الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آثار مصر … في مواجهة النهب

20 أكتوبر 2013 23:22
مستقبل مصر معلق بتاريخها، ومعلق بكنوزها من الآثار بخاصة. فعلى مدار مئات السنين، توافد السياح من حول العالم بسبب ما سمعوه أو قرأوه عن عجائب وأسرار الأهرامات وأبو الهول ووادي الملوك وغيرها من الآثار المنتشرة في البلاد. والسياحة شريان حياة للاقتصاد المصري يتصل بمعيشة معظم المصريين، سواء كانوا يعملون مرشدين سياحيين أو أصحاب مطاعم أو أصحاب حرف أو أصحاب شركات نقل أو عاملين فيها وغيرهم ممن لا يرتزقون بشكل مباشر من نشاط السياحة. وتاريخ مصر بيده رفاهية أجيال المستقبل في البلاد ومنهم الشباب بخاصة، فهناك أكثر من 40 مليون مصري أعمارهم تقل عن 30 عاماً وهذه الفئة تبحث عن فرصة لحياة أفضل. لكن اللصوص يسطون على مواقعنا الأثرية ويبيعون ما ينهبونه مقابل أعلى سعر، وينتهزون فرصة التسيب الأمني لينهبوا مستقبل بلادنا الاقتصادي وليسرقوا ثروة أولادنا. والمصريون في حاجة إلى الشعب الأميركي وحكومته كي يدعموا جهودنا لمكافحة النهب المنهجي والمنظم لمتاحفنا ومواقعنا الأثرية. وتخيل عالماً اختفى من وعيه الجمعي قصص الملك توت وكليوباترا ورمسيس وغيرها من حكايات التاريخ المصري التي تشكل جزءاً محورياً من تراث البشرية. ومع الأخذ في الاعتبار أن هناك الكثير من تاريخنا مازال مطموراً تحت الرمال ينتظر يداً تستخرجه، فإن احتمالات نهب هذه الكنوز مذهلة. وسرقة الآثار واحدة من أكبر الجرائم في العالم، فهي تأتي بعد تجارة السلاح والمخدرات والرقيق لكن نادراً ما يجري التصدي لها. والآثار المصرية تملأ الأسواق العالمية. فقد تضمنت مزادات في الآونة الأخيرة لدار «كريستي» الشهيرة في لندن ونيويورك عدة قطع أثرية من مصر. ولحسن الحظ، فقد سحبت دار «كريستي» في لندن من المزاد عدداً من القطع الأثرية التي سرقت من مقبرة الملك أمينحوتب الثالث التي اكتشفت في الأقصر عام 2000. وكان بين القطع تمثال نصفي من الحجر الصابوني لأحد المسؤولين المصريين القدماء يعود تاريخه للفترة الممتدة من عام 1793 إلى عام 1976 قبل الميلاد. ورغم القبض على بعض الأشخاص في هذه الحالة وإلغاء مزادات في القدس، فقد تم بيع 126 قطعة أثرية مصرية بعد أن اتصل بهما مسؤولون مصريون، لكن لسوء الطالع، تلاطمت أمواج التراث المسروق على شواطئ أخرى. فبعد اتصالات من وزارة الخارجية المصرية، رفضت دور مزادات أخرى طلبات إرجاء أو إلغاء بيع قطع أثرية قال خبراء إنها مسروقة. ونهب الآثار نشاط قائم منذ قرون، وجريمة سيكافحها المصريون لسنوات قادمة دون شك، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الشعب. وبلادنا مستعدة لاتخاذ موقف قوي، فلا أحد ينسى أبداً المشهد الرائع الذي تشابكت فيه أيدي المصريين من الرجال والنساء والمسلمين والمسيحيين والشباب والشيوخ ليصنعوا حلقة بشرية حول المتحف المصري في وسط القاهرة لحمايته من النهب أثناء ثورة 2011. لكن اللصوص نجحوا، رغم هذا، في سرقة عدد من مقتنيات المتحف. ورغم أن حكومتنا تبذل كل ما في وسعها لاستعادة هذه القطع، فمازال هناك أكثر من 50 قطعة بينها بعض القطع من مقبرة الملك توت عنخ أمون الشهيرة مفقودة. وفي الهجوم على المتحف الوطني للآثار في ملوي في محافظة المنيا جنوب القاهرة، في 14 أغسطس الماضي، سُرقت أكثر من ألف قطعة من بينها تماثيل يرجع تاريخها لأكثر من 3500 عام ومجوهرات تعود إلى عصور الفراعنة وعملات ذهبية تعود إلى الفترة اليونانية الرومانية. وعندما حاولت قوات الأمن التصدي للجريمة، أحرق اللصوص بعض القطع التي لم يستطيعوا حملها ومنها مومياوات. وكان المجلس الدولي للمتاحف ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة قد أدانا أعمال التخريب التي أتت على أغلب محتويات متحف ملوي وعددها نحو 1080 قطعة أثرية استعيد ما يقرب من نصفها بمبادرة من السكان المحليين. وكانت قوات الأمن المصرية قد فضت بالقوة في نفس اليوم، 14 أغسطس، اعتصامين في القاهرة والجيزة لمؤيدي مرسي الرئيس المعزول بعد احتجاجات حاشدة على سياساته. ويخاطر المصريون كل يوم بحياتهم لمنع العصابات المنظمة من سرقة تراثنا. وبلادنا ليست البلاد الوحيدة التي تعرضت لعمليات نهب، فقد تعرض العراق وسوريا وليبيا وبيرو وجواتيمالا لهجمات مشابهة على تراثها الحضاري وآثارها. ولمنع هذه الجرائم على حضارتنا، فإن الأمر يتطلب جهوداً دولية منسقة من «المنتجين» و«المستهلكين». فالواجب الجمعي، في مصر وحول العالم، يقتضي أن ندافع عن تراثنا المشترك. فعلى المؤسسات الدولية والحكومات والشركات وعلماء الآثار وخبراء من مجالات أخرى أن يجتمعوا لبحث كيفية تقديم المساعدة للبلدان التي في حاجة إلى حماية كنوزها الأثرية والحضارية. ونحن نقدر الجهود التي تبذلها جماعات مثل الائتلاف الدولي لحماية الآثار المصرية لكن هناك حاجة لمزيد من الدعم، فالشباب المصري يستحق ما هو أكثر من ذلك ولا مجال لتضييع المزيد من الوقت. د. محمد إبراهيم وزير الآثار المصري وأستاذ المصريات في جامعة عين شمس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©