الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسكندرية..عروس بحر.. تتزين بالتاريخ

الإسكندرية..عروس بحر.. تتزين بالتاريخ
15 أكتوبر 2015 22:35
أشرف جمعة (الإسكندرية) في العالم ما يقرب من 58 مدينة تسمى الإسكندرية، لكن تظل الإسكندرية المصرية الأشهر في التاريخ فهي عروس البحر الأبيض المتوسط بجمالها الفريد واحتضانها الحضارات، وهي واحة العلوم والفلاسفة، ومنتهى تلاقى الثقافات اليونانية والرومانية والفرعونية والقبطية والإسلامية، وبهرت الإسكندر الأكبر بشواطئها الفريدة، وقال عنها ابن بطوطة عندما وصل إليها «هي الثغر المحروس، والقطر المأنوس، العجيبة الشأن، الأصيلة البنيان، بها ما شئت من تحسين وتحصين، ومآثر دنيا ودين»، وقد زارتها «الاتحاد»، بدعوة من هيئة التنشيط السياحي في مصر. مدينة السلام بعد أن استقر المقام بوفود الإمارات، والسعودية، والكويت في أحد فنادق القاهرة «فرومونت هليوبوليس»، وتعارفوا وتناولوا الأطعمة المصرية اللذيذة وألفت الوجوه بعضها كان الموعد مع حافلة تنطلق من قاهرة المعز إلى مدينة الإسكندرية، التي اعتبرتها الـ «يونيسكو» مدينة السلام وأم الثقافات. ومع مرور الدقائق كان أعضاء الوفد الزائر يتخذون مواقعهم داخل الحافلة التي اجتازت طريقاً ممهداً حديثاً في زمن قياسي وصولاً لمدينة الإسكندرية التي تضم معالم شهيرة، منها أكبر الموانئ المصرية البحرية «الإسكندرية»، و«الدخيلة»، ومكتبة الإسكندرية الجديدة، التي تم افتتاحها عام 2002، بالإضافة إلى قلعة قايتباي، ومنارة الإسكندرية التي تعد من عجائب الدنيا السبع لارتفاعها الذي يصل إلى نحو 35 متراً، وظلت هذه المنارة قائمة حتى دمرها زلزال قوي سنة 1375 ميلادية. معلم تاريخي كان الشغف يبلغ بالوفود الخليجية مداه فبعضهم له ذكريات لا تنسى بين دروب مدينة الإسكندرية ويحلم بأن يستعيدها ويقلب النظر في معالمها الشهيرة، ومنهم من لم ير المدينة التاريخية من قبل، ويود مشاهدة الميادين والحدائق والقصور الملكية للاستمتاع بأجوائها، خصوصاً أن الطقس في ذلك اليوم كان معتدلاً، والبحر كان يعانق موجه في استرخاء. وتوقفت بنا الحافلة في منتصف النهار عند قلعة قايتباي، التي تقع في منطقة بحري أقصى غرب مدينة الإسكندرية، والتي شيدت في الموقع القديم لفنار الإسكندرية الذي تهدم سنة 702 هجرية إثر الزلزال المدمر الذي وقع في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وقد بدأ السلطان الأشرف أبو النصر قايتباي بناء هذه القلعة في سنة 882 هجرية، وانتهى من بنائها في غضون عامين، وكان سبب اهتمامه بالإسكندرية كثرة التهديدات المباشرة لمصر. حجارة عتيقة وقفنا أمام القلعة وشاهدنا سورها العتيق وولجنا من بابها الرئيس، حيث لها مداخل عدة، لكن اللافت أن الممر الطويل الذي يسبق القلعة من الداخل كانت تنتشر على جانبيه أشجار النخيل والمدافع القديمة التي طليت بمادة سوداء تحفظها من تقلبات الزمن، وعلى الجانب الأيسر تلوح غرف الجنود الذين كانوا يحمون القلعة، وعددها 33، ومن الأمام كانت تظهر معالم القلعة ببنائها الشامخ وحضورها المتجدد، ومن فوقها يرفرف علم الدولة المصرية، ومن خلفها كان البحر يعلن وجوده الدائم المتجدد فيبعث النسيم ويلطف الأجواء، وأكثر ما يلفت النظر إلى القلعة بفضائها الواسع ومبانيها العالية حجارتها العتيقة المربعة الضخمة التي تستند إلى بعضها، فتشتبك بالجذور الممتدة في التاريخ لتمثل إضافة جوهرية إلى الجمال في هذا العصر. ومن بوابة طولية كان الدخول إلى القلعة، حيث ممر طويل وواسع على جانبه الأيمن مسجد القلعة، الذي لا يزال يحتفظ برونقه القديم، لكنه تحول إلى مزار وفي الجوانب الأخرى كان الصعود إلى الأعلى من خلال دهاليز تضيق، ثم تتسع في النهاية، وهناك كانت تظهر فتحات صغيرة يُرى من خلالها البحر والأفق الكبير، وعلى السطح سور طويل بعرض القلعة يطل مباشرة على البحر، وفي الأسفل كانت الصخور الضخمة تتمركز على الشاطئ. موقع استراتيجي بنيت قلعة قايتباي على مساحة 17550 متراً مربعاً، وقد بنيت على هذه المساحة أسوار القلعة الخارجية واستحكاماتها الحربية، وهي عبارة عن مجموعة من الأسوار شيدت لزيادة تحصين القلعة، ولأن قلعة قايتباي بالإسكندرية تعد من أهم القلاع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، فقد اهتم بها سلاطين وحكام مصر على مر العصور، ففي العصر المملوكي نجد السلطان قنصوه الغوري زاد من قوة حاميتها وشحنها بالسلاح والعتاد، ولما فتح العثمانيون مصر استخدموا هذه القلعة مكاناً لحاميتهم واهتموا بالمحافظة عليها، وجعلوا بها طوائف من الجند المشاة والفرسان والمدفعية ومختلف الحاميات للدفاع عنها، والدفاع عن بوابة مصر بالساحل الشمالي، ولما ضعفت الدولة العثمانية بدأت القلعة تفقد أهميتها الإستراتيجية والدفاعية نتيجة ضعف حاميتها حتى استطاعت الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت الاستيلاء عليها وعلى مدينة الإسكندرية سنة 1798م، الأمر الذي أدى إلى الاستيلاء عليها ومنها استولوا على باقي مصر، ولما تولى محمد علي باشا حكم مصر عمل على تحصين البلاد وخاصة سواحلها الشمالية. مسرح ومكتبة في عصر يوم الرحلة كان الموعد مع المسرح الروماني الذي لا يزال يسجل اللحظة التاريخية ذاتها إبان إنشائه، فهو أحد آثار العصر الروماني وقد تمت إقامته في بداية القرن الرابع الميلادي، والمبنى مدرج على شكل حدوة حصان، ويتكون من 13 صفاً من المدرجات مرقمة بحروف وأرقام يونانية لتنظيم عملية الجلوس، أولها من أسفل ويتسع لنحو 600 فرد، وفي أعلى المدرجات 5 مقصورات لم يتبق منها سوى مقصورتين، وفي ساحته نزل ممثلو الوفود الخليجية لالتقاط الصور التذكارية. ومكتبة الإسكندرية من المكتبات العريقة، فهناك مكتبة الإسكندرية القديمة، وقد افتتحت الجديدة عام 2002 لتعيد إلى الأذهان الدور الثقافي للمكتبة في التنوير، واشتمالها على ملايين الكتب التي تمثل الثقافات والحضارات، وكانت المكتبة القديمة التي عرفت باسم مكتبة الإسكندرية الملكية أو المكتبة العظمى كبرى مكتبات عصرها وشيدها بطليموس الأول، ويقال إنه تم تأسيسها على يد الإسكندر الأكبر، لكن المكتبة في ثوبها الحديث تتماشى مع مقتضيات العصر التكنولوجي إذ تمت إعادة إحيائها بالاشتراك مع وكالة اليونسكو، حيث تم بناء المكتبة من جديد في موقع قريب من المكتبة القديمة. فندق بطابع قديم بعد ساعة من التجول في أبهاء مدينة قلعة قايتباي عدنا إلى أحد فنادق الإسكندرية العتيقة وهو هليتون بلازا الذي تميز ببنائه القديم، إذ احتفظ بلوحات الزمن الجميل فهو متسع من الداخل، وتتوزع فيه المطاعم بشكل بديع، ويحفه مركز للتسوق في منطقة «سموحة»، وفي هذا المكان تكثر الحركة وتجد الكثير من الراجلين الذين يقصدون الكورنيش حيث الجلسات العائلية والاستمتاع بالطبيعة البكر. مشهد صياد من المشاهد اللافتة أثناء زيارة قلعة قايتباي وجود أحد الصيادين الذي بلغ به الجهد حتى هبط من قمة القلعة الشماء إلى أن وصل إلى الصخور الكبيرة التي تترامى أمام الشاطئ الملاصق للقلعة من الخلف، وقد وقف بين الصخور في مهابة يضع شباكه في الماء وينتظر رزقه من السماء ومن خير البحر، وهذا المشهد لفت نظر معظم زوار القلعة في هذا اليوم إذ اختلسوا النظر لطريقته في الصيد، والتي جشمته الصعاب. دليل الرحلة منذ وصول الوفود الخليجية إلى أرض مصر، وأحد المثقفين الموفدين من قبل هيئة التنشيط السياحي سالم عبدالقوي، يلازمنا ويقدم لنا المعلومات الثرية عن التاريخ الفرعوني، والذي يدعو إلى الاندهاش من قدرته على التوغل في قضايا تاريخية شائكة، ومن ثم تقديم الحقائق الخاصة بها مقرونة بدليل، فضلاً عن أنه تعامل مع جميع المشكلات الطارئة بلباقة وحسن تصرف، وفي الإسكندرية لم يكن محمد أمين الدليل الثاني الذي اصطحبنا إلى معالمها أقل في غزارة المعلومات التاريخية ومن ثم تذليل الصعوبات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©