الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هيلاري وساندرز حاجة لا بد منها!

17 أكتوبر 2015 22:42
في خريف 1991، وأثناء قيامي بتغطية حملة مرشح رئاسي ديمقراطي في ولاية «نيوهمبشاير» كان قد اعتاد في خطبه أن يردد مسمى أدهشني في ذلك الوقت، وهو «سوق العمل السويدي النشط»، الذي كان يشير لبرنامج لدى الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي، يهدف لتدريب العمال العاطلين عن العمل على نفقة الحكومة، والربط بينهم وبين الوظائف المتاحة. كان ذلك المرشح هو بيل كلينتون حاكم ولاية أركنساس في حينه. يوم الثلاثاء الماضي، ذُكّرت بقوة بتأييد كلينتون الذي كان غير متوقعاً لسياسة اشتراكية ديمقراطية اسكندنافية، وكان من ذكرني بذلك زوجته هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية السابقة، في كلمة لها تهكمت فيها على السيناتور بيرني ساندرز (مستقل- فيرمونت) لاستشهاده بالدانمرك كنموذج يجب أن يحتذى به من قبل الولايات المتحدة، في مجال «التغيير التقدمي». ليس قصدي هنا القول إن بيل كلينتون كان اشتراكياً متخفياً في رداء ليبرالي، فهو في الحقيقة أبعد ما يكون عن ذلك، وإنما كان قصدي أن أوصل معنى مؤداه أن العلاقة بين الديمقراطية الاشتراكية الأوروبية التي يثني عليها ساندرز، والتقدمية الأميركية التي تدافع عنها هيلاري كلينتون معقدة، وفي بعض الأحيان تكافلية، مع وجود مساحات واضحة للتداخل والاختلاف بينهما، فالديمقراطيات الاشتراكية في شمال أوروبا لديها معدلات ضرائب أعلى مما لدينا، وهي ضرائب تغطي طائفة من المنافع الاجتماعية أكبر مما لدينا أيضاً. وهذا الفارق ليس كمياً فحسب، وإنما هو كيفي كذلك، لأن إيمان الديمقراطيين الاشتراكيين الأوروبيين بحقوق المواطنين في المجال الاقتصادي، يمتد لمدى أعمق من إيماننا. لكن الفارق الأهم بين الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية الأوروبية، والحزب الديمقراطي في الولايات المتحـــدة، هو أن الأولى لديها قوة عمالية مؤسسية بدرجـــة أعلى بكثــــير مما لدى الحزب الديمقراطي الأميركي، وهو من حيث الجوهر حزب لكل من رأس المال، والعمل معاً كما هو معروف. وهذه الحقيقة كانت ذات أهمية كبيرة، بشكل خاص في عهد العولمة بعد سنوات السبعينيات، فبينما تحولت معظم المؤسسات والشركات الكبرى لكافة الدول الغربية في ذلك العهد إلى شركات عالمية، فإن شركات دول شمال أوروبا احتفظت -كنتيجة للقوة التي يتمتع بها العمال فيها- بأفضل الوظائف داخل أوطانها، ومازالت حتى هذه اللحظة تعرِّف نفسها بأنها شركات وطنية. أما الشركات الأميركية، على خلاف ذلك، فتعرِّف نفسها بأنها عالمية، وتبدو مقتنعة بتصدير الوظائف للخارج، ولا تستثمر سوى القليل من الأموال- إذا ما استثمرت أصلاً- في تدريب العمال على الوظائف التي تتطلب درجة عالية من المهارة داخل الولايات المتحدة. ولا يرجع ذلك إلى أن المديرين التنفيذيين للشركات الأميركية أقل وطنية من نظرائهم الأوروبيين، وإنما إلى كون الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية الأوروبية زودت العمال بالقوة اللازمة للتحكم في سلوك الشركات، وصاغت سياسات تعمل على تفضيل اقتصادات بلادها عن غيرها من اقتصادات الدول الأخرى، كما قلصت من حجم ونفوذ رأس المال الذي لا يمنح سعيه للأرباح أي وضعية خاصة لفكرة «الوطن الأم». بعد هذه الخلفية، يمكن القول، إن كلينتون وساندرز يؤيدان توسيع الحقوق الاقتصادية للأميركيين، من خلال دعمهما لسياسات مثل الإجازات العائلية المدفوعة الأجر، كما أن الاثنين يؤيدان وجود اقتصادات تعتمد على المشروعات الصغيرة النشطة، مثل تلك التي ساعد ساندرز على تفريخها عندما كان يشغل منصب عمدة بيرلنجتون، بولاية فيرمونت، والتي تتفق بشكل تام مع النظرية والممارسة الديمقراطية الاشتراكية. كما أن الاثنين يؤيدان أيضاً الحد من القوة الاقتصادية والسياسية للبنوك، وإن كان ساندرز يفوق كلينتون في هذه النقطة. الفارق- أو الفارق الاشتراكي إذا ما أردت- هو أن ساندرز يدرك حقيقة التهديد الكامن الذي يشكله وول ستريت لاقتصاد الولايات المتحدة، كما يدرك أن تعزيز قوة العمال وحقوقهم، يجب أن يكون هو المهمة الأساسية للديمقراطيين في أوقات اليسر وأوقات العسر معاً، كما يدرك أن هذا النوع من الحركة الذي تولده حملته يعد ضرورياً لفهم ليس أجندته «الثورية» فحسب، وإنما أجندة كلينتون «التقدمية» أيضاً. إن أعظم تجليات الإصلاح التقدمي في ثلاثينيات وستينيات القرن الماضي، كانت نتاجاً مشتركاً لرؤية وسياسات رؤساء ليبراليين، واضطرابات الشوارع في الثلاثينيات، واحتجاجات الحقوق المدنية في الستينيات. فمن المعروف أن الليبرالية في الولايات المتحدة لا تتقدم إلا عندما تتضخم الراديكالية، وهو ما يفسر سبب احتياج كلينتون وساندرز لبعضهما، كما يفسر لماذا يحتاج الحزب الديمقراطي للاثنين معاً. هارولد ميرسون* *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©