الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البحث عن مخرج

البحث عن مخرج
12 أكتوبر 2012
نورا محمد (القاهرة) - لم أكن أعرف زوجي قبل الارتباط، ولم تكن بيننا صلة قرابة أو صداقة أو زمالة، وإنما كما يُقال هو النصيب والمقسوم، اقتربنا من بعضنا خلال فترة الخطوبة التي استمرت أكثر من عام ونصف العام، انتظاراً للانتهاء من المسكن وأيضاً تأثيثه، فكلانا ينتمي إلى الطبقة المتوسطة، والحالة المادية كذلك، يظللنا الستر، وجدت فيه شخصية ودودة، وقد نال إعجاب كل أفراد الأسرة، بسبب هدوئه الشديد، فلا أحد يشعر بوجوده، وأنا وجدت في ذلك ميزة كبرى، وتفسيرها الوحيد عندي أن ذلك كان الوجه الآخر لشخصيتي التي يشهد الجميع أنها قوية، لكن للإنصاف تأكدت بيني وبين نفسي أنني عنيدة، أميل للمعارضة أحياناً بلا مبرر، ليس إلا كي أفرض وجهة نظري، وأجادل كثيراً وأسوق الأدلة التي أرى أنها صحيحة، لكن يجرني الحديث كثيراً إلى التشبث بمواقف قد تكون خاطئة. لم أقبل التراجع عن رأي أو وجهة نظر يوماً، لأنني اعتبر ذلك هزيمة وأنا لا أقبل الهزيمة، وأنا شخصية مفعمة بالحيوية والحركة والنشاط والطموح، ورأيت أنني وزوجي بهذا التنوع في الطباع نكمل بعضنا، فأنا أجادل وهو لا يتكلم كثيراً، أتحدث بصوت قوي، وهو يمكن أن يكتفي بنظرة تكون لها دلالتها، والحقيقة لم يكن الإعجاب من جانبي به إلا لأن هذه الصفات والطبائع تتيح لي إرضاء غروري، وظهر ذلك أثناء إعداد عش الزوجية، فكنت أتحرك مثل النحلة هنا وهناك وأنجزت وحدي أكثر من تسعين بالمئة من المتطلبات، وهو سعيد بذلك لأنه يزيح عنه تلك المسؤوليات. المؤكد أن الاختلاف بين شخصيتينا أو إذا جاز التعبير التنوع، لم يكن يقلقه ولا يحسب له حساباً ولم يدر في خلده مطلقاً أن ذلك ينطوي تحت أي معنى قد يفسر على أنه من الأسباب التي قد تؤدي فيما بعد إلى مشاكل، وببساطة لا محل لذلك من الإعراب في التعامل بيننا، طالما أن كل ما يتم في حدود الاحترام المتبادل الذي كان السمة الغالبة، لكن كثيرين من حولنا سواء من الأهل أو الأصدقاء المشتركين يرون أن هذا الوضع غير طبيعي ولا يجب أن أفرض رأيي بهذا الشكل، لأن الحياة الزوجية تختلف عن التعامل مع الناس، ومن الضروري أن أحاول تغيير أسلوبي، لم أتقبل هذا الكلام ولم أفكر فيه ولم أعره اهتماماً، ومضيت حيث طبيعتي وسلوكياتي، فهذه الآراء بعيدة عن الواقع الذي أقدره ولا تتحدث عني وأنا أدرى بنفسي. تم الزواج، وقد كنت أنا وزوجي موظفين في عملين ومكانين مختلفين، لكن نخرج في الصباح معاً ونعود في أوقات متقاربة، وكانت البداية مبشرة يشعر كلانا بالسعادة الحقيقية على عكس المخاوف التي كان كثيرون يتطوعون ليزرعوها في نفوسنا، والدنيا أبسط مما يحاول الكثير من الأزواج والزوجات أن يجعلوها معقدة ويصبغوها باللون الأسود، وتتحول أوقاتهم للاستثمار في الشكاوى ولا تخلو من الندم، وربما يبالغون بأنهم لو عادت بهم الأيام ما فعلوها ويستخدمون ألفاظاً مثل جلاميد الصخر، أحياناً كثيرة لا معنى لها ولا قيمة، مثل ما يرددون بأن الزواج نظام اجتماعي فاشل، أو أنها غلطة لا يمكن إصلاحها لا بالاستمرار في الزواج ولا بالطلاق، لأنه بكل تأكيد سيترتب على هذا الإصلاح توابع أكثر خطورة. الطبائع التي تحدثت عنها كانت السبب في الوفاق بيني وبين زوجي، لأني مستريحة لهدوئه وإن شئت، فقل سلبيته وترك قيادة الأسرة الصغيرة لي وأنا أمسك بدفة الأمور، وهو لا يهتم بتحمل المسؤولية ويتقبل قراراتي بلا نقاش ولا رفض أو تعليق، وفي الحقيقة لم أكن متعسفة أو متجاوزة، وإنما أقصد أن ما كان يتم بيننا لم يكن له اعتراض عليه ولو كانت له ملاحظة لاستجبت أو ناقشته، فأنا لا يسعدني إلغاء شخصيته أو أن يكون مجرد ديكور في المنزل، فأنا أتحدث عنه ومعه أمام الجميع بكل احترام، ولم يكن أبداً قطعة شطرنج أحركها أو أضحي بها متى شئت، حتى لو كان عجينة في يدي أشكلها كما يحلو لي. لكن مضت خمس سنوات ولم نرزق بطفل وبدأت الألسنة تتحدث عن الأسباب ولا مانع أن يخترعوا ويدعوا ويتكهنوا، ولا مانع لديهم من اقتراح حلول من بنات أفكارهم، بعض هذه الأقاويل وصلت إلى مسامعنا ومعظمها لم يصلنا، ربما للحرج من طرح الموضوع، لكن أهلينا كانوا حادين في تناوله، فعندما يتحدث أقاربه معه يوجهون الاتهامات إليَّ وأنني السبب في ذلك، وعندما يتحدث أهلي يكونون كذلك ويؤكدون بلا دليل أنه السبب في عدم الإنجاب، بينما أنا وهو لم نناقش الموضوع من قبل، لكن الآن لابد من التصدي له لأنني أصبحت أشتاق إلى طفل، وقررنا أن نبحث عن السبب واتفقنا على ضرورة إجراء فحوصات طبية لنقطع الشك باليقين، وحددنا موعداً عند أحد الأطباء، لكن زوجي تهرب وأخذ يسوف ويؤجل وهذا ليس غريباً على شخصيته وطبائعه التي تصل إلى حد البرود، لذلك لم نبدأ إجراء الفحوص إلا بعد عدة أشهر. جاءت النتائج لتؤكد أن المشكلة عند زوجي، وإن كانت حالته ليس ميؤوساً منها لكنها ستحتاج إلى إصرار والتزام بالعلاج ونصائح وإرشادات الأطباء بكل دقة، وهذا ما يفتقده زوجي تماماً، لأنه على عكس أهوائه وتصرفاته وشخصيته، فهو لا يحسم ولا يجزم وكثيراً ما يترك الأمور إلى أن يفوت الوقت، والأهم من ذلك أننا اتفقنا على ألا نبوح بسرنا ولا نقول من السبب ونترك ذلك بلا نقاش، ونكتفي بأن هذه إرادة الله، وكنت حريصة على ذلك حتى لا تهتز صورة زوجي بين الناس وأيضاً بينه وبين نفسه وهذا من واجبي نحوه، لكن سلبيته تقتلني وجعلتني أتصرف بعصبية أكثر، وظهر ذلك واضحاً على علاقتنا التي بدأت تتأثر بذلك وتظهر فيها بعض الشروخ، فيتحول الصمت الذي كان ممتعاً إلى حوار صاخب بصوت عال وبالطبع لا يخلو من بعض الألفاظ الحادة. رغم كل ذلك، فإن الضغوط التي تعرض لها زوجي جعلته غير قادر على التحمل وانهارت قدرته، وأخبر أهله - على غير الحقيقة - أنني السبب في عدم الإنجاب وأنه سليم من كل النواحي ولا يعاني أي مشكلات، فكان مثل المستجير من الرمضاء بالنار، فقد اعتقد أنهم سيسكتون وينتهي الأمر، لكنهم كانوا مصرين وبكل حزم على أن يتزوج كي يلحق بقطار الإنجاب وأنه ليس مضطراً أن يكمل حياته أسيراً مع امرأة عاقر، ولم تكن هناك أي هوادة في توجيه كل الأوصاف غير اللائقة لي، بل واستغلوا الفرصة ليتحدثوا عني بما لا يجوز، كل ذلك وزوجي يصدق كذبته التي افتراها عليَّ ولم يهتم بمشاعري واكتفى بأن يبرئ نفسه، كي لا يتهم في رجولته. تغاضيت عن هذا الخطأ المتعمد، وتحملت توابعه وتبعاته، ورأيت أن من التعقل أن ننحني أحياناً للمشاكل كي تمر ولا تصطدم بنا أن استطعنا، فتلك انحناءة لا تجرح الكبرياء، ولا إهانة فيها إذا كانت بين الزوجين، فهذا لا يمس الكرامة ومن واجب كل طرف أن يكون غطاء لعيوب شريك حياته، ولا يظهر منهما أمام الناس إلا النواحي الإيجابية، وقد كان كريماً وقدر لي موقفي واعترف أنه اعتقد أن كلامه لن يخرج بعيداً عن نطاق الأسرة وأنه سينهي الأزمة وأنه أخطأ التقدير ولم يتوقع العواقب، ووعدني بأنه سيتغير إلى الأفضل ويتخلى عن سلبيته وسيكون طموحاً ويحلم بغد أفضل، لكن الطبع يغلب التطبع، فقد عادت ريمة إلى عادتها القديمة بمجرد أن انتهى من كلامه ولم يحاول أن يصلح من نفسه قيد أنملة. أصبح الجميع على قناعة تامة بأنني السبب في تعاسة زوجي وأنني أسيطر عليه وأنه أسير لشخصيتي القوية وغير قادر على التحرر من الدوران في فلكي ولا يمكنه الخروج والتخلص من جاذبيتي الوهمية، واتخذت أسرته قرارها بأن يتزوج قبل فوات الأوان، فقد بلغ الخامسة والثلاثين وأنا أصغره بعامين تقريباً والأعوام تمر سريعاً وقد تضيع الفرصة تماماً، ولا أعرف ما كان يدور خلف ظهري، حتى فوجئت بأنه يتزوج، وتأكدت أنه كعادته لم يكن له رأي في فعل ما يخصه، فقد قاموا بالخطبة والترتيبات والاتفاق وكل ما يخصه دون تدخل منه، إلى أن جاءت ليلة الزفاف وذهب ليجد نفسه عريساً. صعقتني المفاجأة أخرجتني عن الصواب وقد طاش عقلي وأنا أتساءل كيف يمكن لإنسان أن يخدع نفسه بهذا الشكل، حينها لم أعد قادرة على الاستمرار في كتمان الأسرار، فأنا في النهاية عندي مشاعر ولي حدود في الصبر والاحتمال، كانت المرة الأولى التي أبوح فيها بالحقيقة، بأنه السبب في عدم الإنجاب، فاتهموني بالجنون وأن ذلك من قبيل الغيرة من ضرتي الصغيرة التي لم تكن في مثل جمالي ولا المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي، وكنت الطرف الأضعف، لكن الأيام أثبتت الصدق والحقيقة، في الوقت الذي قاطعته فيه واتخذت قراري النهائي بالانفصال، فلن أقبل أن أعيش مع رجل بهذه الصفات والمراوغة. زوجي غير قادر على مواجهتي بأي شكل، حتى أنه خائف من اللقاء لاتخاذ إجراءات الطلاق، لأنه يقر بفعلته، وفي نفس الوقت أشعر بأنه يريدني ويحاول أن يستغل طريقته في التهدئة والتسويف، لكي يعود إليّ، ويحاول الآن بعد أن مرَّت ثلاث سنوات على زواجه الثاني أن يبعث لي برسائل مباشرة بأنه على استعداد لتطليق زوجته الثانية حتى تعود حياتنا إلى طبيعتها، صحيح أنها لا ذنب لها فيما حدث وأنها في الواقع ضحية، لكنني لا أقبل أن تكون لي ضرة، ومن ناحية أخرى غير قادرة على النسيان وتخطي ما حدث لأنه لم يكن هيناً، فالجرح أصبح عميقاً. لست راغبة في العودة إليه، وفي نفس الوقت خائفة من القادم بعد الطلاق ولا أستطيع أن أتوقع شكل حياتي القادمة وإن كنت متأكدة أن الخسائر ستكون كبيرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©