الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رامبو يتعب رفعت سلام

رامبو يتعب رفعت سلام
11 أكتوبر 2012
صدرت أخيرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب “الأعمال الشعرية الكاملة” للشاعر الفرنسي الشهير آرثر رامبو، من ترجمة وتقديم الشاعر رفعت سـلام. ويقع الكتاب في 650 صفحة من القطع الكبير، متضمنة ملفا يحمل عنوان “وجوه رامبو”، يحتوي صور رامبو في مراحل حياته المختلفة، منذ طفولته حتى وفاته، ورسومًا قام برسمها أو رسمها له أصدقاء وفنانون كبار، من بينهم “فيرلين”، و”ليجيه” و”بيكاسو”. وبهذه المناسبة أقيم بمقر الهيئة ندوة عن الكتاب، شارك فيها مترجم الكتاب الشاعر رفعت سلام، والشاعر محمود قرني، ود. نسرين شكري، وأدارها الشاعر السماح عبد الله، وقد عقب الندوة حفل توقيع للكتاب. بدأ السماح الندوة بقراءة نص لرامبو يقول فيه: “اغفر لي يا أبي في أسواق القرية، وأنا شاب كنت أبحث لا عن التصويب المبتذل، حيث كل طلقة رابحة بل عن المكان المليء بالصراخ، حيث الحمير متعبة الأجناب، كانت تكشف عن ذلك الأنبوب الطويل الدامي الذي ما أزال لا أفهمه”. في مستهل الندوة قال رفعت سلام: “إنه آرثر رامبو طفل القصيدة المتمرد مفجر الصورة الشعرية ومفتتها، صاحب الطبخة الغريبة على مائدة التذوق الحداثي للقصيدة المعاصرة، أحد ابرز أركان الشعرية في المائة وخمسين عاما المنقضية، أكثر شعراء الحداثة إثارة لشهية المترجمين حيث تم ترجمة شعره للعربية مرات ومرات”، ويسأل سلام: ما الذي في شعر رامبو أو في شخصيته يثير كل هذا الاهتمام؟، ويجيب: “رامبو بعد قرن ونصف ما أكثر الأسئلة ما أقل الأجوبة”، لنكتشف أن مائة وخمسين عاما ليست كافية للإجابة على كل الأسئلة التى تثيرها حياة رامبو وقصائده وشخصيته. ويضيف سلام “نص رامبو لا يستنفد على مر الدراسات والأبحاث والسنين والأجيال العاكفة عليه، ولم تخطر الحماقة ببال أحد فيعلن أنه قال أو كتب كلمة أخيرة نهائية فيما يتعلق بتضاريسه”. لكن رفعت سلام يواصل نشاطه التفاعلي الكبير ليضيف للمكتبة العربية جهدا آخر، وهو الأعمال الشعرية الكاملة لآرثر رامبو والترجمة هذه المرة تتضمن من النصوص والقصائد ما لا تتضمنه أية ترجمة سابقة لرامبو، بالإضافة إلى أهم مراسلاته، كما ضمت صفحات الكتاب أكثر من خمسين صورة فوتوغرافية وبورتريه لوجوه رامبو المختلفة لرامبو بريشة عدد من التشكيليين. اكتشاف وقال رفعت سلام عن تجربته في هذه الترجمة الكبرى لأعمال رامبو: “تجربة سفري إلى الجزائر ـ مراسلا صحفيا لوكالة أنباء الشرق الأوسط ـ تجربة مهمة من زوايا مختلفة، فكان لدي من الوقت ما يسمح لي بطرح الأسئلة على نفسي، وهل من المعقول ألا يكون لدينا ترجمة للأعمال الكاملة لشاعر بحجم بودلير أو رامبو، وكيف يحدث ذلك ولدينا الآلاف من دارسي الأدب الفرنسي، وهنا طرأت على بالي فكرة ترجمة “بودلير” وكلما قطعت شوطا اكتشفت أن عليّ استكمال أشياء أخرى، وحين قلت لنفسي إنهما ديوانان صغيران، انتهى الأمر بكتاب لا يزيد عن 900 صفحة من القطع الكبير”. وأكد سلام أن لديه ملاحظات حول ترجمة رامبو للعربية رصدها بينه وبين نفسه، “أقول إنها لم تقدم رامبو على النحو الدقيق، ووجهة نظري أن ما نتلقاه بالعربية ليست أعمال رامبو، وإنما التكوين الذي يصنعه المترجم لأعمال رامبو، وهناك عدة عوامل تؤثر فيها منها ثقافة المترجم، وأتصور إنه يجب أن يكون هناك خيال موازي لخيال رامبو، هو خيال الشاعر لأن خيال الشاعر الأجنبي لا أستطيع نقله كما هو، أما حساسية الترجمة فحدث ولا حرج، فإن لم أنقل إليك كقارئ هذه الروح المتفجرة وهذه الحيوية، فلابد أنني سأكون فاشلا. لقد تعلمت من الترجمات، حين أرى أن المترجم ينقل بلغة تقليدية أو يدس نصوصا أو أقوال مأثورة في النص مع شاعر يتجاوز البلاغة، أقول لنفسي: إن هذا مترجم لم يفهم هذا الشاعر وتعامل مع الشعر على أنه نصوص يترجمها فحسب، وهذا كان يحفزني أكثر أن أترجم ترجمة أخرى، وما فعلته مع بودلير فعلته مع رامبو من حيث السيطرة أولا على المادة، ففي النشر الفرنسي سنجد طبقات متعددة فى النشر، وهي محققة لكن بلا تلك التفاصيل التي تضيء النص الشعري، الأعمال الشعرية الكاملة لا تقل عن 1200 صفحة، وبالنسبة لرامبو اعتمدت على مرجع، وفي جميع الحالات لا يمكن ان يعتمد الفرد على مرجع واحد، وهذا المرجع مليء بالتفاصيل التي تفوق خيال المترجم، فأحيانا لديهم تفسير كل شيء فى النص”. وتابع سلام: “هذا الكتاب يضم الأعمال الشعرية الكاملة ـ على وجه الحصر ـ لآرثر رامبو من المهد إلى اللحد، بل إن فيه أعمالا لا تنتسب تماما للشعر، مثل نشرهم لكراريس رامبو في الإعدادية وواجبات البلاغة صوروها كاملة، وموجودة في الكتاب، وقد اخترت منها الأعمال المتعلقة بالشعر. في فرنسا يتعاملون مع المبدع بكل جدية. هذه الدراسات كانت مكتوبة باللاتينية وقد اعتمدت على الترجمة الفرنسية لهذه النصوص وترجمتها للعربية، وفي كل مرحلة يترك رامبو وراءه مخطوطات، ولم ينشر فى حياته غير قصيدة أو اثنتين فقط من كل هذا، وكتب رامبو أولى قصائده وهو ما زال في المدرسة ولم يدخل باريس، وآخر قصيدة كتبها في حياته تعتبر قصيدة تاريخية، كل ذلك موجود في أعماله الكاملة، ويضم الكتاب عددا من المراسلات التي تكشف موقفه من الشعر منذ العصر الرومانتيكي حتى بودلير، وخلال هذه الرحلة مع الشاعر تناثرت بعض المصطلحات النقدية وبعض الأسماء، فقمت بعمل قاموس لها في آخر الكتاب، أما الختام فهو إضاءات لبعض التركيبات أو الصور التي وردت ووجدت إنها تحتاج لهذه الإضاءات”. مقارنات وعن ترجمة رفعت سلام الأعمال الكاملة لآرثر رامبو قال محمود قرني: “رفعت سلام مترجم هذا السفر المهيب “أعمال رامبو الكاملة” ليس لديه تواضع ميللر ولم يعترف بفشل من أي نوع، وإن اعترف بصعوبات الترجمة مع تعدد واختلاف المظان التي رجع إليها، إلا أنه وهو المسبوق بترجمات ثلاث لهذا السفر، فقد دعا بتأدبه المعلوم رفاق الدرب إلى اعتبار ترجماتهم ليست القول الخاتم في مسيرة الترجمة، ولكنها تتمات تتكامل، وقد عقدت ما استطعت من مقارنات بين ترجمة خليل الخوري وبعض نصوص عبد الغفار مكاوي وغيرها من الترجمات إلى جوار ترجمة سلام نفسه، وأظن أن هذه الترجمات تعكس مزاج مترجميها المؤتلف أحيانا والمختلف في معظم الأحايين، وقد رفض سلام من البداية منهج التحقيقات ومن ثم الترجمات التي تكتظ بشتى التفاصيل الببلوجرافية والهوامش والشروح والتأويلات، واختار ألا يكون عمله قراءة متعسفة للنص الشعري وما وراءه من تاريخ، ويرى أن هذا التعسف يطفئ وهج الشعرية، ويرى أن عمله يخرج من نطاق التحقيق إلى نطاق الترجمة، وظل رفعت سلام حائرا أمام سؤال كل مترجم ألا وهو كيف يمكن التوفيق بين الدقة والسلاسة، كيف يظل النص الشعري شعريا رغم كل صعوبات الترجمة؟ غير أنه لم يدع فضلا لنفسه عبر الإضافات التي تدخل الترجمة العربية للمرة الأولى، لذلك فإن سلام يؤكد على أن أحدا لا يجب أن يزعم امتلاك الكلمة الختامية بشأن شاعر بهذه القامة، فالمؤكد كما يشير سلام فى مقدمته أن دور النشر الفرنسية تصدر كل بضعة أعوام تحقيقا جديدا لأعمال رامبو بلا اكتفاء أو انتهاء، فأعمال رامبو حسب تعبير سلام غير قابلة للنفاد كأنها تجدد نفسها ذاتيا عبر الأجيال”. متن الكتاب تتصدره ثلاث مقدمات تحت عنوان “ما قبل الشعر”، كتب الأولى المترجم، وتتعلق بمنهج الترجمة، وبعض ملامح السيرة الإبداعية لرامبو، وبضع ملاحظات على الترجمات السابقة. وتمثل المقدمة الثانية سيرة ذاتية وشعرية لتحولات رامبو، سواء خلال إقامته بفرنسا، أو بعد مغادرتها إلى عدن وهراري. أما المقدمة الثالثة، فهي ترجمة لما كتبه بول فيرلين ـ أخلص أصدقاء رامبو ـ عن شعرية رامبو. أما القسم الشعري من الكتاب، فيبدأ بالكتابات المدرسية، المستمدة من كراسات رامبو، والتي كتبها كنوع من “الواجب المدرسي”، في مادة “البلاغة”. ثم تأتي كتاباته الأولى: “نثريات إنجيلية”، “سردية”، “قلبٌ تحت جُبة كاهن”، “صحارى الحب”، التي تتسم بسردية شعرية يعتبرها البعض بدايةً لقصيدة النثر لديه، واستكشافًا للإمكانيات الشعرية الكامنة في السرد النثري. ويضم قسم “القصائد” ما تلا هذه المرحلة من نصوص شعرية “موزونة”، هي التي منحته المكانة المرموقة في تاريخ الشعر الفرنسي.. منذ قصيدته “هدايا الأيتام في عيد الميلاد”، أولى قصائده المنشورة، مرورًا بقصائده الشهيرة، وصولاً إلى آخر قصيدة كتبها في حياته، ولم يسبق ترجمتها إلى العربية. ويقدم قسما “الألبوم الملعون” و”البذاءات” أيضًا ما لم يسبق ترجمته إلى العربية من قبل، واستبعده المترجمون العرب من ترجماتهم لأعمال رامبو.. وتمثل قصائد القسمين وجهًا غير مألوف من شعرية رامبو، يمتزج فيه العبث باللعب اللفظي بالسخرية اللاذعة. ويختتم القسم الشعري بترجمة العملين الشهيرين: “فصل في الجحيم” و”إشراقات”. أما ما بعد الشعر، فيضم عددًا من الملاحق الهامة: رسائل رامبو التي تكشف رؤيته الشعرية والإبداعية، وتصوراته لماهية الشاعر ودوره؛ ملف بروكسيل الذي يتضمن وثائق المعركة التي دارت بينه وبين فيرلين، وانتهت بفيرلين سجينًا في بلجيكا بعد أن أطلق الرصاص على صديقه الحميم، وبرامبو مهاجرًا من أوروبا بأسرها إلى مجاهل المشرق؛ إضاءات القصائد بالملاحظات المختلفة، الفنية واللغوية والتاريخية، التي تساعد على الولوج إلى عالم النص الشعري؛ فيما ينتهي الكتاب بقاموس للمصطلحات والأعلام التي وردت في ثنايا الكتاب، مُرفقًا بصور الأعلام والتعريف بكل منهم. وقد سبق للشاعر رفعت سلام أن قدم “الأعمال الشعرية الكاملة” لبودلير (2010)، فيما قدم العام الماضي “الأعمال الشعرية الكاملة” لشاعر الإسكندرية اليوناني قسطنطين كفافيس.. فضلاً عن تقديمه ـ منذ ثمانينيات القرن الماضي ـ للأعمال الشعرية لكل من ماياكوفسكي وبوشكين وليرمونتوف وريتسوس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©