الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عندما تقول الدمى...

عندما تقول الدمى...
11 أكتوبر 2012
صدر عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر كتاب “الأراجوز المصري” باللغتين العربية والإنجليزية، جمع ودراسة وتوثيق د. نبيل بهجت مدير مركز إبداع بيت السحيمي وأستاذ المسرح بجامعة حلوان، وهو الأول من نوعه الذي يتناول مسرح الأراجوز الشعبي بالنقد والتحليل، واعتمد الكتاب على سبع رواة ما زالوا يمارسون هذا الفن حتى الآن. ويبدأ الكتاب بمقدمة لأستاذ الفلكلور د. أحمد مرسي قدم فيها للكتاب وكاتبه، ثم جاء التمهيد الذي عرض فيه المؤلف للدوافع التي حثته على إنجاز هذه الدراسة، كما عرض لتجربته مع خيال الظل والأراجوز. الفصل الأول جاء تحت عنوان: النشأة والمكونات، وناقش فيه تاريخ نشأة الأراجوز وعرض الكتاب لمكوناته بداية من الدمى ووسائط العرض، والعناصر البشرية، وأثر بعض الفنون الشعبية الأخرى، وكذلك لنمر الأراجوز المختلفة. يقدم الفصل الأول تعريفاً بالأراجوز وتاريخه ونشأته، فهو من أشهر الدمى الشعبية في مصر على الإطلاق، رغم انحساره في الآونة الأخيرة لقلّة عدد فنّانيه ولسطوة وسائل الإعلام الحديثة، إلاّ أن شهرته ما زالت كما هي، بل إن الكثيرين يستخدمون لفظة أراجوز للدلالة على معان مختلفة في معجم الحياة اليومية للمصريين. حضور قديم ولقد وجد فن الأراجواز في الحياة المصرية منذ زمن بعيد، حيث أشار الرحّالة التركي أولياجيلي في كتابه “سياحتنامة مصر” إلى أحد الفنانين في القرن العاشر الهجري الذين كانوا يلاطفون المرضى بدمى خشبيه فتتحسن حالتهم. وقدم علماء الحملة الفرنسية وصفاً مفصّلاً له جاء فيه: “وقد شاهدنا في شوارع القاهرة مرات عدة رجالاً يلعبون الدُّمى، ويلقى هذا العرض الصغير إقبالاً كبيراً، والمسرح الذي يستخدم لذلك بالغ الصغر، يستطيع شخص واحد أن يحمله بسهولة. ويقف الممثل في المربع الخشبي الذي يمده بطريقة تمكّنه من رؤية المتفرجين من خلال فتحات صُنعت لهذا الغرض دون أن يراه أحد ويمرر عرائسه عن طريق فتحـات أخرى أما عن باقي الشخصيات فهي (ابن الأراجوز، زوجته “نفوسة” (يطلق عليها البعض زنوبة)، زوجته السمراء “بخيتة” (يطلق عليها الست قمر)، الفتوة، حمودة الأقرع وأخوه، الأستاذ، البربري، الخواجة، موشي ديان، العفريت، الطبيب، الشاويش، الحانوتي، الداية، فنان بالعافية “الشيخ محمد”، الشحات ويطلق عليه لاعب الأراجوز اسم “الشيخ”، كلب السرايا، الزبون، والد زوجته، اللص”. تصنع الدُّمى من الخشب إما بواسطة الفنان المؤدي أو صانع محترف، وآخر هؤلاء الصنّاع محمد الفران الذي توفي منذ أكثر من ثلاثين عاماً. يقدَّم فن الأراجوز من خلال عدد من الوسائط هي: عربة الأراجوز، البرفان، الباردة، والخيمة. تنحصر العناصر البشرية في: الفنان المؤدي ومساعده الملاغي والجمهور، ويتحدد على أساس وسيط العرض المساهمات البشرية في العروض، فالخيمة مثلاً لا يحتاج فنانها إلى ملاغي أو مساعد، وذلك على عكس البرفان والباردة حيث يحتاج الفنان المؤدي إلى مساعد/ ملاغي. أما العربة فيحتاج أداء العروض فيها إلى أكثر من ذلك (فنان مؤدٍّ، ومساعد/ ملاغي، وعامل تذاكر، وفردين لتنظيم الدخول والخروج). وأحياناً يكون هناك أكثر من فنان مؤدِّ يتناوبون العمل داخل العربة. ويلعب الملاغي دوراً مهماً في إتمام عروض الأرجواز، فهو يشارك الفنان المؤدي بالعزف، كما يردد الأغاني خلف الأراجوز ويستحث الجمهور على الغناء ويشارك الأراجوز في الحوار، ويكرر بعض الكلمات التي تبدو غير واضحة بفعل الأمانة، ويساهم في خلق المواقف المضحكة سواء من خلال الكوميديا اللفظية أو الحركية، وله دور مهم في استنطاق المتفرجين وإشراكهم في العرض. وقام المؤلف بحصر نمر الأراجوز التي جمعها من سبعة فنانين هم: صلاح المصري، صابر شيكو، محمد كريمة، سيد الأسمر، سمير عبد العظيم، حسن سلطان، عم صابر المصري، فلم تخرج عن النمر الآتية: “جواز بالنبوت” و”الأراجوز ومراته” و”الست اللي بتولد” و”الأراجوز ومراته السودة” و”حرامي الشنطة” و”البربري” و”الشحات” و”فنان بالعافية” و”الحانوتي النصاب” و”كلب السرايا” و”حمودة وأخوه” و”جر شكل” و”الفتوة الغلباوي” و”الاراجوز في سوق العصر” و”أراجوز في الجيش” و”حرب اليهود” و”حرب بورسعيد” و”العفريت”، ويضيف بعض اللاعبين أسماء لنمر مثل “حرب النصارى”، و”حرب 6 أكتوبر”. ارتبطت عروض الأراجوز بشكل أساسي بالشارع، كما أن الرافد الأساسي المشكِّل لعقلية الفنان المؤدي هو ممارسات الحياة، ومن ثم فإن دورة الحياة هي أحد أهم الروافد التي شكلت موضوعات عروض الأراجوز، وكانت من العناصر الأساسية لجذب جمهور الشارع، فالموضوعات المطروحة تشكل جزءاً من حياته، وتدور هذه الموضوعات حول الولادة، والتعليم، والتجنيد، والزواج، والعمل، والموت، وجميع هذه الأفعال تشكل ما يُعرف بدورة الحياة ويمكن أن نستخلص سيرة الأراجوز حتى نهايته فى نمرة “العفريت” وعلاقاته مع مختلف الأطراف من خلال النمر إذا نظرنا إليها في سياق ترتيبي معين. صناعة العرض أما الفصل الثاني، فجاء تحت عنوان صناعة العرض وتناول فيه المؤلف العلاقة بين الفنان المؤدي والجمهور والتداخل بين العوالم المختلفة وغيرها من الفرضيات الأساسية التي تقوم عليها العروض. ثم تناول بنية النمر ومكوناتها من نمر داخلية وأغاني وحوار وبعض أساليب صناعة الفكاهة اللفظية، كذلك تعرضت لشخصيات مسرح الأراجوز على اختلافها، والاعتدائية كوسيلة في حسم صراعه مع مختلف الشخصيات، إذ إن العلاقة بين الفنان المؤدي/ الفاعل والجمهور من الركائز الأساسية لصناعة عروض الأراجوز، تلك العلاقة التي تخلق مجالات مختلفة ومستويات متباينة لأشكال التفاعل التي يحرص الفنان المؤدي عليه، وتكون بالنسبة له مؤشراً على نجاح العرض. وكثيراً ما يوقف بعض الفنانين عروضهم طالبين من الجمهور المشاركة، وكأن الجمهور هو الفاعل الحقيقي للعرض. وترتبط صناعة العروض بخلق مساحات تسمح للجمهور بالتدخل فيه، ومنها البداية الغنائية التي تعتمد على محفوظات مشتركة بين الفنان المؤدي والجمهور، وتتغير حسب انتشار أغاني معينة أو علمه بميل جمهوره لنوعية معينة من الغناء، وربما كان ذلك سبباً في عدم وجود أغان خاصة بالأراجوز، ويوظف فنان الأراجوز الأغاني تبعاً لتنوع الحدث الدرامي. ويأتي التداخل بين عالم الإنسان ممثلاً في الملاغي والجمهور وعالم الدمى كأحد أهم مفردات صناعة العرض، ويتمثل هذا التداخل في الدور الذي يلعبه الملاغي وحالات الملامسة المستمرة بل وضرب الدمية له وخوفه منها وعبث الدمية به. وللملاغي دور هام في عروض الأراجوز. فبالإضافة لمسئوليته عن الإيقاع والموسيقى من خلال “الطرومبيطة” أو “الطبلة” فهو يردد الأغاني التي يغنيها الأراجوز ويستحث الجماهير على الغناء ويشارك الفنان المؤدي الحوار وخلق الكوميديا اللفظية والحركية، وتكرار بعض الكلمات التي تبدو غير واضحة بفعل “الأمانة”، ويساهم في دمج استجابات الجمهور وتنظيمها بما يخدم أداء الفنان كما يلعب دوراً درامياً في بناء الأحداث في العديد من النمر وكثيراً ما تعبث الدمية بإرادة الملاغي لتمثل مفارقة واضحة، فالدمية مسلوبة الإرادة لأنها تتحرك بإرادة آخر/ اللاعب، تسلب الملاغي إرادته ليصبح الملاغي مسلوباً ومسحوقاً أمام إرادتها ويعتمد الحوار بين فنّان الأراجوز والملاغي على الارتجال مما يخلق حالة من التجديد المستمر في العروض من خلال العلاقة التفاعلية بينهما، وهو ما يشكل العملية الإبداعية ذاتها بما يتيح إعادة الإبداع من خلال الأداء. «نمر» وأفكار يطلق فنان الأراجوز اسم “النمرة “على عرضه، وأهم ما يشكل النمر: الغنائية التي تبدأ بها، والاعتدائية “الضرب/ الطرد” التي تنتهي بها، والتداخل بين ما هو آدمي/ الملاغي ومادي/ الدُّمى، والاعتماد على النمر الحركية واللفظية وبساطة الحدث ونمطية الشخصيات وتتميز النمر ببساطة الحدث: فنمرة “زواج بالنبوت” تدور حول رغبة الأراجوز في الزواج ومحاولة والد العروس خداعه. ونمرة “الست إللى بتولد” تدور حول ولادة فلفل الذي يطلب الزواج فور ولادته. ونمرة “الأراجوز ومراته” و”الأراجوز ومراته السودة” تدور كل منهما حول المشكلات الزوجية. ونمرة “الأستاذ” تدور حول تعليم الأستاذ للأراجوز. ونمرة “البربري” تدور حول طلب البربري العمل ونومه فور حصوله عليه. ونمرة “الشحات” تدور حول تسول الشحاذ من الأراجوز. ونمرة “كلب السرايا” تدور حول لعب الأراجوز مع الكلب ثم عضه إياه ورفض الطبيب معالجته إلا بالمال. ونمرة “فنان بالعافية” تدور حول ادعاء أحد الأشخاص الفن ونمرة “الحانوتي النصاب” تدور حول مادية الحانوتي وخداع الأراجوز والملاغي له. ونمرة “حرامي الشنطة” تدور حول عمل الأراجوز لدى الخواجة وسرقته. ونمرة “أراجوز في سوق العصر” تدور حول منافسة الأراجوز والملاغي على الزبائن ومكان عرض البضائع. ونمرة “حمودة وأخوه” تدور حول ضرب الأراجوز لأخي حمودة ثم لحمودة. ونمرة “جر شكل” تدور حول منازلات قولية بين الأراجوز والفتوة. ونمرة “الفتوة الغلباوي” تدور حول اعتراض الفتوة على إقامة فرح عديلة دون إذنه، ويدخل في منازلات مع الأراجوز. ونمرة أراجوز في الجيش” تدور حول تدريبات الأراجوز في الجيش. ونمرة “حرب بور سعيد” تدور حول بطولات الفدائي الأراجوز في قتل الأعداء. ونمرة “حرب اليهود” تدور حول مقتل موشى ديان لابن الأراجوز، وثأر الأراجوز منه. ونمرة “العفريت” تدور حول قتل العفريت لزوجة الأراجوز وخادمه والشحات ثم الأراجوز. فالملاحظ أن هناك خط عام للأحداث يلتزمه جميع اللاعبين، ويضيف معظمهم من ارتجالاتهم داخله، وبساطة الحدث وعدم التعقيد تجعل مشاركة الجمهور فى العرض سهلة وميسرة. «اطلع بره» ولا تخلو نمرة للأراجوز من أغنية ما، وليس هناك أغانٍ باقية حتى الآن يستخدمها فنانو الأراجوز من التراث الغنائي المرتجل للأراجوز، ومعظم ما يستخدم أغانٍ أخذت طابع الانتشار الجماهيري، أو أغانٍ شعبية انتشرت بعد أن أداها أحد الفنانين، وتساهم البداية الاستهلالية للأغنية في تحضير الجمهور للعرض من خلال صوته الذي يستحث الجماهير على المشاركة في الغناء إما مباشرةً أو ضمنياً. ولا ترتبط النمر بأغانٍ محددة وإنما يستدعي كل فنان ما يناسب الموقف، فأحياناً نسمع مقطعاً لأم كلثوم أو عبد الحليم، أو وتختلف المدة الزمنية للأغنية من مكان إلى آخر، فعروض المولد تشهد اعتماد الفنان المؤدي على الأغنية بشكل يجعلها أحد أكثر العناصر بروزاً حيث تستغرق الأغاني أحياناً وقتاً أكثر من الحوار. وكذلك الحال عند محمد كريمة الذي مازال يجوب شوارع القاهرة متخذاً منها مسرحاً، وتقل مساحتها عند صابر المصري لاختلاف أماكن عرضه إلا أنه يركز على توظيفها داخل عرضه بشكل فاعل. ومن أهم الموضوعات التي حرص فنان الأراجوز على تجسيدها من خلال نمره المختلفة علاقته بالآخر الأجنبي؛ الذي تنوع بين “المستعمر” كما في نمر “حرب اليهود”، و”حرب بورسعيد” و”المستثمر” كما في “حرامي الشنطة”، و”الطبيب” في نمرة “كلب السرايا”. أما عن الشخصيات النسائية، فهناك ثلاث شخصيات نسائية في عروض الأراجوز (زوجته البيضاء نفوسة ويطلق عليها بعض اللاعبين اسم زنوبة، ولم اشاهد أي لاعب يستخدم لفظة كشكليوز اسماً لها، وبخيته الزوجة السمراء ويلقبها البعض بالست قمر، والداية). وبالرغم من أن الكوميديا تنزع نحو إصلاح العيوب والأخطاء والاتجاه نحو حياة أفضل عن طريق خلق التوافق بين العناصر المختلفة إلاّ أن الضرب ثم الإقصاء الذي يمثل تطهيراً للمجتمع من تلك العناصر الفاسدة يكون هو الحل الأمثل لعلاج تلك المشكلات لدى فنان الأراجوز الذي يعمد فيه لتطهير المجتمع من الفساد وبتكرار كلمة (اطلع بره) يقصي تلك العناصر الفاسدة والقامعة له وللحريات بشكل عام، ولا نكون مبالغين اذا قلنا إن الأراجوز هو صاحب كلمة (أرحل) والتي كانت شعارا لثورة يناير استدعاها اللاوعي الجمعي بشكل مباشر من عروض الاراجوز فكانت النهاية تماما كما ينهي الأراجوز عروضه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©