الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إيكو: الكلاب لا تعرف الكذب

إيكو: الكلاب لا تعرف الكذب
6 نوفمبر 2014 15:22
لا يكشف أمبرتو إيكو في هذا الحوار عن «خفة دم» فقط، بل عن جماليات صغيرة تختفي أو ربما هي التي صنعت، أحياناً، جماليات كتابته.. ولا يحتاج المرء إلى كبير نظر لكي يقرأ بين سطور هذه الـ (15) سؤالاً كيف ينظر إلى اليوميات والتفاصيل الحياتية الصغيرة التي لا يجري الالتفات لها إلا لماماً.. ناهيك عن والتعليقات اللاذعة، والصراحة اللافتة التي يحكي بها عن تفاصيله الشخصية.. علاوة على سرعة البديهة التي يصوغ بها إجاباته المركزة، الكثيفة، العميقة الدلالة. ترجمة ــ فدوى القاسم 1 - أنت سميوطيقيّ، ماذا يعني ذلك بالضبط؟ ** كم شهراً تمنحني كي أشرح لك؟ السميوطيقا نظرية عامة تعنى بكل اللغات الموجودة... كل أشكال التواصل، البصري منها والملموس، وغيرها. هناك سميوطيقا عامة وهي مقاربةٌ فلسفيّةٌ لهذا المجال، وهناك أنواع عديدة ومحدّدة من السميوطيقا. 2 - ما رأيك في أمريكا؟ ** زرتها خمسة وخمسين مرة، إذا ما احتسبنا زيارتي الأخيرة هذه. أشعر بشكل أو بآخر وكأني في بلدي. كنت للتوّ أنظر حولي، حيث كان يوجد بار ومطعم رائعين أمام كشك الصحف الكبير في ساحة هارفارد، اختفيا ببساطة، ليعودا إلى الظهور الآن. هذا أمر يحدث في أمريكا. تعود بعد عام لتجد أن ثمّة ناطحة سحاب قد اختفت. 3 - ارتحلت كثيراً، هل لديك مكان مفضل؟ ** أماكن كثيرة. لكن إذا اضطررت لاختيار مكان أعيش فيه غير إيطاليا، فستكون نيويورك أو باريس. في الواقع لدي شقة صغيرة في باريس، والرحلة من ميلانو إليها تستغرق ساعة ونصف فقط، لذلك من السهل زيارتها. كانت لدي أيضاً شقة في نيويورك، لمدة طويلة، على اعتبار أنّ ابني عمل في هذه المدينة لمدة 12 عاماً. 4 - أذكر أنني قرأت في مكان ما، أن كنيتك «إيكو Eco» هي اختصار لعبارة (ex caelis oblatus) باللاتيني.. أي «عطاء السموات»، كيف تشعر إزاء ذلك؟ ** اكتشفت ذلك قبل عشرة أعوام فقط. كان جدي لقيطاً، وكان مسؤول مكتب البلدية آنذاك هو الذي يمنح اللقطاء أسماءهم. أحياناً، حين يكون المسؤول ساديّاً جداً، يختار لهم أسماء رهيبة. في الحقيقة، لم يكن أمامنا من طريق لمعرفة سبب اختيار ذلك الرجل اسم «إيكو» إلى أن أخبرني صديق لي كان يدرس في مكتبة الفاتيكان بأنه عثر على قائمة اختصارات وضعها اليسوعيون، وكان أحدها (ex caelis oblatus). أعتقد أنه أمر جيد. عطاء السموات أفضل من عطاء الجحيم. الكلاب لا تكذب 5 - ما الذي ألهمك كتابة رواية «مقبرة براغ»؟ وماذا كنت تأمل أن تحقق؟ ** لطالما قلت إنّ إحدى أهمّ سمات لغات الإنسان هي إمكانية الكذب. الكلاب لا تكذب. وعندما تنبح لتخبرنا أن أحدهم بالخارج، فهي تقول الحقيقة. فيما الإنسان يكذب باستمرار. وأحد أشكال الكذب هو التزوير. مثالي على ذلك هو «بروتوكولات حكماء صهيون»، التي كان لها دور أكيد في حدوث المحرقة، إنْ لم نقل السبب الوحيد. أجد «البروتوكولات» مثيرة للاهتمام، فهي أولاً نصوص تنم على تناقض ذاتي. وثانياً، هناك الفضيحة، ففي 1921 ثبُت أنها مزورة، ولكن ذلك زاد الإيمان بها أكثر وأكثر. قصة مثيرة للاهتمام حقاً. ويبدو أن جميع الكتابات والمقالات التاريخية العديدة، الجميلة والمثيرة للاهتمام حول هذا الموضوع، لا تكفي؛ ذاك أنّها لم تصل إلى الجمهور الواسع. وربّما كان هذا هو سبب تحويلها إلى سرد، لا أقول إنّ ذلك هو الدافع الوحيد، ولكنه أحد الدوافع. فبذلك أستطيع أن أصل إلى جمهور أوسع. قيل لي بالأمس فقط إنّ كتابي مطلوب للترجمة في إندونيسيا، وهي دولة إسلامية. لا أعتقد أن الفرص قد توفّرت للإندونيسيين لقراءة كتب علمية متعمّقة بشأن «البروتوكولات»، فمثل هذه الكتب حكر على حفنة من العلماء. 6 - كيف تنظر إلى العلاقة بين نتاجاتك العلمية الأكاديمية وكتاباتك الموجّهة للجمهور؟ ** بدأت من خلال اعتبار نفسي عالماً يعمل ستة أيام في الأسبوع، ويكتب الروايات أيام الأحد. لم أعتقد في البداية أن ثمّة علاقة بين رواياتي وعملي الأكاديمي. لكن، بعد قراءة ما كتبه النقاد، وجدت أنهم عثروا على ترابط. توجد سلسلة كتب مهمة جداً في هذا البلد تسمى «مكتبة الفلاسفة الأحياء»، وبما أن كل نشاط بشري يتراجع، فأنا آخر «فيلسوف حيّ» يتناوله العدد المقبل من هذه السلسلة. يتوجب على كل كاتب أن يكتب سيرة ذاتية فلسفية، وأن يجيب على خمس وعشرين مادّة كتبها لهذا المجلّد خمسة وعشرون شخصاً. إنه لبلاء رهيب. وبما أنها «مكتبة الفلاسفة الأحياء»، فإنّني آمل أن أموت قبل ذلك بحيث لا تنشر ولا أُجبر على بذل ذلك المجهود الكبير. لكنني أعرف أن محرّري السلسة طلبوا من الكتّاب التحدث فلسفياً أيضاً عن رواياتي. ما يعني بالنسبة للبعض وجود علاقة صارمة بين نشاطي الأكاديمي والروائي. 7 - ماذا الذي تتيح لك الرواية فعله دوناً عن المقالة؟ ** عندما يسألونني لماذا بدأت كتابة الروايات في سن الثامنة والأربعين، أرى أنني لا أعرف بالضبط لماذا بدأت. ربما كانت لدي الرغبة في ذلك. لكن هناك علماء قضوا حياتهم يتمنون أن يكونوا روائيين. خذ على سبيل المثال العظيم رولان بارت. إنّه عبقري. لكنّه مات وهو يحمل معه مرارة عدم كتابة ما يسمّيه الأغبياء «الكتابة الإبداعية»، وكأن كتابات أفلاطون وأرسطو لم تكن إبداعيّة. في الواقع، كان بارت يكتب كتابة إبداعيّة طوال حياته. وبطريقة ما، فإنّ كل مقالاتي تستفيد من البنية السردية. لذلك، كان لدي دوماً نبضٌ سردي. أشبعته جزئياً من خلال سرد القصص على أطفالي، لكنهم وللأسف، كبروا. موطئ قدم طليعي 8 - كتبتَ مرة كتاباً عن ثقافة الـ»بوب»، ناقشت فيه المثقفين الأبوكاليبتيين والمتكاملين. أما زلت تفكر في هذا النوع من الثنائية؟ ** لا، كان ذلك في العام 1964. فقد تميّزت تلك الفترة من جهة بنموّ أساليب التواصل الجماهيري الجديدة المحببة، كالتلفزيون وسلاسل القصص المصوّرة، والتي لم تكن تتسم بالزخم الثقافي؛ ومن جهة أخرى كانت هناك الحركات الطليعية. وكان لي موطئ قدم بشكل ما في الطليعة.. وفي الوقت نفسه، وبعد تخرجي من الجامعة بخمس سنوات، كنت مستهلكاً شغوفاً للروايات النصية والكتب المصورة، وإنّ بنظرة نقديّة. ثمّة فارق دائم بين الأبحاث والتجارب الموسيقية والأدبية الصامتة، وبين كل ما ينتج للاستهلاك الشعبي، وثمّة فارق بالتأكيد بين (كينغ) و (فرانزين). لكن هذا الفارق بات أقل أهمية من ذي قبل، ومن السخف الفصل الواضح بين هذا وذاك. 9 - تحدثتَ عن أعمال أدبية «مفتوحة» وأخرى «مغلقة». هل تعدّ كتبك أعمالاً مفتوحة أم مغلقة؟ ** بحثت في ذلك، وتوصّلت إلى استنتاج عام مفاده أن كل عمل فني مفتوح، لأنه يثير تفسيرات متعددة. لكن الأفلام الإباحية، مثلاً، أعمال مغلقة تماماً. المقصود منها إثارة رد فعل جنسي فحسب. ليس لديك الحرية في أن تفكّر فيها. وفي هذا المجال، قال أحدهم إنني كنت أول من تحدث عن دور القارئ في تطوير العمل الفني. أحاول دائماً أن أتذكر أني عندما تحدثت عن «عمل مفتوح» كان هناك جانبان لهذه العبارة: «عمل» و»مفتوح». أعمالي موجودة، وهذا قد يعفيك من مشقّة التأويل. أما إذا كنت تسألني إن كانت أعمالي مفتوحة أم لا، فأنا لا أعرف. 10 - ولكن ككاتب، ألا تفكر كيف ستُقرأ كتبك؟ ** كنت أمازحك عندما قلت «لا أعرف». لدي انطباع واضح بأنني حين أستخدم توريةً ما، أو جملة غامضة معيّنة، فإنني أضع القارئ أمام سلسلة من التفسيرات والتأويلات عليه أن يختار منها. لكنني أعرف أيضاً أنني في كتبي أزيل التأويلات التي لا يمكن الدفاع عنها. 11 - كيف تطوّر نهجك في الكتابة عبر مسيرتك المهنية؟ ** سؤال يصعب الإجابة عليه. فالفرد منا محكوم دوماً بانطباع تكرار الأفعال ذاتها. هذه مهمة شخص آخر، وهذا الآخر هو من يقرر ذلك. أو ربما أنا من يقرر ذلك في السنوات الخمسين المقبلة، عندما ألتفت لألقي نظرة إلى الوراء. لكنني في الوقت الحاضر، لازلت أعيشها بحذافيرها. 12 - من هو أهم سلف أدبي لك؟ ** إذا اعترف الكاتب بأن لديه سلفاً واحداً وحيداً، فسيكون أحمق، فثمة تأثيرات كثيرة شكّلت ملامحنا. بالتأكيد، ولأنني كتبت كتاباً عن جيمس جويس، فقد كان لجويس تأثير علي. ولكن هل أقول إن كتاباتي تعتمد على جويس أو تتبعه؟ لا أعرف. لا أعتقد ذلك. 13 - لمن من الكتاب المعاصرين تحب أن تقرأ؟ ** علي أن أعترف بأنني منذ أن أصبحت روائياً، توقفت عن قراءة الكتاب المعاصرين. أولاً كي لا أتأثر بهم. ثانياً، لأنهم إذا كانوا يكتبون أكثر مني فلن أطيقهم، وإذا كانوا يكتبون أفضل مني فسأشعر بإحباط كبير. لذا تجدني أقرأ أدب القرن الثامن عشر والتاسع عشر، والكثير من الكتب التاريخية. حدث أن قرأت لبعض الكتاب المعاصرين بشكل متواصل، ولكن ليس بشكل منهجي. فعلى سبيل المثال، قرأت جوناثان فرانزين، وأحب فيليب روث ودون ديليلو. 14 - إذا كانت لديك رسالة واحدة ترغب في أن تظلّ في ذهن قرّائك، فما هي؟ ** لقرائي، رسالتي هي كتبي. وأما للبقية، فأنا أبقي هذا (مشيراً إلى الهاتف) مغلقاً، لأنني لا أريد أن أرسل الرسائل ولا أن استلمها. 15 - إلى أين في الأيام المقبلة؟ ماذا الذي تفكر فيه جديّاً هذا الأيام؟ ** اسمع. في غضون شهرين سأصبح في الثمانين من عمري، وأهم ما أملكه في الحياة هذه الأيام هما حفيداي، أحاول أن أمضي أكثر أوقاتي معهما. وأما كل هذا الانشغال بالمستقبل فهو لا يهمني. لقد حصلت على ما يكفيني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©