الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ساسة أميركا ودرس المكسيك

22 أكتوبر 2013 23:07
كارلوس هيريديا مكسيكو سيتي يحتار المكسيكيون ويندهشون عندما يفكرون بالأزمة السياسية المستعصية التي تعيشها جارتهم الولايات المتحدة. وذلك لأننا نحن المكسيكيين تعوّدنا على مرّ الزمان أن نتعلم من الشمال أهمية العمل المشترك والتعاون حتى نصبح قادرين على حكم بلدنا بالطريقة السليمة. إلا أن الأمور عندنا على ما يرام بخلاف الحال في أميركا، ونشعر أننا بحال أفضل مما كنا نتوقع، خاصة ونحن نرى أحزابنا السياسية وهي تتعاون بحسن نيّة لحل المشاكل الوطنية العاجلة. وربما أصبح هناك ما يمكن للولايات المتحدة أن تتعلمه من المكسيكيين لأول مرة. وغالباً ما تستخدم «هوليوود» تعبير «المجابهة على الطريقة المكسيكية» لوصف الحالة التي يصبح معها من الخطر الشديد على أي من العدوين المتجابهين المسلحين بالمسدسات أن يطلق النار على الآخر، أو أن ينسحب من المواجهة. وربما أصبحنا بحاجة لأن نعيد تركيب هذا التعبير إلى «المجابهة على طريقة واشنطن» بعد أن شهدت الولايات المتحدة عام 2013 خلافاً حاداً على تحديد سقف الميزانية الحكومية وما تبعها من تداعيات خطيرة مثل إغلاق الوكالات الحكومية، وانسداد القنوات الحوارية بين أقطاب السياسة، والتطرف، والاستقطاب الأيديولوجي، وأدى كل ذلك إلى الرفع من مستوى المجابهة لتتحول إلى حالة مزمنة. وبدخول «الميثاق من أجل المكسيك» حيّز التنفيذ، تمكن الرئيس المكسيكي «إنريك بينيا نييتو» من تحقيق إنجاز سياسي ضخم سمح للأحزاب الثلاثة الكبرى في المكسيك بتنفيذ عدة خطط إصلاحية بالغة الأهمية. وتضمنت هذه الخطط إقرار مشاريع قوانين ترمي إلى رفع مستوى التعليم وزيادة القوة التنافسية للاقتصاد وتطوير قطاعات الاتصالات. وفي الماضي، كان إقرار مثل هذه القوانين الإصلاحية في الكونجرس المكسيكي بالغ الصعوبة، وعلى سبيل المثال، لم يتمكن المشرّعون المكسيكيون (النواب) من المساس حتى بنشاطات اتحاد المعلمين. ويمكنك أن تفهم الآن لماذا كان أوباما يتعرض لهجوم مُرّ من خصومه خلال السنوات الماضية عندما كان يعبّر عن إعجابه بأسلوب المكسيكيين البارع في بناء ثقافة التوافق السياسي وفلسفة بلوغ حالة الإجماع على الرأي. ولقد أشار إلى هذه الخصال عند زيارته إلى المكسيك في شهر مايو الماضي حين وصف الأحزاب السياسية المكسيكية بأنها تتنافس فيما بينها بشراسة، إلا أنها تنبذ الاستقطاب والعداء فيما بينها. والآن، يعتزم «نييتو» تحقيق المزيد من الإصلاحات التي تندرج ضمن بنود «الميثاق»، بحيث تكتمل مع حلول نهاية العام الجاري. وهو يتوقع أن يوافق الكونجرس على إمرار مشروع الإصلاح المالي الذي يتضمن إعادة النظر في الضرائب المفروضة على الأغنياء بدعم من «الحزب الثوري الديموقراطي» ذي التوجّه اليساري. وهو يحضّر أيضاً لإمرار مشروع آخر يتعلق بالإصلاح السياسي ويعيد النظر في قانون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بدعم من «حزب النضال الوطني» اليميني. ولم يتم حتى الآن اتخاذ مواقف واضحة من مشروعه لإصلاح قطاع الطاقة، والذي تكمن غايته الرئيسية في السماح لشركات القطاع الخاص المحلي والأجنبي بالمساهمة في رأسمال شركة «بيميكس» النفطية العملاقة المملوكة للدولة. فما هي الحوافز التي تدفع هذه الأحزاب السياسية للعمل معاً؟ يُعزى بعضها للمصالح السياسية الذاتية لهذه الأحزاب. وذلك لأن «الحزب الثوري الدستوري»، الذي ينتمي إليه «نييتو»، لا يتمتع بالأغلبية في الكونجرس، وهو يحتاج بالتالي إلى دعم الأحزاب الأخرى من أجل ضمان إقرار مشاريع القوانين التي يقترحها. وهذا الحزب لا يرفع شعارات أيديولوجية معينة، بل يميل إلى البراجماتية، وهذا ما مكّنه من الاحتفاظ بمنصب الرئاسة لأكثر من 70 سنة حتى عام 2000. وتمكن «حزب النضال المكسيكي» من الفوز بمنصب الرئاسة من عام 2000 حتى 2012، وهو يعمل من أجل استعادته عام 2018 بعد أن أثبت أهمية دوره الإصلاحي الفعال بالنسبة للشعب المكسيكي. واحتفظ «الحزب الثوري الديموقراطي» بمنصب الرئاسة خلال السنوات الست عشرة الماضية، وهو يرفع شعار العمل على تحقيق الانسجام والتفاهم مع الأحزاب الأخرى من أجل تحسين صورته حتى يقنع الشعب بأنه جدير بحكم المكسيك. وقد تنطبق بعض هذه الحسابات على الحالة السياسية في الولايات المتحدة. ويتزامن العمل «بالميثاق من أجل المكسيك» مع شعار آخر أطلق عليه اسم «لحظة المكسيك» Mexican moment، وهو تصوّر يهدف إلى إنشاء مؤسسات متينة تضمن تحقيق النمو المستقبلي والتقدم الاجتماعي ويمكنها أن تحوّل المكسيك إلى دولة متطورة خلال سنوات قليلة. وكان لهذه الفكرة أن تساهم في تعزيز أواصر الشراكة السياسية بين الأحزاب المكسيكية المتنافسة. وهذا يمثل درساً آخر لم تتعلمه واشنطن بعد. وبالرغم من كل هذا، فإن «الميثاق» يواجه بعض نقاط الضعف. فلقد كان التعاون بين الأحزاب المكسيكية يعكس على الدوام ظاهرة تحقيق مصالح النُخب الاجتماعية والاقتصادية كأصحاب الشركات والسياسيين والحرفيين. ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة من خلال الحجم الصغير لشريحة الطبقة الوسطى في المكسيك. وأجمعت آراء معظم المواطنين على أن من الأولويات التي يجب أن تعمل بموجبها الحكومة، التصدي لبعض الظواهر الأمنية، مثل أعمال الاختطاف والقتل التي تمارسها عصابات الجريمة المنظمة، وضمان الأمن الاجتماعي للمواطنين. وقال بينيا نييتو: إن خطة إصلاح قطاع الطاقة تصبّ في مصلحة الاقتصاد وتشجع الأموال الاستثمارية العالمية على التدفق إلى البلاد، إلا أن العديد من المواطنين يعتقدون أن العوائد والأرباح التي ستوفرها مثل هذه الخطط لن تستفيد منها الطبقات المتوسطة والدني. وتواجه المكسيك والولايات تحديات متشابهة في مجال إصلاح الهياكل والقوانين الدستورية، وبالرغم من اختلاف الأنظمة السياسية في الدولتين، إلا أنهما تتشابهان في العزلة التي يعيشها السياسيون لأنهم ابتعدوا تماماً عن التفكير في الهموم اليومية التي يعاني منها المواطنون العاديون. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©