الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

العلماء: الإسلام ضد التعصب للرأي

العلماء: الإسلام ضد التعصب للرأي
6 نوفمبر 2014 23:25
حسام محمد (القاهرة) تشهد المجتمعات الإسلامية تراجعاً إلى حد كبير في قيم التسامح والرحمة التي دعا لها الإسلام، ورسخ الرسول، صلى الله عليه وسلم، قواعدها، حيث تسود حالة من التربص بين الأفراد بشكل مبالغ فيه، فاليوم تجد الناس يشاقون بعضهم بعضاً لأتفه الأسباب، ويرفض كل طرف التنازل قيد أنملة عن موقفه. في هذا السياق يطالب علماء الدين بضرورة تعزيز ثقافة الحوار والتسامح في المجتمعات الإسلامية، وغرس قيم التراحم بين الناس على النحو الذي رسخه نبي الإسلام، صلى الله عليه وسلم. التسامح مع المنافقينيقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، متسامحاً حتى مع المنافقين الذين يعرف أنهم كذلك، ومع أنهم يمثلون أعداء الداخل، فلقد عفا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن ابن أبي بن سلول مراراً، وزاره لما مرض، وصلى عليه لما مات، ونزل على قبره، وألبسه قميصه، وهذا الرجل هو الذي آذى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في عرضه يوم حادثة الإفك، فيقول عمر لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، أتصلي عليه وهو الذي فعل وفعل؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عمر، إني خُيّرت فاخترت قد قيل لي «اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ»، ولو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت». ويضيف: كتب السيرة تذكر أنه لما جاء رجل ورفع السيف على النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال: من يمنعك مني يا محمد؟ قال: الله، ثم سقط السيف من يده، ثم أخده النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: «من يمنعك مني؟»، ثم أخذه إلى أصحابه وأخبرهم الخبر، فتعهد للنبي، صلى الله عليه وسلم، أن لا يحاربه، ولا يكون مع قوم يحاربونه، وفي فتح مكة حين قال، صلى الله عليه وسلم، لقريش «ما تظنون أني فاعل بكم» قالوا أخ كريم وابن أخ كريم، قال «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وكذلك فعله، صلى الله عليه وسلم، مع ذلك الرجل الذي كان يضع القمامة في طريقه، صلى الله عليه وسلم، وحينما خرج في يوم من الأيام، ولم يجد القمامة في طريقه سأل عن الرجل فأخبروه بأنه مريض فذهب يعوده. ويطالب بضرورة تعزيز ثقافة الحوار والتسامح في المجتمعات الإسلامية، على النحو الذي رسخه لنا النبي، صلى الله عليه وسلم، فلو نجحنا كعلماء وبالتعاون مع الإعلام في نشر ثقافة التسامح، فإننا سنساهم في تخليص المجتمعات الإسلامية من آفة الخلاف. العفو والتسامحويشير الدكتور محمد المختار المهدي عضو هيئة كبار العلماء إلى أن الإسلام يحثنا على الإخاء والتراحم، مؤكداً أن التعاون الإسلامي مجاله البر والتقوى وليس الإثم والعدوان كما بيَّن ذلك القرآن الكريم: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، «سورة المائدة: الآية 2». فقد جاء رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، حاملاً هذه الرسالة العظيمة المتضمنة لكل معاني القيم الإنسانية والحضارية، وفي طليعة هذه القيم التسامح، وقد جسّد هذا الخُلُق في مفاهيم عملية فحوّلها من مجرد قيمة إلى مفهوم عملي لازم حياته في جميع مراحلها. ويضيف: تناسي الكثير من المسلمين أن التسامح في دين الإسلام بين المسلمين أمر واضح، فقد وردت فيه نصوص كثيرة ومنها:(فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ.»، «سورة الشورى: الآية 40». الحلم الجميل ويشير الدكتور الشحات الجندي الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية إلى أن المصطفى، صلى الله عليه وسلم، كان حليماً مع أصحابه وأعدائه، فلم يكن يغضب إلا حين يكون هناك تساهل في إقامة حدود الله أو إساءة للدين، أما لنفسه فلا، وهناك كثير من المواقف التي تؤكد أنه، صلى الله عليه وسلم، كان حليما في معاملاته مع الناس حتى ولو كانوا أعداءه، ومن الوقائع الدالة على حلمه أنه صلى الله عليه وسلم، توجه إلى مكة في السنة السادسة من الهجرة لأداء العمرة، فأحرم هو ومن معه من المسلمين وبعد أن وصل إلى ذي الحليفة أرسل عيناً له من خزاعة لينقل إليه أخبار قريش وحالهم، فرجع وأخبره بأن قريشا قررت صده عن المسجد الحرام، فغير رسول الله طريقته في السير حتى إذا نزل بالحديبة جاء بديل بن ورقاء وأخبره بأن ابن لؤي سيقاتلونه، ويمنعونه عن دخول مكة، وبعد ذلك توالت الرسل من قريش إلى رسول الله دارت بينهم وبينه مناقشات حول رجوعه هو ومن معه عن مكة هذا العام. كتاب الصلح وكان آخر الرسل سهيل بن عمرو الذي بعثته قريش لعقد صلح مع رسول الله بشرط أن يرجع بمن معه من المسلمين عن مكة هذا العام، فجاء سهيل إلى رسول الله وتكلم معه، ثم اتفقا على عقد الصلح فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب، ليكتب كتاب الصلح مع قريش في الحديبية، وكان الممثل لقريش في عقد الصلح هو سهيل بن عمرو، فلما أملى الرسول، صلى الله عليه وسلم، وقال اكتب «بسم الله الرحمن الرحيم»، فقال سهيل: «أما الرحمن»، فو الله لا ندري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم، فأمر النبي، صلى الله عليه وسلم، علياً بذلك، ثم أملى «هذا ما صالح عليه محمد رسول الله»، فقال سهيل: لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمداً بن عبد الله، فقال: «إني رسول الله، وإن كذبتموني»، وأمر علي بن أبي طالب أن يكتب محمداً بن عبد الله. وموقف آخر يدل على حلمه صلى الله عليه وسلم، وذلك حين كان يطوف بالكعبة يوم فتح مكة، وكان فضالة بن عمير بن الملوح قد فكر في قتله، فلما دنا من الرسول قال له: «أفُضالة» قال نعم فضالة يا رسول الله قال: «ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال لا شيء كنت أذكر الله، فضحك، الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قال «استغفر الله»، ثم وضع يده على صدر فضالة فسكن قلبه، فكان فضالة يقول: والله ما وضع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إليَّ منه». كادر مع موضوع التسامح التواصل والتعاون والتعارف بين الناس يقول الدكتور محمد المختار المهدي عضو هيئة كبار العلماء، إن تنازل المسلم لأخيه المسلم عن حقه مما يؤجر عليه عند الله ويزداد به في الدنيا والآخرة. ويضيف: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إشاعة جو التسامح والسلام بين المسلمين، وبينهم وبين غيرهم من الأمم، واعتبر ذلك من مكارم الأخلاق، فكان في تعامله مع المسلمين متسامحاً حتى قال الله تعالى فيه: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)، «سورة التوبة: الآية 128»، وكان مع غير المسلمين ينطلق من هذا المبدأ العظيم ليكرّس قاعدة التواصل والتعاون والتعارف بين الناس، ولتكون العلاقة الطيبة الأساس الذي تُبنى عليه علاقات ومصالح الأمم والشعوب، وحتى مع أعدائه الذين ناصبوه العداء كان متسامحاً إلى حد العفو عن أسراهم واللطف بهم والإحسان إليهم، لافتا إلى أن الرسول - صلى الله عليه سلم - أثناء عودته من الطائف، وبعد أن أدموه وأغروا به سفهاءهم وغلمانهم، وبعد أن طردوه من قريتهم، وأساؤوا معاملته، يأتيه ملك الجبال يقول: مُر يا محمد، فيقول رسول الله: لعلّ الله يخرج من أصلابهم من يعبده وينصر هذا الدين، لقد كان ملك الجبال ينتظر منه إشارة ليطبق عليهم الأخشبين، ويغرقهم في ظلمات الأرض فلا ينجو منهم أحد، ولكن الرحمة في قلبه وخُلُق التسامح دفعه إلى الاعتذار من ملك الجبال، وقال قولته الشهيرة التي تنمّ عن مسؤولية عظيمة وخُلُق فاضل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©