الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

رياح الانكماش تعصف بطموحات «آسيا الناشئة»

رياح الانكماش تعصف بطموحات «آسيا الناشئة»
17 أكتوبر 2015 21:30
ترجمة: حسونة الطيب أثر تراجع الأسعار على الأرباح متسبباً في فقدان الوظائف في دول آسيا الناشئة، بينما تنامت المخاوف حول انتشار تلك الآثار في مناطق أخرى، إذ دائماً ما تكون تحولات الأسعار، بمثابة المؤشرات التي تدل على تغيير عالمي. ورغم اختلاف الاضطرابات الاقتصادية النابعة من الشرق، ألا أنها تشير إلى تغيرات تهدد الثروات العالمية. وينتشر الانكماش، الذي هو عبارة عن تراجع طويل الأجل في أسعار السلع، من اقتصادات آسيا القوية ليحط رحاله في اليابان وأوروبا، بينما يقف حائلاً دون الجهود التي تبذلها أميركا للمحافظة على التعافي. وعلى رغم أن تراجع الأسعار في مجمله ربما يصب في مصلحة المستهلك، لكن يتخوف منه صانعو القرار لأنه يقضي على أرباح الشركات، وبالتالي يدفعها لتسريح بعض العاملين، ما يقود إلى الإحجام عن الطلب العام. والانكماش هو المسؤول عن تحول انهيار سوق الأسهم الأميركية في 1929، إلى الكساد الكبير. وتعتبر المخاوف من تحول موجة تدني الأسعار لأزمة شبيهة بأزمة 2008 – 2009، الدافع الأساسي وراء قرار بن برنانكي، ومن ثم مدير الاحتياطي الفيدرالي، بإطلاق برنامج التيسير الكمي. ولهذه الأسباب، فإن الدليل على سريان موجة من الانكماش في أرجاء آسيا مدفوعة بالفائض الصناعي وغياب الطلب التجاري وسوء الإنتاجية، يُعد سبباً رئيساً وراء هذه المخاوف. وما يزيد هذه المخاوف، الطبيعة الهيكلية للمشكلة، حيث جعل تزامنها مع عودة دول الاتحاد الأوروبي واليابان لدائرة الانكماش، في الوقت الذي تعاني فيه أميركا جراء ضعف أرباح الشركات، تراجع الأرباح في آسيا، قضية محورية. ويقول ألبرتو جالو، مدير قسم البحوث الأوروبية للائتمان الكلي:«يبدو أننا مقبلون على حالة من الانكماش العالمي. كما أننا استنفدنا كافة مقدراتنا في كل حقل، وبدلاً من تقليص السعة، قمنا بخلق فائض صناعي طويل الأجل يقود إلى انخفاض الأسعار والصين خير مثال لذلك». ويعزو بعض الخبراء، سبب تراجع الأسعار، إلى خلل كبير بين فائض العرض من الدول الآسيوية وضعف الطلب من أوروبا. وينحصر سيناريو هاجس الانكماش، في أن تراجع الأسعار في آسيا مستمر في خفض أرباح الشركات، ما أدى لعمليات تسريح جماعي والحد من طلب المستهلك. وربما يقود ذلك، إلى تفاقم قلة الطلب العالمي ومن ثم إضعاف النمو الاقتصادي في أوروبا واليابان وأميركا. نقلاً عن: فاينانشيال تايمز طال أكبر عشرة اقتصادات في آسيا «أسعار المُنتج» إلى أدنى مستوى منذ ست سنوات يتمثل جوهر المشكلة في آسيا في نوع معين من الانكماش الذي عصف بها. ولا تتعلق القضية بأسعار المستهلك التي لا تزال قوية في بعض المناطق، لكنها ترتبط بأسعار المنتجين القيمة التي يمكن أن تفرضها المصانع والمناجم والمزارع والمنتجين الآخرين مقابل سلعهم أو منتجاتهم المصنعة والمكونات التي يسوقونها. ووفقاً لمورجان ستانلي، انخفض مؤشر أسعار المُنتج، لأدنى مستوى له منذ ست سنوات في أكبر عشرة اقتصادات في آسيا باستثناء اليابان. وإندونيسيا هي الوحيدة بين الدول العشر التي لم تشهد أي تضخم في سعر المنتج، بينما ترزح كل من كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان، في أحضان التضخم لثلاث سنوات. وعانت الصين من تدني أسعار المنتج لنحو 42 شهراً على التوالي، لتصبح الوحيدة بين الاقتصادات الآسيوية الكبيرة غير اليابان في تسعينيات القرن الماضي التي تصاب بهذا النوع من الانكماش المستمر. وفي العموم، تراجعت أسعار المستهلك في الصين بنسبة 10,8%، من الرقم القياسي الذي كانت عليه في 2011. وأثار الانخفاض السريع الكثير من المخاوف، حيث تراجع مؤشر سعر المُنتج في أغسطس 2014 بنسبة قدرها 1,1% فقط، بالمقارنة مع 12,8% في الفترة ذاتها من العام الجاري. والانكماش الآسيوي ليس هو الوحيد المسؤول عن تراجع أسعار السلع حول العالم، حيث برزت التبعات الضارة أيضاً من الانخفاض في أسعار المنتجات والمكونات المُصنعة التي تراجعت بمتوسط سنوي قدره 4,4% في أغسطس الماضي. وتعاني الشركات الصناعية الصينية، تراجعاً في أرباحها بوتيرة سنوية قدرها 8,8%، في أكبر انخفاض منذ 2011. ويتكرر المشهد بالنسبة للشركات الكبيرة في دول المنطقة الأخرى في المبيعات والأرباح خلال الربع الثاني من العام الجاري. وأعلنت على سبيل المثال، شركة لونج ماي الصينية للفحم في سبتمبر الماضي، تسريح 100 ألف من العاملين لديها، في محاولة لإنقاذ ميزانيتها المنهارة. وتعرضت الشركة، لخسائر فادحة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي، ما اضطرها لبيع بعض أصولها، وإغلاق مناجم الفحم الحجري لتفي بديونها. وتجني شركة كاتربلر الأميركية للمعدات الثقيلة 60% من أرباحها قبل الضريبة، خارج الولايات المتحدة الأميركية، وفي الأسواق الناشئة تحديداً. وفي وقت توقعت أن تكون السنة المقبلة الرابعة على التوالي من التراجع، أقدمت الشركة على إغلاق 20 من مرافقها الصناعية منذ 2012 والاستغناء عن 31 ألف من العاملين لديها معلنةً أن 2016 ربما تكون السنة الرابعة غير المسبوقة من تراجع الأسعار. وأعلنت شركة حكومية أخرى هي «أرزنهونج الوطنية الصينية» العاملة في صناعة معدات الصهر والتشكيل، عن إخفاقها في تسديد فوائد المستثمرين. وعلى الرغم من صغر حجم عمليات العجز، إلا أن هناك عدداً كبيراً منها بالسندات المقومة بالعملة الأجنبية، 16 منها خلال الأشهر الثمانية الأولى، ما يزيد على السنة الماضية بأكملها. الركود في طريقه إلى الصين يعتبر انخفاض الأرباح مثيراً للقلق في مختلف أرجاء قارة آسيا، حيث يخلف ديوناً تقود إلى ركود في الميزانيات تُرغم فيه رسوم خدمة الدين الشركات للتركيز على الادخار أكثر من الإنفاق أو الاستثمار ومن ثم البطء في وتيرة النمو. ويرى بعض الخبراء، أن مثل هذا النوع من الركود في طريقه إلى الصين خاصة بين المنتجين الصغار. ويقول المعهد الدولي للتمويل، إن آسيا وخاصة الصين، أخذت نصيب الأسد من زيادة الدين التي بلغت خمسة أضعاف للشركات غير المالية في الأسواق الناشئة خلال العقد الماضي. ويقدر المعهد هذا الدين بنحو 23,7 تريليون دولار، أو ما يساوي 90% من الناتج المحلي الإجمالي للأسواق الناشئة. ويقول هونج تران، المدير الإداري للمعهد: «تراكم الدين بسرعة مذهلة للغاية. وتؤكد كافة البحوث، أن سرعة تراكم الدين تلعب دوراً هاماً في نوعية تلك الديون، وفي الأزمة التي يمكن أن تنجم عنها. ونلحظ زيادة العبء على الشركات المقترضة نتيجة خدمة هذه الديون». كما فاقم تأثير هذا العبء المرتبط بموجة الانكماش التي تسببت في تقليص أرباح استثمارات الشركات، في تدفق الأموال من الأسواق الناشئة المقدرة بنحو 540 مليار دولار هذه السنة، في أول مرة تكون فيها التدفقات سلبية منذ قيام فكرة الأسواق الناشئة في ثمانينيات القرن الماضي. وتكمن المشكلة باختصار، في أن المستثمرين المباشرين في المصانع والآليات أو في المحافظ والأسهم والسندات، لا يرون الأسواق الناشئة كمنطقة جاذبة لوضع أموالهم في الوقت الراهن. ويساهم انخفاض أسعار المنتجين، في تدني أرباح الشركات، بينما يخصم تسديد الدين من الأرباح أيضاً. صادرات المنطقة تسجل أسوأ أداء منذ 2008 تفاقم ديون الشركات يقلق المؤسسات المالية حذر صندوق النقد الدولي في سبتمبر الماضي من تفاقم دين الشركات، في حالة عمد الاحتياطي الفيدرالي ومؤسسات مالية أخرى، لتشديد سياساتها المالية. ومن المرجح، رفع الاحتياطي الفيدرالي، لأسعار الفائدة نهاية العام الحالي أو بداية المقبل، وذلك للمرة الأولى منذ عقد كامل. وجاء في تقرير الاستقرار المالي العالمي الشبه سنوي، الذي أصدره صندوق النقد الدولي مؤخراً: «ينبغي على الأسواق الناشئة الاستعداد لمجابهة المزيد من التدهور في الشركات». وتذهب نظريات الانكماش القديمة، في أن انخفاض أسعار المنتج، ناجمة عن انهيار في الطلب الكلي. ويقود ذلك، حسبما أوضح بن برنانكي في 2002، إلى تراجع كبير في الإنفاق يرغم المنتجين على خفض الأسعار بصورة مستمرة لجذب المشترين. كما يؤدي هذا التحليل مباشرة لاستجابة أميركا لخطر الانكماش بإنعاش الطلب، من خلال ضخ السيولة في الاقتصاد بما يعرف بسياسة التيسير الكمي. ومهما يكن، ففي حالة انكماش آسيا على الأقل، يبدو من المحتمل أن فائض العرض وليس عدم كفاية الطلب، هو العامل الأساسي وراء تراجع أسعار المنتج. وإذا صح ذلك، فإن جولات لا نهاية لها من سياسات التيسير الكمي، ربما تفاقم مشكلة الانكماش بدلاً من تخفيف حدتها، وذلك من خلال إطالة أمد فائض العرض عبر توفير القروض الرخيصة للشركات. ويؤكد بعض الخبراء، تداعي العقبات التي تقف أمام الدخول في قطاع الصناعة الآسيوي، كأحد أسباب استدامة فائض المعروض من المنتجات. كما تسببت في ذلك أيضاً برامج التحفيز الحكومية، مثل الإعفاءات الضريبية وتخفيض أسعار شراء الأراضي وغيرها من السياسات الوطنية، التي تهدف لجذب الاستثمارات الصناعية لأرجاء المنطقة المختلفة. ويقول مايكل بور، الخبير الاستراتيجي في مؤسسة إنفستيك لإدارة الأصول: «حازت فيتنام على مقر مصنع ضخم لإنتاج الهواتف المحمولة لشركة سامسونج، في حين تُعد بنجلاديش المركز الصناعي الذي تهاجر له شركات الأزياء العالمية الراقية. وبدأت كل من كمبوديا وإندونيسيا في جذب شركات أخرى أيضاً. كما أطلقت الهند حملة«صنع في الهند»، وهي بالفعل من الدول الرائدة في صناعة الدراجات النارية والبخارية». ويصطدم تسونامي الطلب هذا، بالركود التجاري في آسيا، حيث سجلت صادرات المنطقة أسوأ أداء لها منذ أزمة 2008/‏‏ 2009، بتراجع قدره 7,7% للشهر التاسع على التوالي. وتعتبر أسباب تلاشي النمو التجاري في آسيا، أكثر أهمية من التوجه نفسه. وفشل ضعف قيمة العملات مقابل الدولار، في تعزيز أداء الصادرات على عكس المتوقع، لكنه مع ذلك، قلص الطلب على الواردات، ما فاقم سوء حالة الانكماش. ومن الصعب رؤية أمل في هذه المرحلة من فترة الانكماش في آسيا في ظل استدامة فائض الإنتاج وضعف الطلب التجاري والإنتاجية الهزيلة والمعاناة التي يعيشها الاقتصاد العالمي. نقلاً عن: فاينانشيال تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©