يعتقد أنه يحق له أن يتمتع بالخصوصية التي يتمتع بها الكبار وقتما يشاء، كما يتشوق لإقامة أسرته الخاصة ليمارس من خلالها دور القائد، أو دور المختص بالتنظيم والتدبير، لكنه يدرك أن تعليمه غير المكتمل وقصور يده يحولان دون تمكنه من الاستقلال عن أسرته، وبالتالي حتمية تبعيته لها ورضوخه لتنظيماتها وإمكاناتها، فيقع في صراع نفسى لا تخف وطأته إلا بنصح النفس بضرورة اتباع الحكمة في تخطيط علاقاته مع والديه لحين تخرجه، أو بالنزول الفعلي إلى ميدان العمل لتحقيق الاستقلال الاقتصادي «أو قسط منه»، تمهيداً لتحقيق سائر مظاهر الاستقلال. كما قد تخف وطأة هذا الصراع خلال الفترات التي يغادر فيها الأسرة مؤقتاً وينضم إلى زمرة الرفاق ينظمون وقتهم وأنشطتهم كيفما يشاؤون دون تدخل من الكبار، إلا بقدر يسير. كما أنه يعاني صراع بين التحرر والانضباط، وصراع بين بناء القيم والتمسك بها وبين الواقع، فيشعر بالحيرة الشديدة وبخيبة الأمل لما يرى عليه سلوك بعض الكبار الذين كاد أن يأخذ بعضهم مأخذ القدوة (مدرس، شخص مسؤول، رجل دين، والد أو خال، سيدة مجتمع)، فيقع في صراع من التمسك بأخلاقياته التي اقتنع بها وهو الصغير الناشئ، وبين محاكاتهم، وهم الناضجون الكبار، ولا تخف حدة هذا الصراع إلا بلجوئه إلى كبار من نوعية أفضل يعيدون إلى نفسه السكينة ويطمئنونه على صحة ما اختاره لنفسه من مبادئء وأخلاقيات. وقد ينحو المراهقون منحى آخر، إذ يجدون أن الطريق السهل في أن يتحرروا من القيود والضوابط الأخلاقية والدينية والاجتماعية، لكن سريعاً ما يصطدم هؤلاء الأفراد بالتنظيمات الاجتماعية الراسخة، ويشعرون بأنهم معرضون لكثير من المشكلات التي لا قبل لهم بحلها، بالإضافة إلى شعورهم بفقدان احترام الآخرين من خارج «الشلة»، فيجلب لهم هذا الموقف توترات وصراعات جديدة». علاقة قوية تؤكد الدكتورة سهام أحمد الحطاب، أستاذ علم النفس - كلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر، أن كثيراً من البحوث والدراسات النفسية والاجتماعية، يؤكد أن أساليب المعاملة الوالدية لها علاقة مباشرة بسمات شخصية الأبناء، ووجود فروق بين الأطفال العدوانيين والأطفال غير العدوانيين في أساليب التنشئة السوية، وأيضاً وجود علاقة قوية بين أسلوب التقبل من الآباء والاتزان الانفعالي للأبناء. وتقول الدكتورة الحطاب: «لقد أصبح واضحاً أن أساليب المعاملة الوالدية تترك آثارها سلباً أو إيجاباً في شخصية الأبناء، لا سيما في عمر المراهقة، ويرجع إليها شكل ومستوى الصحة النفسية التي يمكن أن تكون عليه شخصياتهم فيما بعد، فإذا كان الابن يعيش في جو هادئ يسوده الحب والحنان والتفاهم والطمأنينة، استطاع أن ينمو نمواً صحيحاً، أما إذا تعددت مواقف الحرمان وزادت حدتها، فإن شخصية المراهق أو المراهقة، سيعانى الاضطرابات والصراع، وتبقى آثارها مصاحبة لشخصيته عندما يكبر، وسينعكس ذلك على مظاهر سلوكه وسماته الشخصية». بيئة متوازنة وتضيف الاستشارية الأسرية إنعام المنصوري: «إن مثل هذا البرنـامج يهدف إلى تحقيق بيئة أسرية متوازنة، وإكساب الأمهات والآباء المهارات الإيجابية الخاصة في التعامل مع المراهقين. ومن الأهمية تفهم الوالدين، خاصة الأم، طبيعة المراهق ونفسيته، وأساليب التعامل مع سلوكياته وأخطائه بشكل إيجابي، كذلك إكساب الأمهات المعارف العامة حول تأثير الأصدقاء عليه، وأهمية متابعته باستمرار، ومن الأهمية أن تستوعب الأم الخصائص النمائية لمرحلة المراهقة، وكيفية تكوين مفهوم الذات لدى الأبناء المراهقين، ومعرفة طبيعة الصراعات النفسية، والمشكلات الاجتماعية والنفسية والسلوكية خلال هذه المرحلة، وكيفية وتأثير الأصدقاء، والتغذية السليمة، وكيفية التعامل مع مرحلة المراهقة بشكل عام». أنماط متباينة تشير الاختصاصية الاجتماعية بـ»الهلال الأحمر»، مريم الفزاري إلى جانب مهم من أنماط المعاملة الوالدية التي يتبعها الآباء في تربية أبنائهم وتنشئتهم اجتماعياً، وترتبط بالثقافة السائدة في المجتمع، وبشخصية الآباء أنفسهم والمستوى التعليمي والاقتصادي والاجتماعي، وأن هذه الأنماط تتوزع بين النمط الديمقراطي، والنمط التسلطي، والنمط المتساهل الذي يبيح للأبناء أن يفعلوا ما يشاؤون بحرية، فالنمط التسلطي في المعاملة الوالدية يسبب اضطراب نمو وعي الأطفال والمراهقين وتساعد على نمو العدوانية ومقاومة السلطة لديهم، ويتسمون بانخفاض تقدير الذات، وانخفاض في اتخاذ المبادرة وصعوبات في عملية اتخاذ القرارات مقارنة بأقرانهم الذين يتربون في ظل النمط الديمقراطي. لكن النظرة النمطية للمعاملة الوالدية لا تزال سائدة، فالمراهق يكتسب أيديولوجيته وطبيعة تفكيره ممن يحيط به من أشخاص وأحداث، ومن هنا يتضح أهمية إحاطته بالقدوة الطيبة، وفي مقدمة ذلك الوالدان، واكتساب أنماط السلوك الاجتماعي سلسلة تمكنه من الحصول على القبول والخبرة وتحمل المسؤولية، ومن واجب الكبار تدريبه على هذه الأنماط بالتثقيف وبتقديم القدوة، وبإشراكه معهم في المواقف الاجتماعية المختلفة». وتكمل الفزاري:» على الآباء والأمهات أن يدركوا بصفة عامة أن المراهق يتسم بعدم الثبات السلوكي والانفعالي، حيث يتقلب بين الأضداد فيسلك كالأطفال تارة، وكالكبار تارة أخرى، وبين السرور والاكتئاب، وبين الانطواء على النفس والاختلاط بالآخرين، وبين الحماس واللامبالاة، والتسرع في أحكامه، ويزعجه تدخل الكبار في أموره، التي يراها شديدة الخصوصية، إذ يحرص بكل قوته على تدعيم كيانه وتأكيد ذاته، وقد يستمع بحذر وارتياب شديدين للنقد الموجه إليه. ولا يتقبل النصح إلا ممن يثق بهم، كما يتأثر مفهوم المراهق عن ذاته بشدة بنتائج هذه التفاعلات مع الآخرين، وينهال على نفسه باللوم الشديد إذا ما لاحظ بها ضعفاً، كذلك قد يمتد لومه إلى والديه إذا يعتبرهما مسؤولين عما يعتقد أنه قد لحق بقدراته ومواهبه من نواح للقصور كنتيجة مباشرة لطريقتهم في تربيته». الرعاية والضبط والأواصر الأسرية سن المراهقة يحيلنا إلى فكرة صعوبة تنشئتهم الاجتماعية؛ لأن هشاشة التركيبة النفسية الاجتماعية الخاصة بهذه السن تعتبر تربة خصبة للاضطرابات والانحراف، وعادة ما نجد مصادر التنشئة الاجتماعية ـ الأسرة والمدرسة والأصدقاء ووسائل الإعلام وغيرها ـ عادة ما تقدم للمراهق قيماً اجتماعية متناقضة، وغالباً ما تُهمل في تعاملها معه جوانب مهمة من ملامح تطور شخصيته، مما يزيد المراهق تأزماً وقلقاً. ينعكس بشكل مباشر في الرغبة الجامحة لرفض المعايير الاجتماعية المتعارف عليها.‏ فالأسرة تلعب دوراً جوهرياً في تنمية الاتجاهات المتبادلة بين الوالدين والأبناء وفق ثالوث من الروابط «الرعاية والضبط والأواصر الأسرية»، وعلى الأسرة امتصاص فراغ المراهقين من أبنائها من خلال ممارسة كل أوجه العناية الممكنة والمتاحة، نظراً لنزوع المراهق الطبيعي للتحرر من الضبط الاجتماعي. وعزل كل المناخات الأسرية السلبية، والتطرف والإهمال، أو ممارسة محظورات عديدة، أو التحول إلى مسرح للصراع بين الوالدين؛ لأن كل الدراسات المتعلقة بهذا الشأن تثبت وجود علاقة بين قلة الرعاية الوالدية وضعفها ونزوع الشباب المراهق نحو الانحراف، والعكس صحيح. أما مسؤولية المدرسة في التعامل مع جيل المراهقين، فيجب أن تتمثل في الحرص على عدم تهميش فئة المراهقين من خلال تمرير قيم وثقافة ليست غريبة عنهم، ولا بعيدة عن تكوينهم النفسي والاجتماعي، فالمدرسة هي التي تخلق تجارب سعيدة أو مؤلمة في حياة المراهقين من خلال إقصائهم عن محفزات الانحراف.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©