الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القصة القصيرة.. المرأة بحكايتها الغامقة

القصة القصيرة.. المرأة بحكايتها الغامقة
11 أكتوبر 2012
القصة القصيرة هي المرأة بحكايتها الغامقة، وغموضها المتغلف خلف السطور والكلمات، هي بوحها المبجل، وسردها المختزل لمكنونات نفسها في مجتمع كان إلى وقت قريب يرغب في إسكات صوتها الذي بدأ يتمرد بالبوح. القصة هي الفضاء الذي امتد أمام الكاتبة لتقول ما ترغب في قوله بعيداً عن تفاصيل تعرفها وتكشفها لأعين القارئ، لذا كانت ملاذا آمناً، ومرفأ دافئاً لبوحها الجميل. بهذه الكلمات المؤثرة بدأت القاصة عائشة الزعابي حديثها عن القصة القصيرة في الإمارات، لتضيف: “أحببت كتابة القصة القصيرة لأني تلك الأنثى المغلفة بأستار العادات والتقاليد، والمتسترة خلف اسم مستعار إلى أن حان وقت لا أحتاج لهذا التخفي، ولم تعد الكلمات تغريني لمساحات من البوح المختزل. وصرت أجد مساحات أرحب تستقبلني لكتابة قد تمتد وتمتد لتأخذ شكلا جديدا يعد بنهار ثقافي آخر سيحمل وجها جديدا للكتابة الأنثوية الإماراتية في المستقبل القريب”. بداية وتتابع وتلفت القاصة عائشة الزعابي إلى ارتباط القصة القصيرة من حيث النشأة بتاريخ نشأة الدولة الفتية ومن هنا فإن “عمرها التاريخي ومنجزها الحضاري لا يزالان في طور التطور والنمو، والسائرون على درب الكتابة القصصية جاؤوا متتابعين على نهج من بدأها أمثال عبد الله صقر وشيخة الناخي باعتبارهما رائدا القصة القصيرة في الدولة”. وترى الزعابي أن “دراسة القصة القصيرة في دولة الإمارات ترتبط بظروف النشأة، والتكوين الثقافي الذي ظلل البلاد في تلك الفترة، كما ترتبط بوتيرة الحياة التي سادت آنذاك، والقضايا المجتمعية التي شغلت أذهان الكتاب من الجنسين”. وعن سبب احتلال القصة القصيرة هذه المكانة المميزة في المشهد الثقافي تقول عائشة الزعابي: “لا شك أن القصة القصيرة أخذت مكانتها في المشهد الثقافي لخصائصها التي تميزها عن باقي الأجناس الأدبية، حيث الحدث المكثف، والفكرة المركزة، وربما وجدها البعض مجالا خصبا لإظهار البراعة في الكتابة الأدبية الاحترافية، حيث يصعب التكثيف في الفكرة والحدث، مما يجعل هذا الميدان له أبطاله المتمرسون”. وتلمح الزعابي إلى أن تبوء القصة القصيرة لهذه المكانة “يتناسب مع عمر وجودها في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للدولة، ومع الدور الذي لعبته في الحياة الثقافية، فهي صورة عاكسة للحياة، وتلائم النمو السريع الذي شهدته وتشهده الدولة، حيث الحدث السريع، والفكرة المركزة. علاوة على ما سبق يمكن الإشارة إلى أن القصة القصيرة تعد قريبة من الذائقة القرائية على المستوى العام لقربها من النفس، حيث نرى فيها صورة لحياتنا المتنامية، ومعبرة بشكل جيد عن التحولات المجتمعية التي تشهدها الدولة. القصة القصيرة في دولة الإمارات جاءت لتخدم المجتمع، وتعبر عن رؤاه وتطلعاته كما عبرت بصدق عن مشكلاته، وهمومه الخاصة”. وتنبه الزعابي إلى أن “التجربة الثقافية المحلية لا تزال صغيرة العمر، ولا يمكن قياسها على تجارب أخرى عريقة مثل تجربة مصر وبلاد الشام، حيث يتيح التنوع الثقافي والسياسي والاجتماعي لامتداد القص ليتحول لسرد ممتد، ورواية تتتبع التفاصيل الكثيرة لحياة الناس، وتحولاتهم الاجتماعية خلال العديد من السنوات والعقود لا نجد لها مثيلا على المستوى المحلي”. وتعلق عائشة الزعابي على القائلين بأن الاستسهال ربما يكون وراء شيوع القصة وانتشارها: “لا أدرك لمعنى الاستسهال في الكتابة سوى محاولات مشروعة لأي كاتب أو مثقف ليتيح للآخرين مشاركته إبداعه الفكري، وطرح أفكاره ورؤاه لقراء مختلفين قد يتفقون معه، أو يختلفون، فالكتابة التي لم تنجح على المستوى النقدي المنظِّر قد تنجح على المستوى القرائي للجمهور، وهناك الكثير من الأدلة الأدبية التي تعكس هذا الانقلاب العام في قضية من يكتب؟ ولمن يكتب؟ فلم تعد المعايير النقدية للقصة القصيرة هي التي تعلن عن بروز كاتب أو موت آخر، فالساحة تتقبل كل الكتابات كما صارت تتقبل كل الفنون، ولم تعد المنظرات النقدية تأخذ دورها إلا في حدود ضيقة لا تؤثر إلا قليلا في المشهد الثقافي”. توابل الحروف وتذهب القاصة شيخة حمد الرويحي إلى الاقتران بين كتابة القصة والرغبة في التعبير عن مكنونات الذات لا سيما في مرحلة الشباب التي تتميز بالاندفاع والرغبة في ممارسة الحرية على صعيد الكتابة: “تغمر الكاتب في هذه المرحلة أساطير من بوح، فتجدينه يجزل السرد قصصا، وعمقا وارتواء، ويتحرر بين مفرداتها بكل سلاسة حين يقيده بحر أو قافية، فهنا قد يقف محبطا عند عتبة فكرة خنقت بقواعد لا بد منها لأحكام شعرية، فيجد المنفذ في منافذ القصة، بأركانها، ولربما لأن في كل نفس قصة وقصص...”. وتضيف: “بالنسبة لي مضى عهد مديد كان الشعر لي مأوى ووطنا، وكان بوحاً من شدة سخائه كدت لا أتقن الحياة بطبيعتها إلا بشعر نثري في كل موقف. لا مجال للحكم بالتساوي أو بأفضلية الشعر على القصة.. ولكن الذي يحكم كون أحدهما دارجا أكثر بكثير هو العمق العاطفي والمشاعر والحالة التي يكون عليها ربّان الكلمة. بالنسبة للروايات قليلة هي الميول نحو كتابتها وقراءتها لأنها من طولها قد يتأثر العقل والروح بهما لوقت طويل فتتأثر الكلمات التي سيخطها الكاتب بعدها فتأتي على وتيرة تلك الرواية”. وتلفت شيخة إلى أن القصص “وجدت لها ترحابا لا بأس به وفقا لحجمها ورسالتها، خصوصا تلك القصص التي تحكي جميع قصاصاتنا ولكن بنكهة حروف فاقت الخيال، تبعا للمتذوق حسب ذائقته”. أما عن حضور المرأة في المشهد القصصي فتقول: “المرأة مشاعر، والبوح شعر، والساحة مكتظة بتوابل من حروف لرجال ونساء، ولكن تبقى المرأة “ونيسة” القصص، تستقي منها الحروف حقيقة الحدث، وبلاغة الوقت، وجلادة الصفاء في هدأة الحنين. المرأة مرايا قصص، وتحسن بها سردا وتأنس لوجودها الأهداف، حين تحضر قصة، وترويها امرأة فلا عجب أن الحروف ستبايعها امتثالا وجودة ورقياً. نعم لذلك المرأة حكّاءة فبها تزدان القصص”. وعن تجربتها مع القصة تقول: “لي من القصص ثلاث حتى الآن ومن الشعر صحف، ولكن ولشدة حبي لتلك القصص قمت بدمجها في قصة طويلة واحدة، ليست قصة حقيقة وإنما ميلادي وطفولتي ولم أنتبه بأنني رسمت المستقبل أوجاعا من حروف وهكذا حدث. القصة أنا وهي تسردني، كلما آن الأوان للقصة أن تتجلّى كنت قصة لحظتي، فأنا والقصة بوح آخر أبوح لها حينما لا تريحني العقول حضورا إلا بازدراء، فأكتفي بها وأعلن رايات الوفاق للحياة بها ونظل نريق همساتنا زعيقا حتى يزهر الفجر، وتينع الشمس”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©