السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرفية الراوي والتزامات الرواية

حرفية الراوي والتزامات الرواية
11 أكتوبر 2012
أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحِظ، الأديب الناثر، معلّم العقل والأدب، الذي ندرَ أن أتّفق للعربية وغير العربية مَن يماثله سعة اطلاّع، وشمول أفق، وعمق ثقافة، وجَلَداً فريداً، وصبراً عظيماً على المطالعة والتصنيف، حتى أعتبر بحقٍّ دائرة معارف عصره، بل وغير عصره أيضاً. ولد الجاحظ في مدينة البصرة جنوب العراق سنة 160 هجرية، توفي والده وهو طفل، ولما ترعرع تعلم الخط والقراءة في أحد كتاتيبها، وأخذ مذ كان يافعاً يتلقى الفصاحة شفاهاً عن العرب بالمِرْبَد. وكان المِرْبَد أشهر محال مدينة البصرة، وترعرع الجاحظ وطلب العلم في الكُتّاب، وخالط المسجديين من أهل العلم والأدب، فأخذ عنهم. وكان يكتري حوانيت الورّاقين ويبيت فيها للمطالعة. ترك الأديب الجاحظ عبر سنيّ حياته في الكتابة والتأليف الكثير من المصنفات العامة والخاصة من الكتب والرسائل والمجاميع، وسرد لذكرها ياقوت الحموي في “معجم الأدباء”، وهي: الحيوان، النعل، البيان والتبيين، والنبيّ والمتنبي، المعرفة، ونظم القرآن، العثمانية، إمامة بني العباس، صياغة الكلام، الفتيان، الجواري، العرجان والبرصان، التربيع والتدوير، الطفيليين، الحاسد والمحسود، البخلاء، النساء، البلدان، الغناء والصنعة، جمهرة الملوك، أمهات الأولاد، التفاح، نقض الطبّ، الحزم والعزم، عناصر الأدب، النرد، والشطرنج، غش الصناعات، ذوي العاهات، المغنين، أخلاق الشُّطاّر، رسالة في القلم، رسالة في كتمان السر، رسالة في الحِلية... وفلج الجاحظ في آخر عُمره، سنة 255 هجرية، والكتاب على صدره، حيث قتلته مجلدات من الكتب وقعت عليه. ثلاثة فصول يأتي كتاب الباحثة خولة شخاترة “بنية النصّ الحكائي في كتاب الحيوان للجاحظ” بصفحاته الـ 142 من القطع الاعتيادي الصادر عن أزمنة للنشر والتوزيع بعمّان، لتلقي من خلال فصوله الثلاثة ومباحث كل واحد الضوء على كتاب الحيوان الذي هو نتاج فكر اعتزالي، يؤمن بأن الإنسان حرّ مختار، وأنه مسؤول عن خلق أفعاله، وهذا الإيمان انعكس على ما أختاره الجاحظ، عن وعيّ تام، من منهج موسوعي يحقق الهدف المُعلن من تأليفه الحيوان، وهو بيان فكرة الاستدلال بالخَلْق عن الخَالِق. وذكرت المؤلفة في مقدمة كتابها إلى أنّ دراستها لكتاب الحيوان للجاحظ: “أفادت من الدراسات المختلفة لكتاب الحيوان، إلاّ أنّ ما احتواه الكتاب، وهو نصّ موسوعيّ، من نصوص حكائية لافتة للنظر، جعلني أميل إلى تناولها، في المرحلة الأولى، بوصفها جزءاً من تنظيم الكتاب وبنائه، لا بوصفها نصوصا غريبة او استطرادات مفاجئة. تتخلق مشروعية هذا التناول من داخل الكتاب نفسه كونه ألِّفَ لغاية محددة وهي بيان فكرة الاستدلال بالخَلْق عن الخَاِلق، واتخذ من الشكل الموسوعي بما يضمّ من متون معرفية، ونصوص شعرية، ونصوص حكائية، ومناظرات الخ.. وسيلة للوصول إلى الغاية سالفة الذكر”. وأضافت: “ولعل من الإنصاف القول إنّ حديث “فراي” عن النقد الأعلى للكتاب المقدس، قد شجعني على تناول الحكائية في المرحلة الأولى بالإطار الذي أشرت إليه سابقاً، الذي يبدأ من الفرضية القائلة “إنّ الكتاب المقدس أسطورة مكتملة، بنية نموذجية واحدة تمتد من الخليقة إلى الرؤيا ومبدؤه التعليمي هو مقولة القديس أوغسطين: أنّ العهد العتيق وأنّ العهدين ليس الواحد منهما اليغوري للآخر بقدر ما هو تطابق استعاري مع الآخر”. درست خولة شخاترة في الفصل الأول “التنظيم في كتاب الحيوان”، الذي تضمن مكونات الكتاب الشكلية وهي: تنظيم استهلال الكتاب وخاتمته في أجزاء الكتاب، تنظيم الأبواب التي تتضمن الحكايات وتنظيم الأبواب التي تغيب عنها الحكايات بصورة موجزة، وأخيراً مغزى هذا التنظيم. ثم أشارت إلى “مكونات الكتاب الشكلية” من خلال تنظيم استهلال الكتاب وخاتمته بالقول: يسير كتاب الحيوان وفق تنظيم خاص به، يطرّد في أجزاء الكتاب كلّها. أول عناصر هذا التنظيم ما يسمى بصيغة الاستهلال التي يفتتح بها كل جزء، وما يسمى بصيغة الخاتمة التي يختتم بها كل جزء، وهما صيغتان قد تتعدد صورهما، ولكنّهما في النهاية يعبران عن حقيقة واحدة، هي الإعلان عن الافتتاح والإعلان عن الختام. النصّ الحكائي تناول الفصل الثاني للكتاب “النصّ الحكائي في كتاب الحيوان”، وفيه صنفت النصوص إلى مُلَح وحكايات، ثم انتقلت الدراسة الحالية إلى دراسة أنماط المُلَح وأنماط الشخصيات فيها، بعدها توقف عند دراسة المجموعة الأولى من الحكايات وهي الحكاية التعليلية، وأخيراً تناول الثيمات themes في المجموعة الثانية من الحكايات، والتي لم يصطلح عليها باسم محدد. وبعد أن عرّفت شخاترة المُلَح ومعناها بشكل عام، حيث وجدت أنّ جملة من العناصر قد تضافرت على أبراز ذلك الجانب الأحادي للشخصية، ووسمها بالميسم الذي تبتغيه، وتبرز في مقدمة هذه العناصر الكيفية التي يعرض بها السارد مُلْحَته، وهو يُسمى بأنماط السرد أو الصيغ... بينما عرضت لأنماط الشخصيات في هذا الفصل والذي تقوم نصوص المُلَح على الشخصية، وهذه الأخيرة كما تذكر المؤلفة تجسد في معظم الأحيان سمات سلبية، ولما كانت كذلك، فقد اتجهت عناية المُلَح إلى إبراز سمة واحدة والتركيز عليها في كلّ مُلْحَة. وتضيف قائلة: ولو نظرنا إلى شخوص المُلَخ بشكل عام، لوجدناها تظهر بمظهر الحريص على الواجبات الدينية، فلا تفرط في أداء شعائرها، فهي ترتاد المساجد، وتتصدّق بالمال، وتؤدي الزكاة، وتحرص على قول الصدق خوفاً من الافتراء... وأفردت شخاترة الفصل الثالث من كتابها لدراسة” مكونات البنية الحكائية” حيث درست فيه مكونات تلك البنية الحكائية التي أدرجتها لعناصر بنيوية لحكايات كتاب الحيوان للجاحظ وهي: “الاستهلال السردي، الرواي، البناء الشكلي للحكايات، الزمن، والمكان، والشخصية”. ففي “الاستهلال السردي” ترى المؤلفة: أنّ الحكايات لم تحرص، موضوع التحليل، على شيء حرصها على الالتزام بالنمط الشائع في صياغة الخبر وروايته، والذي يقوم على ثنائية الإسناد والمتن. ويبتدئ الالتزام بالنمط السابق بتلك الصيغة الاستهلالية التي قلّما تخلو منها افتتاحية كل حكاية. بينما نجد “الرواي” وهو الجاحظ، الراوي الثاني، ملتزما بتلك المهمة المُلقاة على عاتقه وهي تبليغ القرّاء ما تلقاه عن الراوي الأول، وتقول شخاترة: وعلى الرغم من حرص الجاحظ على الظهور بمظهر الراوية بالمعنى الذي حدده له، إلاّ أنّ المُدقق في الحكايات يكشف أنّ حرصه ذاك، لا يعدو كونه محاولة لإيهام المُتلقي بحقيقة ما يروي وواقعيته، بقصد إقناعه وحمله على تصديقه. أما “البناء الشكلي للحكايات” فإنّها تأتي موافقة في بنائها الشكلي للنمط المثالي الذي حدّده تودروف للسرد أو للقصص. ويقوم هذا النمط على أنّ القصة المثالية تبدأ بحالة مستقرة ثابتة تؤثر عليها قوة ما فتجعلها مضطربة فينتج عنها حالة من عدم التوازن، ثم تتم إعادة التوازن بفضل تلك القوة المبذولة في الاتجاه المعاكس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©