الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عنصرية الفكرة.. والتفسير

عنصرية الفكرة.. والتفسير
11 أكتوبر 2012
يقول مؤلف هذا الكتاب: “لماذا العداؤون البيض يجرون بأقل سرعة من العدائين السود؟” Pourquoi les blancs courent moins vite إنه تردد قبل قراره جمع مواد كتابه ودفعه الى النشر لأن موضوع الكتاب قد يقع تأويله، وربما قد يذهب البعض الى حد اتهام الكاتب جون فيليب لوكلير Jean-Philippe Leclaire بالعنصرية ضد ذوي البشرة السوداء من الرياضيين وخاصة منهم العدائين. والمؤلف يعترف بأن تطرقه الى موضوع تفوّق السود من العدائين على العدائين البيض في كل المسابقات وعلى مر السنين والأعوام، فيه مجازفة منه لحساسية المسألة. فهو يريد البحث عن أجوبة علمية لهذا التفوق الدائم، ويؤكد بأنه لا يبحث عن الإثارة أو تبني الآراء السطحية المتداولة، ولذلك حاول ان يكون موضوعيا في سعي جدي منه الى الاقتراب من الحقيقة ان وجدت. ومؤلف الكتاب جون فيليب لوكلير هو صحفي محترف منذ عقود، وله تجربة طويلة مع الإعلام الرياضي، وعمل رئيس تحرير لأشهر جريدة رياضية فرنسية هي جريدة “ليكيب” (الفريق او النادي)، وهذه الجريدة العريقة كانت الصحيفة المفضلة لدى الرئيس الراحل فرانسوا ميتران رغم أنه رجل فكر. أرقام وتساؤلات ويؤكد المؤلف أن زملاء له ومدربين ورياضيين نصحوه بعدم التطرق إلى هذا الموضوع لأنه موضوع شائك ويلامس قضية العنصرية، ونبهوه إلى أن كتابه قد يحمل محمل الاستفزاز حتى وان لم يقصد مؤلفه ذلك. والحقيقة أن هناك اعتقادا سائدا لدى العامة ـ في فرنسا خصوصا ـ يقول ان السود أو الزنوج هم “عضلات: وقوة جسدية وجنسية وان البيض هم فكر”، وهو اعتقاد راسخ عند عامة الغربيين، ولكن المؤلف انطلق في في إنجاز هذا الكتاب من منطلق فكري ديدنه البحث والتنقيب العلمي والموضوعي، وهو معروف بأنه صحفي محترف ولا يحمل أي فكر عنصري. واعتمد لوكلير في جمع مواد كتابه على التحقيقات واللقاءات، أي أنه قام بعمل ميدانيّ إلى جانب اعتماده على أبحاث ودراسات علمية وأكاديمية. كذلك اعتمد ايضا على أمثلة من العدائيين من مختلف أنحاء العالم، وقارن بين النتائج ولون البشرة وانتهى إلى النتيجة بأنه لا يمكن الجزم بصفة مطلقة وعلمية من أن العدّاء الأسود البشرة هو أسرع لأن بنيته الجسدية تؤهله لذلك. وقد قدم المؤلف أمثلة وأسماء من العدائيين الأفارقة والعدائيين الأميركيين والأوروبيين. وقام بالمقارنة وتحليل نتائجهم الرياضية. يتعرض هذا الكتاب إلى موضوع يعتبر من المسكوت عنه ومن “التابوهات”، وهو موضوع الرياضة وعلاقتها بلون البشرة لمن يمارسها. والمؤلف يطرح عديد الأسئلة من بينها: لماذا بعض الرياضات كالعدو مثلا يتميّز فيها بشكل خاص الأفارقة أكثر من غيرهم؟ ويعطي حقيقيا يدفع الى التساؤل الشرعي، ومفاده إنّ من بين الثمانين عدّاء الذين نجحوا في قطع مسافة مائة متر في أقل من عشرة ثواني منذ 1968 ونالوا الميداليات هناك 78 منهم هم من السود الأفارقة، فما هو تفسير هذا التفوّق؟ هل هو اجتماعي أو تاريخي أو علمي؟ لقد سأل المؤلف 50 من كبار الرياضيين والعلماء بحثا عن جواب مقنع. إنه يسعى الى إيجاد تفسير لواقع ملموس. وجاء في الكتاب ان هناك علماء أكّدوا للمؤلف أن السود يمتلكون في جيناتهم ما يؤهلهم للتفوّق الطبيعي في المجال الرياضي، وهو احتمال وليس حقيقة علمية ثابتة، رغم ان هناك علماء من أستراليا ذكروا منذ العام 2003 أنهم حددّوا (جين) أطلقوا عليها إسم ACTEN3 تثبت ـ حسب استنتاجاتهم وتفسيراتهم ـ أن السود لهم في مكوّناتهم الجينية ما يؤهلهم طبيعيا للتفوّق في مجال العدو مثلا، ولكن المؤلف لا يتبنى في كتابه أي تفسير أو رأي قاطع، بل هو ـ وعلى امتداد كامل فصول الكتاب ـ بقي يتساءل أين الحقيقة؟ و قد حاول أيضا البحث عن الفاصل بين المعتقدات الخرافية والواقع. ومنذ الألعاب الأولمبية عام 1984 فإنه لا يوجد أي عدّاء أبيض نجح في نيل أي ميدالية في سباق 100 متر، والسؤال الذي جاء في الكتاب هو “هل يعتبر ذلك أن السود هم ـ بحكم تكوينهم الجيني الطبيعي ـ أسرع في العدو من البيض؟”. والملفت للنظر ـ كما ورد في الكتاب ـ أن دراسات عديدة ومتنوعة بعضها اجتماعي وبعضها علمي بينت أن السود ـ وخصوصا سكان غرب أفريقيا ـ هم أسرع من السود المنتمين إلى بلدان تقع في شرق القارة الأفريقية. ويقدم الباحث السويدي Bengh Saladin تفسيرا يبدو لأول وهلة انه بسيط أو مبسط، ولكن المؤلف أورده من باب الأمانة العلمية بعدم إهمال أي تفسير مهما كان لهذه الظاهرة المحيرة. فالسويدي يجزم بأن الكينيين بحكم قلّة أو غياب وسائل النقل العمومية في بلادهم لفقرها وتخلفها، فإنّ الواحد منهم يقطع يوميّا حوالي 10 كيلومتر مشيا أو ركضا أو هرولة منذ أن يبلغ السابعة من عمره ويدخل إلى المدرسة. ولذلك فإنّ الكيني ـ وفق هذا التفسير ـ يدرب جسمه على العدو وتنمو فيه مؤهلات طبيعية في سرعة العدو. ثمّ هناك تفسير آخر وهو اجتماعي نفسي استعرضه المؤلف أيضا، ويقول انه في كينيا وأثيوبيا فإن العدائين يعتبرون “أبطالا قوميون”، يحظون بإعجاب كبير وبشعبية وبحب الناس لهم والفخر والتفاخر بهم، ولذلك فإن كل طفل وكل شاب ينمو لديه الأمل والطموح في أن يصبح يوما بطلا رياضيا في اختصاص العدو. تفسير جغرافي ووراثي كما أن هناك عنصرا إضافيّا متصل بالجغرافيا ولكنه أقل أهمية، وهو عنصر الارتفاع في كينيا مثلا، فهذا المعطى ربما له ضلع فيما يحققه العداؤون من الجنسية الكينية من بطولات في الألعاب الأولمبية في اختصاص العدو. وهذا المعطى له تفسير علمي يقول إن العدائين المنتمين إلى البلاد المرتفعة تزداد في دمهم عدد الكريات الحمراء، وهذا الازدياد له علاقة بالتنفس لدى العداء وبكمية الأوكسيجين التي تزيد من قوته عند العدو. وورد في الكتاب ان باحثة غربية متخصصة أكدت أنّ الإمكانيات الجسدية هي المسؤولة بنسبة 70 % في تفوّق العداء، وان هذه الإمكانيات لها علاقة بالمحيط والتمارين، وان نسبة 30 % الباقية لتفوق العداء تعود إلى أسباب وراثية. ومن أغرب التفسيرات التي وردت في الكتاب لتعليل تفوّق العدائيين السود ما ذكره الباحث الأميركي Adrien Bejan أندريان بوجان من أنّ السرّ يكمن في “سرّة” العداء، فموقعها في جسم العداء الأسود يفسر سبب تفوقه في العدو، وهو تفسير طريف وغريب ولكن صاحبه له جملة من الشروح والمبررات التي يؤكد هو إنها علمية. ولكن وبعد استعراض مختلف الآراء والنظريات والتفسيرات لتفوق العدائين السود على العدائين البيض في كل المسابقات والألعاب الأولمبية، فإن المؤلف في كتابه لم يصل الى تفسير نهائي علمي ودقيق، ولو ان المؤلف أظهر في طيات كتابه ميله إلى التفسير الجيني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©